من أمام قصر عدل بيروت، نفذ تجمع “نقابة الصحافة البديلة” وقفة رمزيّة صباح اليوم الخميس 1 حزيران الجاري، تضامنًا مع الصحافية ورئيسة تحرير موقع “شريكة، ولكن” حياة مرشاد، التّي تمّ استدعاؤها للمثول أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة وحماية الملكيّة الفكريّة، على خلفية شكوى “قدح وذمّ” كان قد تقدّم بها المخرج المسرحيّ جو قديح بحق مرشاد والمنصة، على خلفيّة مقال نُشر في المنصّة المذكورة، شهر نيسان الماضي، شمل مطالبات حقوقيّة ودعوى لمقاطعة مسرحية له كان من المُزمع عرضها على مسرح “مونو”، ذلك تضامنًا مع عدد من الضحايا (15 ضحيّة) واللواتي تقدمن عبر المنصة منذ ما يقارب السّنتين بشهادات عن تعرضهن لتحرّشٍ جنسيّ وجسديّ متكرّر على يدّ قديح. فيما أُلغيّ العرض المسرحي حينها، على إثر الضغط الإعلامي وحملات المقاطعة.
وقد تزامنت الوقفة الاحتجاجيّة التّي حضرها العشرات من الصحافيين والحقوقيين ومدعومة من مجموعات نسويّة، مع الموعد الذي حدّده المحامي العام الاستئنافي في بيروت زاهر حمادة للصحافية حياة مرشاد للمثول أمام مكتب جرائم المعلوماتيّة. مصرًا على استدعائه بالرغم من إبراز مرشاد بطاقة عضويتها في نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة، وامتنعت الأخيرة عن المثول أمام الضابطة العدليّة للتحقيق معها في شأنٍ مهنيّ، متمسكةً بحصانتها الصحافية.
وقفة احتجاجيّة
على مدار الأسبوع المنصرم، وخبر استدعاء الصحافيّة ورئيسة تحرير موقع “شريكة، ولكن” يتفاعل على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وبين المجموعات النّسويّة والحقوقيّة والإعلاميّة. ذلك لكون الاستدعاء الذي وُجه لمرشاد، وعلى سيرة الاستدعاءات التّي طالت عددًا من الصحافيين في الشهرين الأخيرين، يحمل ضمنًا مخالفة واضحة وصريحة لقانون المطبوعات الذي يزود الصحافيين بالحصانة لجهة ما يتعلق بالأفعال ذات الطابع الصحافي، والتّي يلاحقون عليها، وحقهم بعدم المثول إلا أمام قاضي التحقيق أو محكمة المطبوعات. ذلك فضلاً عن انكشاف نيّة السّلطات القضائيّة بتكريس نهج مستحدث قوامه اهمال وتهميش القوانين والنُظم القضائيّة، لصالح ما اعتبره المشاركون “ترهيبًا وتكميمًا للأفواه المعارضة”، واصطفافًا مع الخارجين عن القانون ضدّ الغيارى عليه من الصحافيين والحقوقيين والرأي العام.
ورفع المتظاهرون لافتات احتجاجيّة حملت شعارات مثل: “لن نمثل لترهيبكم”، “لا لترهيب أقلامنا، النسويّة الحرّة”، “قضاء يحمي المتحرشين ويُلاحق الصحافيات والناشطين”، “القضاء الأبويّ يخذل الناجيات ويُلاحق حياة مرشاد” وغيرها.. وطالب تجمع “نقابة الصحافة البديلة” في معرض استنكاره المنهج القمعيّ، النيابة العامة التّمييزيّة البت بطلب استرداد طلب القاضي زاهر حمادة بإحالة مرشاد الى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، ليحيل الملف بالتالي الى محكمة المطبوعات. والذي تقدم به وكيل مرشاد القانوني ومحامي “تجمع نقابة الصحافة البديلة” فاروق مغربي، لدى مدعي عام التّمييز غسان عويدات. ليقوم الأخير بتحويل الطلب إلى القاضي زياد أبو حيدر الذي أرسل الطلب بدوره مرة أخرى الى القاضي زاهر حمادة.
منهج قمعي
ولفت التّجمع لفداحة “تنصل عويدات من مسؤوليته بإصدار تعميم إلى النيابات العامة بإحالة القضايا الصحافية إلى القضاء المُختص”. مصريّن على تمسكهم بحقوقهم المكرسة قانونيًّا، ومعركتهم بكل من يحاول المساس بها. واستنكارهم واستغرابهم من الجسم القضائي الذي تَحرك لاستدعاء الصحافية مرشاد على خلفية شكوى “قدح وذم” ولم يتحرك في القضيّة الحقوقيّة والانتهاكات الجسيمة التّي مارسها قديح بحقّ 15 شابة (بينهم قاصرات بحسب ما أشار تقرير شريكة، ولكن) فضلاً عن تقاعسه في تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المرتبطة بالعنف الجنسيّ بالرغم من القانون المرعي الإجراء. معتبرين أن آفة الاستنسابيّة المتفشية في الجسم القضائي هي التّي تحول اليوم دون الحكم العادل والفعليّ في عموم القضايا المطروحة والملفات السّاخنة.
واستدعاء مرشاد والظروف التّي أحاطت بملفها، قد تكرّرت في غضون الأشهر الأخيرة، ومشابهًا لما تعرض له الزميلان لارا البيطار وجان قصير مطلع شهر نيسان الماضي (راجع “المدن”). إذ بات استدعاء الصحافيين المناوئين للمنظومة تارةً وقمعهم بحجج مواربة تارةً أخرى، منهجًا تسلكه المنظومة الحاكمة ممثلةً بالجسم القضائي في محاولة علانيّة وخبيثة لإسكات الأصوات المعارضة وتحييد المعنيين عن دفة المساءلة وطمس القضايا وتمييعها عوضًا عن الالتزام بالواجبات المنوطة به أكان قانونيًا أم أخلاقيًا، وهذا المنهج قد أفرز تباعًا تراجعًا صادمًا ومأساويًا في هامش الحريّات عامةً وهامش حرية الصحافة على وجه التخصيص. فضلاً عن كونه وبلا شكّ استنزافًا لموارد وطاقات الدولة المنهارة والمنكوبة، هذه الطاقات المهدورة في مسارٍ جهنميّ لا طائل منه سوى هدم آخر ما تبقى من حيز الحريّات والحقوق وتقييد آخر المرجعيات المثابرة على سبر غور الحقيقة والعدالة.
المصدر: المدن
بتول يزبك