لنطرج سؤالا ، ونُجيب عليه ، كمقدّمة بسيطة لما سيأتي تباعًا . ورغمَ أنّ الجواب سيصدمكم لا محالة ، لكن الجرأة والصراحة يجبُ أن تتوفّر في علاقتنا مع الله ! ومع إيماننا المسيحيّ ككلّ . فالخوفُ شللٌ وفقدان العلاقة مع الله وتشويه الصورة الحقيقيّة .
هل نتوصّل يومًا إلى الإستطلاع ، أو معرفة ماهيّة الله وجوهره ؟ الجواب هو : نعم ، بدون أدنى شكّ .. لكن ، كيفَ يمكنُ هذا ؟ إنه جنونٌ
مَن عَرَف جوهر الله ؟ مَن أدركَ كنه الله وأسراره ؟ نعم ، مؤكّد أنّ الجواب خطيرٌ جدّا ، لكننا وبكلّ صدق ٍ ، علينا أن نكون جريئين : يسوع الناصريّ . نعم ، مع يسوع كلّ ما نريده من الله ، عرفناه . فيسوع هو جوهر الله . ولا يمكننا أن نفكّر في الله ونتأمّل به ، خارجًا عن واقع وتاريخ يسوع الناصريّ . لكن ، فلننتبه جيّدا لأمر مهمّ : أيّ واقع يا تُرى هذا الذي ، من خلاله ، ندرك جوهر الله ؟
إنه واقع ” الخبرة الفصحيّة ” ، آلام – موت – قيامة . فسرّ العلاقة البنويّة هي : ألم وموت وقيامة . وهذه الأمور الثلاثة ظاهريّا ، هي ، واحد . فكما يقال دائمًا : إنّ قيامة يسوع هي في آلامه وموته ؛ إنّها خبرة حياة ، وليس وهمًا أو أسطورة من أساطير هوميروس وغيرها
هذا التفسير ، لا ينطلقُ من : الــ ” “ أتصوّر “، و ” أظنّ “، أو من المزاج أو المصادفة . إنه ينطلقُ من بشر لهم حدودهم وأطباعهم وحضاراتهم . الله ليس جماد ، بل أيقونة حيّة ، متحرّكة ، نحو الأمام ، نحو المستقبل . وما قصّة المجوس الذين نراهم في إنجيل متّى 2 ، إلاّ اختصارًا لكلّ المسيرة الطويلة في اكتشاف الإنسان لله . فالنجم : هو الطبيعة وعبادتها كـ ” مرحلة البدايات ” ، وفيه نرى ، الطبيعة مجمعُ الآلهة ، آلهة البدايات ، آلهة الطبيعة ، إله المعابد .. إلخ
جاءَ الوحي كاشفا لنا واقعًا حيّا ، إله الوعد ، إله الطريق ، إله يعطي علامات ٍ ، إله التاريخ الواقعيّ . وهذا ما نراهُ في الكتاب المقدّس : مسيرة العهد القديم ، وأخيرًا سيقولُ الإنجيل بحسب متّى : سترونَ طفلا ! أي الإنسان . إنه بداية حضور الله الدائم مع الإنسان . انتهى زمنُ الشعور الدينيّ البدائيّ القديم المتمثّل في عبادات ٍ وهميّة لآلهة منوّعة .. يلتجأ إليها الإنسان من أسفل إلى أعلى … وبدأت مرحلة جديدة من أعلى إلى أسفل : الوحي وكشف الله عن ذاته ، للإنسان
ولا بدّ ، هنا ، أن يولد الشكّ . وولادة المخيّلة والحاجات العاطفيّة .. بعض الناس ، لإنّهم فهموا هذا على ضوء العلوم الحديثة ، تركوا حتى فكرة الله ، أو أصبحوا ” لا دينيّين ” ، لا مبالين بوجود الله وبعلاقتهم معه ، إلاّ من خلال العلم والبحث التجريبيّ . فهناك فرقٌ بين فكرة الله ، وبين الله حسب الخبرة الفصحيّة
هنا نحنُ نعملُ بحسب المثل الذي يقول: التجربة أكبرُ برهان ، ومن عاشَ واختبرَ ، اكتشف أكثر من مجرّد البرهان الخارجيّ الرياضيّ للأمور ، أي من الخارج
يسوع هو ، طريقٌ . وطريقٌ ليس سهلا ومبلّطا . بل مليء بالمطبّات ومحفوفٌ بالمخاطر . هناك من لا يريد أن يخاطرَ ويغامر؛ ويفضّل الركون للراحة ، والاستقرار . يسوع يكشف لنا الله : أبًا وابنا وروحًا قدسًا ، وهو في هذا الكشف ، لا يبني ” إسكلّة فكريّة ” نصعدُ عليها ، بل يعطينا طريق الحياة الحقيقيّة .
العلاقة خروجٌ وتحوّل
الإيمانُ هو رغبة ، الإنسان جوعانٌ إلى الحبّ . والله يريدُ ويرغبُ في العلاقة ، لإنه هو ، في ذاته ، ” خصوبة ” وعلاقة دائمة . الله ، جوعانٌ للعلاقة . حياته علاقة حبّ وعطاء ، ولا يريدُ إلا ” العلاقة ” والعلاقة داخل المحبّة ، لا يمكنُ أن تكون ” فكرة مجرّدة ” ، أو يمكنُ أن نضعها في مختبر التحاليل العلميّة ، فهذا نقضٌ لله ولكيانه ، لا يتفلسفُ يسوع أبدًا في كشفه لله كالعُلماء اليوم ؛ فإنه لا يُدخل الله في الفلك والرياضيّات والعلوم ومسارات الكواكب … إلخ . بل يكشفه ” أبٌ ” ! علاقة الله هي كيانية جوهريّة وجدانيّة ، تشمل الإنسان ككلّ لا جزءًا منه
خطرُ العلاقة ، هو التقوقع على ما عندنا؛ فالإنغلاقيّة ، كما ذكرنا ، هو وجود مغلق على الله وعلى الحياة . وانتفاخٌ في الذات وغرورٌ على ما يمليه علينا فقط العلمُ بدون الله
الإنسانُ يقف أمام ذاته ليطرح أسئلة : من أنا ؟ من أين أتيتُ ؟ ولماذا ؟
وهذه الأسئلة ، التي في سكينة خلوته ، يطرحها الإنسان دائمًا ، ولو بصوت ٍ غير مسموع ، لا يمكنُ أن يجد لها جوابًا من خلال العالم والتقنيّة ، فإن أردنا أن
نكتشف الجواب عن هذه الأسئلة الجوهريّة بواسطة العالم والعلم فقط ، فإننا سنضعُ أنفسنا في تجارب ابليس الثلاث ليسوع
الله يريدُ أن يدخل في علاقة مع الإنسان من خلال : التساؤل ، البحث ، التأمّل ، الإستمراريّة ، والخبرة ، والعلاقة ، والأهمّ : أن نكتشفَ سرّ الدهشة . وهنا ، نستطيعُ القول : إنّ يسوع ، في كلّ حياته ، كان مصابًا بالدهشة والتعجّب في عمق كيانه .. دهشة المحبّة والعلاقة مع الله ليكشفها للعالم المحتاج لها اليوم
الله ، هو إتصالٌ . والإتصالُ يحتاجُ إلى لغة ، واللغة التي يريدها الله : المحبّة والتواضع . لإنّ جوهر الله وكيانه هو : المحبّة والعطاء والتخلّي . فسرّ كلّ علاقة حقيقيّة ، يمكنُ كشفها ، إذا نظرنا إلى : خبرة الأبوّة والأمومة . فهذه العلاقة ، هي علاقة خروجٌ وتحوّل من – وإلى – الآخر . ما هو سرّ الأمّ أو الأبّ ؟ إنه الحبّ ، البذل ، التخلّي . إنه العيش في الآخر . فهذا الطفلُ الذي هو ، قطعة لحم صغيرة ، خرجَ من رحم الأمومة . والإتصال بين الأمّ وطفلها ، ليس إتصالا فكريّا ، بل سرّ كبير . إنه ليس مجرّد فطرة وعفويّة . بل مشاعر وأحاسيس . لا يمكنُ أن نفسّرها بكلمات ٍ ، لإنه مستحيل
بقلم