إبن الله العليِّ صار طفلاً، حلم الأنبياء قد تحقّق. ملك الملوك ولد طفلاً صغيراً في مذود. يا لها من صدمة، يا لها من مفاجأة، يا لها من فرحة تعمّ المسكونة ويا له من خَيَال. من إنتظرناه طويلاً أصبح الآن بيننا.
ها هو ملء الأزمنة قد حلّ، ها هو وعد الله قد تحقّق. ها هو ابن العلّي يولدُ من امرأة. ها هو المسيح يتجسّدُ فاديًا ومخلصًا. ها هي نبوءة أشعيا تتحقق ” إنّ العذراء تحبل وتلدُ إبنًا وتدعو إسمه عمّانوئيل” (أش 7/14). إنّها المّرة الأولى والوحيدة التي يُسمع فيها بعذراء تحبلُ وتلد. إبن الله وإبن الإنسان يحقّق وعده. هو نفسه المولود من الآب قبل كلّ الدهور والمتجسّد اليوم من مريم البتول. هو الذي “دُعيَ إسمه مشيرًا، الهًا قديرًا، أبا الأبد، رئيس السلام” (أش 9/6).
ها هو “فرعٌ يخرجُ من جذع يسّى، وينبتُ غصنٌ من أصوله” (أش 11/1). ها هي “بيت لحم الصغيرة في ألوف يهوذا يخرجُ منها اليوم الذي يكون متسّلطًا على اسرائيل” (ميخا 5/2). ها هم “ملوك ترشيش والجزائر يُرسلون تقدمة. ملوك شبا وسبا يقدّمون هديّةُ” (مز 72/10).
الميلاد هو فرح اللقاء. وكيف لأرضنا ألا تفرح بإستقبال خالقها المتجسّد؟
الأرض والسماء فرحتا بمولده. الرعاةُ والملائكة فرحوا وأنشدوا “المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وفي النّاس المسّرة”. اليهودية والجليل وكلّ المعمورة فرحوا بالمولود المنتظر. مجوس الشرق أتوا من بعيد ليشاركوا في الفرحة الكبرى. إنّها الفرحة ببداية عهدٍ جديد، عهد يتمّم القديم ويضفي عليه معنى. إنّها الفرحة بتواضع الله الذي أخلى ذاته من كلّ مجد وأخذ صورة إنسان ليخلّصنا.
إفرحوا يا شعوب الأرض وإبتهجوا، هوذا إلرب أصبح طفلاً وضيعًا. إفرحوا يا فقراء الرّوح فالبشارة بولادة ابن الله قد تحقّقت وها هي السماء تفتح أبوابها لإستقبالكم. إفرحوا يا أنقياء القلوب وإبتهجوا فالرّب سمع دعاءكم وأرسل لكم إبنه الوحيد لتعاينوه في وجه طفل. إفرحوا يا أيّها المضطهدون لأنّه منذ اليوم حُفِرت أسماؤكم في السماء، فإبن الله صار إنسانًا ليجعل الإنسان إلهًا.
علمّونا أنّ الميلاد سلام، كيف لا يكون كذلك وملك السلام حلّ بيننا؟
علمّونا أنّ الميلاد مسامحة. أوليس هدف التجسّد هو مصالحتنا مع بعضنا البعض ومع الله؟
علمّونا أنّ الميلاد عطاء. أوليس هو من أعطانا ذاته منذ الميلاد وحتى اليوم مرورًا بالآلام والصليب؟
في السنة الماضية قالوا لي: ” ينعاد عليك” وها هو ينعاد في ال 2014. ولكن أين الفرح؟ أين السلام؟ أين المسامحة؟ وأين العطاء؟
ضاعت معاني العيد وإختفت. فصرتَ نادرًا ما تلقى من يعيش روحانيّة الميلاد.
أين الفرح وأهلنا في سوريا والعراق مشردّون؟
أين السّلام وطبول الحرب ما تزال تقرع كلّ يوم؟
أين المسامحة ونحن ما زلنا نعيش في خلافات الماضي وجراحها؟
أين العطاء وكلّ واحد منّا لا ينفّك يجمع في اهرائه ما يظّن أنّه ضمانته وأبديّته؟
سامحنا يا طفل المغارة فبعد 2014 سنة لم نعِ بعد معنى الميلاد.
سامحنا أيّها الطفل المتجسّد لأنّ كبرياءنا يمنعنا من إستقبالك في قلوبنا.
سامحنا يا ملك الملوك فلقد ملّكنا غيرَك على حياتنا.
إجعل ربِّي بيوتنا مغارة لإستقبالك، وقلوبنا مذودا ترتاح فيه، وإيماننا حرارة نتدفأ بها.
إجعل أفواهنا كافواه الملائكة تسبّحك ليل نهار فتمتلئ السماء بأصوات ترانيمنا مردّدين سويًّا وهاتفين: “ولد المسيح … هللويا”.