لا يمكن أحدًا أن يبرّر أيّ جريمة بتقديمه ذرائع دينيّة شريفة، أو ذرائع إنسانيّة سامية. لذلك لا يمكن تبرير الجريمة التي أودت بحياة بعض العاملين في صحيفة “شارلي إيبدو”، مهما بالغت هذه الصحيفة بالإساءة إلى العزة الإلهيّة أو بإهانة الديانات والأنبياء. صحيح أنّ هذه الصحيفة قد استفزّت، من حين إلى الآخر، المسيحيّين والمسلمين وسواهم، عبر إساءتها إلى رموزهم المقدّسة، غير أنّ الردود المضادّة قد أساءت أكثر إلى ما يزعم أصحابها أنّهم يدافعون عنه.
يؤكّد “القرآن الكريم” في العديد من آياته أنّ الأنبياء كافّة قد تعرّضوا للإساءة والإهانة والاستهزاء، حتّى القتل، من معاصريهم. فلم يظهر نبيّ في قوم إلاّ كذّبوه ونعتوه بأشنع النعوت: “كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحرٌ أو مجنون” (سورة الذاريات، 52)، وأيضًا: “ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأوّلين. وما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون” (سورة الحجر، 10-11).
بيد أنّ القرآن يفيدنا بأنّ الله أوصى “النبيّ محمّد” بالصبر والحلم وعدم الاكتراث بالمسيئين إليه والإعراض عنهم وعدم مجادلتهم ولا مقاتلتهم: “فتوَلَّ عنهم فما أنت بملوم. وذكِّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين” (الذاريات، 54). ولا بدّ، هنا، من أن نذكّر بالقاعدة الذهبيّة، وقد أضحت بديهيّة: “مَن عمل صالحًا فلنفسه، ومَن أساء فعليها، وما ربّك بظلاّم للعبيد” (سورة فُصّلت، 46). وفي السياق عينه يقرّ القرآن: “مَن عمل صالحًا فلنفسه، ومَن أساء فعليها، ثمّ إلى ربّكم تُرجعون” (سورة الجاثية، 15). إذًا، يتوعّد القرآن ذوي الأعمال السيّئة بالحساب حين يتوّفاهم الله، حين يمثلون أمامه في يوم الدين.
النبيّ لم ينفعل ضدّ الذين نعتوه بأشنع النعوت، وليس على المؤمنين أن يغالوا في مواقفهم أكثر من نبيّهم، بل أن يقتدوا ويتمثّلوا به، فيسلكوا وفق تعاليمه ووصاياه: “لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لـمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا” (سورة الأحزاب، 21).
لا يسع أحدًا، على مرّ التاريخ، أنكار الإساءات والإهانات ضدّ الأنبياء كافّة. فليس بالأمر الجديد أن يظهر فيلم، أو رسم ساخر، أو مقالة، أو كتاب يسيئ إلى أحد الأنبياء. وهذا كلّه، وإن كان مستهجنًا ومستنكرًا لدى المؤمنين، ينبغي ألاّ تكون ردّة الفعل غير منسجمة مع المبادئ التي يقوم عليها الدين الـمُساء إليه. فليس بالإساءة، عبر أعمال التحطيم والتكسير والقتل والإرهاب، يُردّ على الإساءة.
يتغافل الذين يقصرون الإساءة إلى المقدّسات بالرسوم الساخرة وهدم المعابد وتحطيم الأيقونات والتماثيل، عن كون الإساءة العظمى إنّما تكمن في قتل البشر وذبحهم وبتر رؤوسهم وتهجيرهم من ديارهم. مقتلة “شارلي إيبدو” أساءت إلى النبيّ أكثر ممّا أساءت إليه رسومها. فتبصّروا.
ليبانون فايلز
الوسوم :ولن تُعدم المنابر... مَن أساء إلى النبيّ؟ بقلم الأب جورج مسّوح