الحياة هبة من الله بلا مقابل، ومن يتشاركها مع اخيه يهنأ بالسعادة. والوصول الى المشاركة يكون عند ارتقاء الانسان بفكره وايمانه وبذل كل ما في وسعه ليمنح الفرح الى غيره، وبتخطي الأنانية الوجودية يصل الى العطاء الكبير. فهناك من تخلد ذكراهم بعد موتهم بفضل اختراع علمي او مؤلفات او استشهاد في سبيل الوطن او قضية انسانية، وكذلك الامر بوهب الاعضاء تخلد ذكرى الانسان بعد مماته في حياة شخص آخر، فيتحول الموت أملا لحياة جديدة ومحبة شخص لشخص آخر لا يعرفه.
اسطفان
وفي هذا الاطار، شدد نائب رئيس اللجنة الوطنية لوهب الاعضاء والانسجة الدكتور انطوان اسطفان على “ضرورة التوعية والتربية على العطاء من دون منة”، مشيرا الى ان “من اسمى العطاءات العطاء من الذات في سبيل الآخر”. وأعلن “ان اللجنة تضع يدها مع الجميع لتسهيل عملية وهب الاعضاء عن قناعة وارادة حرة”، داعيا الى “ضرورة تضافر كل القوى في المجتمع لنشر ثقافة العطاء على مستوى وهب الاعضاء والانسجة”.
أين نحن في لبنان من هذه الثقافة؟ من يعطي ومن يأخذ؟ كيف ومتى؟ أسئلة اجاب عليها الدكتور اسطفان ل”الوكالة الوطنية للاعلام” بكل وضوح وموضوعية وصولا الى الشق القانوني من الموضوع.
وعمن يقرر بنعم “للتبرع”، ام لا، قال: “ينص المرسوم الاشتراعي رقم 109 الصادر سنة 1983 على ان كل فرد يستطيع ان يعبر عن ارادته بالنسبة للتبرع بعد ان يحصل على كل المعلومات الطبية والاجتماعية المناسبة. ومنذ العام 1990 بدأت مسيرة توعية المواطنين على اهمية التبرع بالاعضاء بعد الوفاة، لكن الموضوع بقي غامضا لدى عدد كبير من الناس”.
وأعلن ان “كل من يرغب في الحصول على المعلومات يمكنه ان يلجأ الى مكتب اللجنة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء والانسجة في الحازمية سنتر حبيقة – الطابق الثاني او الاتصال على ارقام الهاتف الآتية : 05/955902/3/ ليحصل على بطاقة التبرع في مركز اللجنة الوطنية”.
وأوضح ان “بطاقة التبرع تساعد عائلة الواهب عند وفاته على تنفيذ وصيته احتراما لخياره، اما في حال عدم وجودها فالقرار يعود للعائلة”.
وعن كيفية اتخاذ القرار بالوهب، قال: “يجب مناقشة الموضوع مع العائلة والحصول على بطاقة التبرع عن قناعة وارادة حرة، واي شخص يمكنه التعبير في حياته عن رغبته في وهب أعضائه بعد وفاته بواسطة اقرار موقع ( أي البطاقة) من اللجنة المختصة او بواسطة وصية منظمة. وبموجب نص المرسوم الاشتراعي رقم 109/1983 يجب الحصول على موافقة اهل الواهب واخذ توقيعها. لذلك من الضروري الاعراب عن رغبتنا في حياتنا اكان خطيا ام شفهيا امام عائلتنا كي نسهل للعائلة عملية اتخاذ القرار المناسب في حينه”.
وعن علاقة المتلقي بالواهب، قال: “توجد قواعد أخلاقية وقانونية تمنع اهل المتبرع من معرفة هوية المتلقي، كما تمنع المتلقي من معرفة هوية الواهب. ووجدت هذه القواعد للمحافظة على العوامل النفسية للطرفين وتجنب مشاكل اجتماعية قد تحصل في المستقبل. لكن يمكن ان يحصل التعارف بين المتلقي وعائلة الواهب بطلب من الطرفين، كما يمكن لعائلة المتبرع معرفة مصير الاعضاء التي تبرعت بها اضافة الى النتيجة الطبية لعمليات الزرع”.
ولفت الى ان “من يستفيد من الأعضاء الموهوبة، هو المريض الذي يعاني من قصور حاد او مزمن في احد اعضاء جسمه ما يشكل خطرا على ضمان استمرارية حياته”. وقال: “ليتم نجاح عمليات زرع الأعضاء كما في الدول المتطورة، يتم اعتماد لائحة انتظار وطنية مبرمجة او waiting list مع معايير الاختيار المتبعة عالميا بين الواهب والمريض مثل (فئة الدم ، الوزن، العمر، الانسجة والمناعة والاولوية الطبية…..). وتبقى بالتأكيد الاولوية للأطفال والحالات الطارئة مع احترام قائمة الانتظار والانسجام الطبيعي للأعضاء بين كل من المتبرع والمتلقي والمساواة في ما بينهم وعندها تتم عملية الوهب”.
اضاف: “على كل مريض يريد ان يستفيد من زرع عضو ما ان يقوم بكل الفحوصات التحضيرية لعملية الزرع، وعليه ان يسجل اسمه في مركز زرع واحد كما يجب ان تكون فحوصاته موافق عليها من قبل طبيبه. وعلى كل مركز زرع تزويد اللجنة الوطنية باسماء المرضى الجاهزين لزرع عضو ما، لكي تدرج اسماؤهم على لائحة الانتظار الوطنية”.
واشار الى انه “لا يوجد في العالم نظام توزيع اعضاء مثالي، اما في لبنان فيعتمد مبدأ المداورة بين مراكز الزرع التي تحظى بلائحة انتظار مع إعطاء الأولوية للحالات الطارئة ومن ليس لديهم مناعة عالية”.
وعن الوقت لحفظ الاعضاء والانسجة بعد استئصالها، قال: “تختلف بين نوع وآخر، فالقلب مثلا يجب ان ينقل ما بين 4 و 6 ساعات، الرئتان بين 4 و6 ساعات، الكبد بين 12 و16 ساعة، الكليتان اقل من 48 ساعة، البنكرياس بين 12 و 16 ساعة، الامعاء بين 4 و 6 ساعات. اما الأنسجة فتكون كالآتي: القرنيتان من 7 الى 31 يوما، العينان تحفظ لأقل من سنتين، العظم 5 سنوات، الاوعية الدموية 5 سنوات، الجلد 5 سنوات، والصمامات 5 سنوات”.
واكد اسطفان “ان التطور العلمي والطبي المتعلق بزرع الاعضاء في لبنان اثبت نجاحه مع نسبة ضئيلة من الفشل، معطيا بذلك الامل بالعودة الى حياة طبيعية حقيقية”.
وقال: “عندما يعلن المريض متوفيا ومع وجود القرار بالوهب وموافقة العائلة، يكون الوهب على نفقة وزارة الصحة العامة بموجب القرار رقم 1/ 979 في تاريخ 2 كانون الاول 2008. اما طريقة الحصول على التغطية فتكون عبر اللجنة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء التي ترسل كتاب التبليغ المرسل لها من المستشفى مرفقا بالاور اق الثبوتية للواهب، مع الموافقة الخطية للعائلة وتشخيص الموت الدماغي الى وزارة الصحة العامة. وتساعد المؤسسة الاستشفاءية باجراء المعاملات القانونية”.
وعن كلفة عملية الزرع، قال: “يعود هذا الأمر الى الجهة الضامنة للمريض المتلقي، اذ تكون كلفة عملية الزرع اما على حساب وزارة الصحة العامة او الضمان الاجتماعي او تعاونية الموظفين او المؤسسات الضامنة الأخرى مع دفع بعض الفروقات”.
وفي الختام، لا بد من القول انه بين الوهب والأخذ تبقى حياة انسان على المحك، وكلما نشرت ثقافة ” وهب الاعضاء” في مجتمعنا نكون قد أعطينا فرصة جديدة لإنسان كي يعيش ويستمر بيننا، وهذا يتطلب بالطبع جرأة وقلبا كبيرا لابقاء من نحب حيا وإدخال فرح الحياة لاناس فقدوا الامل بالحياة”.
وطنية