أشكركم يا جيوش الكتّاب و النقّاد و المتحدثين و المعلّقين ، أصدقاءً و أصحابًا و ضيوفًا ، على مواقع التواصل الاجتماعي، و أحترمُ مداخلاتِكم و أثمّن جرأتَكم – علما بأنّني تخلّيتُ عن المشي وراء كثير من رجالات الوطن – و هذا قد يبدو عيبا فيّ أو قد يُضيفُ من ايجابيات سياسيي وطني ….
أضف الى ما تقدّم، أنّني نزعت الرداء العتيق و وددتُ أنْ احوك رداء من صداقات تهتزّ فيها الابرةُ في يدي و أكادُ لا أرى خيطَ الحرير،
قد يتقاطع عبره كثيرٌ من الافكار و العواطف و الحُكَم و الذكريات ….
و هذا مدعاةٌ لاعتزازي، و كسب معنوي لنفسي، و راحةٌ سيكولوجيّة في زمن التعقيدات …
لكنّ ما قد يصدرُ عنّي أو عن أيّ فرد ، أو يكشفُ عن الحقّ المعلَن و يُعلنُ الجمالَ الاخّاذ و يسوّقُ الخيرَ العارم ويُضيء على القوة الممنّعة، و يركبُ حافلةَ النظام السليم، و التهيؤَ الطبيعي و الحضورَ الفاعل…و قولَ كلمة وازنة، و الاشهارَ بالعزّ، و التحلّي بالكرامة، و السير بخطى واضحة علنيّة استراتيجيّة …. كلّ هذا لا علاقة له بالايام و لا بالشهور و لا حتى بكل سنين العمر …
انّما بالحـــسّ بالكرامة ..!كرامة الانسان في وطنه و كرامة الوطن في انسانه..!
وحدها التربية ايّها المتلقون : تربية أجيال واعية، صاحية، مدركة، مناضلة، متكاتفة، مؤمنة بمقومات الحياة، و بوجود الموت المتربّص بالوطن منذ آلاف السنين …
فاذا كان عمرُ الانسان الحالي بمعدلّه لا يتخطى السبعين عاما … فهل ننتظر سبعين عاما كي تستقيم الامورُ أم نعمل منذ اللحظة الحالية كي نورثَ الاجيال الصاعدة ” رصيد أخلاق و قيم و مهارات و انجازات ” كما أورثَنَا السلفُ قيمًا و مبادئَ و مسيراتِ مضيئةً في زمنِ الظلام و ظروفِ القحط الريادي و القيادي …؟
نحن نفتّش عن وطن ايّها اللبنانيون، لا عن رجل ايّها المخادعون في الداخل و الخارج…
و قد نجد الرجلَ..! و كُنّا قد وجدنا رجالا كثرا لكنّنا بعناهم..! أو اغتلناهم..! أو ضحينا بهم، من اجل سفالتنا، و عمالتنا، و ضحالة تفكير…
انّ الرجل، مهما بدا عظيما، تبقى أعمالُه و مسيرتُه و مبادؤه و حياتُه و ما قد يحمله لي من قيم الحياة، و نظام مجتمعيّ متكامل، و رؤية هادفة استراتيجيّة و خادمة جامعة و منتجة لواقع سليم و لأحلامنا و طموحاتنا و كل ما نسعى اليه من الخير و الجمال و الحبّ و التربية …
هي الاعظم و الارقى و الأسمى على الاطلاق.
و عليه، فأنا أبكي وطنا يعرفُ مرضَه و لا يريد أن يطبّب نفسه …! وأرثي وطنا علقَ في ذهن أبنائه بعضٌ من مرض الاتكال الطارئ و الاعتماد الفارغ و النظرة الدنيا لنفسه ….
واسترسل منظّرو الطروحات، و صانعو قوالب الحلّ، و مدّعو نظريات الخروج من هذه المآزق المتلاحقة منذ عهود و المتوالدة في الممارسات، مباشرة و مداورة، ضمنا و علنا، متوسّلين الروح الانهزاميّة في مقاربة الأصول و الفروع، النوعيّة و العددية،ضاربين الحقّ أصلا و فرعا، مدمّرين البنية الانسانيّة لحساب التراكم العددي..
فأعلن صريحا و جادا في قولي بأن كل ما جرى من مكاشفات و مفاتحات و تصريحات ممجوجة جارحة، و أقوال مُفسدة نافرة،وأصداء قاتلة لروح الوطن، و ترددّات لديوك السياسة في مزارعهم المتنافرة و أتباعهم خالعي العذار، و ذبذبات دونيّة تصبّ في ” دلتا ” واحدة وهي الاحكام القاتل و السيطرة القابضة على “واقع و دور ورسالة و مكانة” وطن فريد على الكرة الأرضيّة- و هنا لا نبرّر أخطاء أحد و لا نغفلنّ عن جرائم أحد أيضا- و نختم هذه الفكرة بأنّ “باعة الهيكل “من طوابير الارتهان، و طبّاخي الذل، و مروّجي العمالة، و قادة السمسرات الملتهبة، داخلا و خارجا،برّا و بحرا، هم ، هم، فاجتمعوا ليتقاسموا، و تفرّقوا ليمثّلوا على مسرح ” خشبه من ألواح متآكلة”، و أنواره خافتة ليتمكنوا من تبادل الأدوار و ان ” صاح الديك ثلاث مرّات” ، و ان باع يوضاس المعلّم بثلاثين من الفضّة ؟؟؟
فقد أنكروك يا سيّدي ثلاثين مرّة ثلاث مرّات..! فامتنع عليهم التمييز بين بطرس و يوضاس.
ألا هُبوا اليوم ايّها الشباب الضائع ما بين خمول و نائم …و موتوا اليوم فأفضل لكم من الغد …لآنه قد يأتي يوم تُدفن فيه الروح قبل الجسد … و هذه قمّة قمم الكوارث الانســــــــــــــــــــــــانيّة …!
فهذه الكتلة الجسدية الفانية الزانية …في كلّ آن ، فهذه الآلة الميكانيكيّة التي كثرت أعطالها …والتي لا تتوقف عن استخدام ذاتها فاستهلاكها رويدا رويدا ، وهذه الخريطة المتنافرة الممزّقة، في السلم و الحرب، والتي أشبعناها تخطيطا و تقليما و تشذيبا و توزيعا و تشريحا …. لا تقدّم شيئا في عظمة الشعوب و لا تزيد فترا واحدا على قامة الوطن المقهور النازف المصلوب…
وحدها الروح …تمتلك الكرامـــــــــــــــة …
و لها عمق أعماق الفضاءات، بل السماوات حتى عرش الله اذا سمح الخالق عزّ و جلّ … و هذه لا تقاس بعدد السنين التافهة، و لا بوزن الجسد الهزيل، و لا بمساحة الكذب المتراكم ، و لا بحجم العضلات الزائدة …
وحدها الروح حرّة، سيّدة، سامية، كريمة بأعمالها، و بثمارها، و بانتاجها و بأريج عطاءاتها …وحدها الروح تحرّرنا بعظمة قيمها ايّها المفلسون على كل المستويات .
أمّا الجسد- جسدكم- فميّت، و يُميتنا بشهواته، و بنزواته، و بأطماعه، و بغرائزه المسنّنة كالرماح المسمومة في أرض الوغى …
وان سقط الجسد فلا تخافوا …و لكن، اسهروا على أن تسمو الروح فهي تعانق نسمات بركات الخالق منفردة متميّزة بمنبعها و بأصالتها و بهدفها ….كونوا روح الوطن فتحيوا فيه وان مات الجسد فلا تحزنوا و لا تيأسوا فانّه أصلا معدّ للزوال ….!
بربّكم ، توقفوا عن ترداد و مجّ أقوال معلّبة …. تمضغونها من الصحف و الاذاعات و وسائل التلفزة و الوف المواقع الالكترونيّة الغازية لعقولنا كما لقلوبنا كما لمستقبلنا على السواء…
و امخروا عباب بحور الانســـــــــــــــــــــــــــــــــــــانيّة ….ففيها كثير من مرافئ القيم، و مرافق الاخلاق، و منارات للعزّ و الكرامــــــــــة ،
و لا تبيتوا في أيّ بَرِّ، أيّ بحر، أو أيّ خليج قد تكثر فيه الخنازير …. و تتمتعون بروائحها الممزوجة بروائح العود .
و ختاما، فانّ النسور و لو لامست وجه الماء أثناء طيرانها، فلا بدّ لها من أن تخلد للنوم،
فلا تحسبُ نقيق الضفادع في بنك أهدافها، و لا تعتبرُ نعيق الغربان في صلابة مواقفها،…..
و هي صاحية و واعية و مدركة و حاضرة أبدا، في أعلى أعالي القمم الشامخة عزّة و عنفوانا و مسيرة تحتذى ….
فأنا لا أبرّج و لا أبصّر و لا أقرأ في الفنجان …
أنه واقع معيوش أنقله أمامكم …فأفتحوا كليّا حدقات عيونكم ، سلمت عيونكم و سلمتم في النصر لوطن …لوطن…لوطن ايّها اللبنانيون و قد طال الانتظار
البحّاثة الدكتور كمال يونس