قاعة القديس البابا يوحنا بولس الثاني في جامعة الروح القدس – الكسليك، كانت على موعد مساء الأربعاء 11 تشرين الأول 2017 مع حفل فنّي موسيقي مميّز لتكريم ذكرى الكبير حليم الرومي.
الحدث الذي نظّمته كلّيّة الموسيقى في الجامعة، جرى في إطار مؤتمر علمي افتتحته الكلّيّة في 11 تشرين الجاري ويستمر حتى 13 منه تحت عنوان: “تأثير الإذاعة على مسار الأغنية العربية”، بالتعاون مع المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية والجمعية العلمية للكلّيّات والمعاهد العليا للموسيقى ، وبمشاركة 34 باحثا من 8 دول عربية: لبنان، مصر، الأردن، العراق، السودان، تونس، الإمارات العربية المتحدة، وسوريا.
تكريم حليم الرومي الذي تضمّن توقيع كتاب للمناسبة بقلم عميد الكلّيّة الأب الدكتور بديع الحاج بعنوان: “يرنو بطرف، حليم الرومي، حياة وإنجازات”، جاء من منطلق تكريم كبير من لبنان، أغنى الغناء العربي الأصيل كلمة ولحنا وأداء بعطاءاته الباهرة، وأغنى الإذاعة العربية بأصداء إبداعات ما زالت تشكّل مدرسة قائمة بذاتها في علم الأغنية العربيّة.
الحفل الذي جاء برعاية رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي ممثّلا بالنائب ميشال موسى، تميّز بحضور رسمي وفني وثقافي وشعبي كثيف، وحضرته أيضا عائلة الرومي وفي مقدمها كريمته السيدة ماجدة الرومي وعائلتها.
حضر الحفل قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الأعلى للجامعة، وزير الإعلام ملحم رياشي، وزير السياحة أفيديس كيدانيان، النائب آلان عون، الآباء المدبرون في الرهبانية، رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، وحشد من المقامات الروحية والحزبية والعسكرية والسياسية والأمنية والبلدية والاختيارية والفنية والتربوية والإعلامية، وعميد كلية الموسيقى في الجامعة الأب الدكتور بديع الحاج، إضافة إلى أعضاء مجلس الجامعة.
وقد استهلّ بكلمة تعريف للسيدة كلود الأشقر، شدّدت على أهمّيّة هذا التكريم جاء فيها: “نستعيدُ ذكرى الموسيقار الكبير، حليم الرومي، رجلِ الفكر، والمسؤوليّة، والموهِبة، والعَطاء الفنّي العظيم، الذي أصلح – بورق من ذهب – التشويهات، لتبقى الإذاعة مثالاً لنا اليوم، وتبقى ألحانُه صَرخةً تُدوّي مدى الأجيالِ الصاعدة.”
ثمّ تمّ عرض فيلم وثائقي عن المكرّم الكبير، تضمّن أهم المحطات في حياته وإنجاته الفنّيّة، قبل أن تطلّ جوقة الغناء العربي في الكلّيّة بقيادة الدكتورة غادة شبير، لتتحف الحضور بموّشّحات وأغنيات “روميّة” امتدّت على شكل محطات من الحفل، وألهبت الأكفّ بالتصفيق انسجاما مع الطرب الأصيل الذي اشتاقت إليه القلوب والعقول، مثل “غلب الوجد عليه” (كلمات: محمود سامي البارودي)، ي”َرنو بطَرْفٍ فاترٍ” (شعر قديم، “اسمع قلبي” (كلمات نزار قباني)، “يا حمام يا مروّح بلدك” (كلمات: فتحي قورة).
كلمات
وألقي عميد كلّية الموسيقى في الجامعة الأب الدكتور بديع الحاج كلمة استهلها بالقول: “مَنْ يَستمِعُ اليومَ إلى تراثِ حليم الرّومي، يجدُ نفسَهُ أمامَ ملحِّنٍ لامعٍ ومطربٍ شجيِّ الصوتِ بديعِ الإلقاء، ما يحجزُ لصاحبِهِ موقِعًا مميَّزًا بينَ صنّاعِ الموسيقى والغناءِ العربيّين في القرنِ العِشرين (الكلام لإلياس سحّاب).
فنّانٌ موسيقيٌّ مرهف، إداريٌّ جادٌّ ملتزم، زوجٌ مسؤولٌ ووالدٌ حنون، حليمُ الرّومي جمعَ في شخصِه شخصيّاتٍ عدّة. فصلَ بينَ حياتِه العائليّة وحياتِهِ العمليّة والفنّيّة، فكانَ الزّوجَ والوالدَ الحاضرَ دومًا لخدمةِ عائلتِهِ ورعايتِها، والفنّانَ الذي سطعَ نجمُهُ بين نجوم ِمعاصريه مِن أهلِ الفنِّ والموسيقى، والموظَّفَ الأمينَ المواظبَ على عملِه.” وأضاف إنّ هذا التكريم مردُّهُ إهتمامُ حليم الرّومي شخصيًّا ودورُه الفاعلُ والأساسيُّ في تطويرِ إذاعتي الشرقِ الأدنى والإذاعةِ اللبنانيّة وبخاصّةٍ القسمِ الموسيقيّ في هذه الأخيرة وقسمِ الأرشيف والمكتبة الموسيقيّة…”
وعن كتابه حول المحتفى به قال: “”يَرنُو بِطَرْفٍ”، عنوانٌ إخترتُه لكتابٍ عن حليم الرّومي، يَرنو بطَرفٍ من الموشّحات التي لحّنها حليم الرّومي، ووكان من الأحبّ إلى قلبه. حاولتُ من خلال هذا العمل الإضاءةَ على سيرةِ إنسانٍ كرّسَ حياتَهُ في سبيلِ إعلاءِ شأنِ الموسيقى العربيّة بشكل عام والموسيقى واللبنانيّة بشكل خاص. حياةٌ ملؤها التّعبُ والكفاحُ والجهادُ في سبيلِ النجاح وتحقيقِ الإنجازات…”
ماجدة الرومي
بعد ذلك ألقت السيدة ماجدة الرومي كلمة شكرت فيها القيّمين على التكريم، جاء فيها: “مذ وعيتُ الدنيا، وعيتُها في بيت جميل، حوّله أبي، بامتياز، معهداً للفنون الجميلة… شهدت بأم عيني لزمن لبنان الجمال والسلام، لبنان الخير والحق. وما أبعدنا اليوم عن ذياك الزمن الجميل، زمن الأصالة الفنية وأصوات الذهب. وما أبعدنا اليوم عن لبنان رغد العيش والجمال والعطاء. وما أقسى غربتنا في زمن “تَجْرَنة” كل شيء وما أشد اعتزازنا بمن يسعى جاهدًا للحفاظ على قدسية لبنان وأصالته في كل مجال، وبنوع خاص، الثقافة والفنون الجميلة، الناطقة باسم روح لبنان وهويته”. وأردفت قائلة: “وفي زمن يسير كل أصيل عكس تيار الأيام، دعت جامعة الروح القدس الكريمة، مشكورة، إلى ضم أعمال أبي الموسيقية الخالدة إلى مكتبتها الموسيقية، بكل حماسة وإيمان. تأثري ليس بقليل، لأنّ الجامعة سعت وتسعى للحفاظ على الإرث الأبيض في الزمن الأسود، وتسعى لنقله إلى الأجيال الطالعة، بوعي من يؤمن بأن من لا ماضي له، لا غد له”. ثم توجّهت بالشكر إلى “وزير الإعلام ملحم الرياشي الذي أطلق اسم حليم الرومي على الاستوديو رقم 5 في الإذاعة اللبنانية.”
الأب حبيقة
أما كلمة رئيس الجامعة الأب الدكتور جورج حبيقة فشدّدت على إبراز المحطّات الأساسية في حياة الرومي، قال فيها: ” توافدنا الليلة جميعا إلى حرم جامعة الروح القدس الكسليك، جامعة الموسيقى والتراث والعلوم، لنحيي ذكرى فنان عظيم عزِّ نظيره في كل مطاوي حياته الزاخرة بعطايا مذهلة. جميعنا يعرف أنه أبصر النور سنة 1919 في مدينة صور، “مدينة الملوك” كما كان يلذُّ لحليم الرومي أن يدعوَها، لأن عائلته كانت من ربَّان البحر وأسياده، إبحارا وتجارة وترحالا؛ في صور المدينة الضاربة في عمق الزمن الإنساني، حيث خطف زفس، بحسب الأساطير اليونانية، أوروبا الرائعةَ الفتون، ابنةَ آجنور، ملكِ صور، وذهب بها إلى الأصقاع التي باتت تتكنى باسمها، أي أوروبا.
إن السمة الطاغية في حياة حليم الرومي إنما هي الترحال الدائم، في مطاردة عنيدة لكل صنوف الإبداع والحداثة. يسكنه أبدا قلق المعرفة وهاجس الأجمل… وأضاف: ” كما ترون، تجلى حليم الرومي في كل شيء وحلَّق عاليا في فضاء الإبداع وعملق بلدَه لبنان. نجح في كل شيء، إلا في أمر واحد فشِل وكان فشلُه خدمة للموسيقى ولرفعة الفنّان أخلاقيا وروحيا وإنسانيا. فشِل بردع كريمته العزيزة ماجدة عن دخول عالم الفن. فاستلمت الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي شعلة أبيها وأبقتها متوقِّدة في ميادين الحداثة الراقية…”
النائب موسى
تلت كلمة رئيس الجامعة كلمة راعي الحفل رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا بالنائب ميشال موسى جاء فيها: ” أن نتكلم عن حليم الرومي، يعني أن نتوقف عند حقبة ذهبية من تاريخ الفن العربي عموماً، واللبناني خصوصاً، وعند، موهبة فذّة تفتحت باكراً طرباً ولحناً وعزفاً. فمملكة حليم الرومي ليست من هذه الأرض، إنها عطية من سماء الفنّ المرصّعة بعطر الكلمة وأناقة اللحن.”
وأشار إلى “أن ما حققه من إبداع في الإذاعة وعلى المسارح منذ انطلاقه عام 1935، في فلسطين ومصر ولبنان، حيث أنتج حوالي ألفي عمل فني بصوته أو بأصوات أشهر المطربين اللبنانيين والعرب إلى حد إطلاق لقب “خليفة أم كلثوم” عليه، متميزاً بأعماله الفريدة ذات العمق والأصالة، وخصوصاً القصائد والموشحات والأوبريتات. كما كان له الفضل الكبير في اكتشاف المواهب الفنية وتشجيعها واطلاقها، وعلى الأخص تقديمه السيدة فيروز إلى الأخوين رحباني. ولا ننسى المداميك التي بناها في الإذاعة اللبنانية، بعد تمرسه في إذاعة الشرق الأدنى، مكرساً حياته وعطاءاته للبنان والفن”.
وتابع: “إن التراث القيّم الذي تركه حليم الرومي، يشكل ثروة للموسيقى العربية واللبنانية، بل مدرسة نشأت عليها أجيال فنية ساهمت في إغناء مكتباتنا الموسيقية، وحافظت إلى جانب كبار من بلادنا، على المستوى العالمي الراقي للأغنية اللبنانية…”
تخلل الحفل بالإضافة إلى المحطات الغنائية من تراث الرومي، تسليم الجامعة إلى عائلة الرومي والنائب موسى كتاب: “يرنو بطرفٍ. حليم الرّومي، حياة وإنجازات”، كما تسلّم موسى درعًا تقديريًا من الجامعة. تلى الإحتفال توقيع الكتاب وشرب نخب المناسبة خارج القاعة.
تكريم حليم الرومي واجب وطني، كان لجامعة الروح القدس شرف الإفتخار به…
لارا سعد مراد