ثلاثة وثلاثون عاما عاش المسيح مثلنا، لابسا جسدنا.
ثلاثة أعوام جاب خلالها الأرض مبشّرا، متلمذا “صيّادي البشر”، أمّا الأعوام الثلاثون الباقية، فقد كان خلالها ابن الله، إبنا لمريم ويوسف. يساعد أباه في أعمال النجارة. إبن النجّار كان نجّارا، عاملا، “بعرق جبينه يأكل خبزه”، لا كآدم الأوّل العتيق، بل كآدم الجديد…
عاش فقيرا، لكنّه لم يكن متسوّلا،
مشى درب الجلجلة، لكنّه لم يكن متوسّلا،
مات مصلوبا ولم يفتح فاه، إلاّ ليخاطب “إيليّا”،
مات قائدا، وقام إلها…
في حياته وموته وقيامته، أصابت الجراح كلّ ما فيه، إلاّ الكرامة.
وحدها الكرامة بقيت مصانة، “أعظمهنّ” بين الصفات، كما المحبّة “أعظمهنّ” بين الوصايا…
لم يعط الفقير يوما دينارا واحدا، حتّى أعمى أريحا المتسوّل، لم يعطه مالا ولا طعاما، بل فتح له البصيرة قبل البصر، ليعيش عزيزا، ويرى “ما لا يرى”.
كان يحبّ الفقراء، ولكنّه لم يعطهم “حسنة”، بل أعطاهم حياة…
لو كان المسيح هنا، لما أعطى الفقير هديّة، بل كرامة، لما أعطاه مالا، بل عملا وحياة.
لو كان هنا، لطرد حاملي الكاميرات في “الحفلات الخيريّة”، كما طرد التّجار واللصوص من الهيكل.
لو كان هنا، لقال للفقراء: “قد شئت، فابرؤوا” من وسخ الطرقات، ودنس الهبات الكاذبة.
لو كان هنا، لزجر اليمنى، لأنّها أعلمت اليسرى بما فعلت.
لو كان هنا، لعلّم الفقير الصيد، بدلا من إعطائه بقايا سمكة. لكان دعاه الى كرامة التبشير، كما دعا بطرس والرفاق.
لو كان هنا، لطلب للفقير فلس الأرملة، لا فضلات الأغنياء.
لو كان هنا، لكانت الأرض مشغل نجارة، وحقل بشارة، “حيث الحصاد كثير، والفعلة قليلون”.
لو كان هنا، لو…!
لارا سعد مراد