كتب المطران كيرلس بسترس في النهار بتاريخ 1 كانون الثاني 2022
يقول بولس الرسول: “إنْ كان أحدٌ في المسيح، فهو خليقةٌ جديدة. فالقديم قد اضمحلّ، وكلّ شيءٍ قد تجدّد” (1 كورنثس 17:5). يسوع المسيح هو آدم الجديد. فمع آدم القديم دخلت الخطيئة ودخل الموت، أمّا مع يسوع المسيح، آدم الجديد، فدخلت النعمة ودخلت الحياة.
“فكما أنّه بزلّةٍ واحدةٍ (أي بزلّة آدم) كان القضاء على جميع الناس، كذلك ببرّ واحدٍ (هو يسوع المسيح) يكون لجميع الناس تبرير الحياة.
لأنّه كما جُعِل الكثيرون خطأةً بمعصية إنسانٍ واحدٍ (آدم)، كذلك بطاعة واحدٍ (يسوع المسيح) يُجعَل الكثيرون أبرارًا” (رومة 18:5-19).
وهكذا مع يسوع المسيح حدث خلقٌ جديدٌ للبشريّة، وانقسم تاريخ العالَم إلى ما قبل المسيح وما بعد المسيح. وفي هذا السياق يتكلّم الكتاب المقدَّس على “العهد القديم” وعلى “العهد الجديد” الذي بدأ مع ميلاد يسوع المسيح وحياته وموته الفدائيّ وقيامته من بين الأموات.
الفرق بين العهدين هو أنّ العهدَ القديم كان مبنيًّا على الشريعة، أمّا العهد الجديد فمبنيّ على النعمة، كما يقول يوحنّا في مقدِّمة إنجيله: “من ملئه كلُّنا أخذنا، ونعمةً على نعمة. ذلك بأنّ الشريعةَ أُعطيتْ على يد موسى، وأمّا النعمة والحقّ فقد جاءا على يد يسوع المسيح” (يوحنّا 16:1-17).
الفرق بين الشريعة والنعمة يقوم في أنّ الإنسانَ في عهد الشريعة يحاول، من خلال المحافظة بدقّةٍ على الشريعة مع ما تتضمّن من طقوسٍ وذبائح، أن يحصلَ على الخلاص وعلى بركة الله ورضاه. أمّا في عهد النعمة، فالخلاص قد تمّ بواسطة يسوع المسيح الذي قدّم ذاتَه ذبيحةً لخلاص العالَم كلّه، من خلال تتميمه مشيئة الله، كما توضح ذلك الرسالة إلى العبرانيّين: “من المُحال أنّ دمَ ثيرانٍ وتيوسٍ يُزيل الخطايا. فلذلك يقول المسيح عند دخوله العالَم: ذبيحةً وقربانًا لم تشأ، غير أنّكَ هيّأتَ لي جسدًا. لم ترتضِ محرقاتٍ ولا ذبائحَ خطيئة، حينئذً قلتُ: ها أناذا آتي… لأعملَ، يا الله، بمشيئتكَ… فهو إذن يُبطِل النظامَ الأوّلَ ليُقيمَ الثاني. وبقوّة هذه المشيئة قُدِّسنا نحن بتقدمة جسد يسوع مرّةً لا غير” (عبرانيّين 5:10-10). فالخلاص قد تمّ بواسطة يسوع المسيح. والإنسان إنّما يحصل على الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح وتقبّل تعاليمه ووصاياه، والعمل بمشيئة الله على مثاله وبمعونة نعمته. وينقسم الناس بين مَنْ يرفض النعمة ومَنْ يقبلها، كما جاء في إنجيل يوحنّا: “أمّا النور، الذي هو الحقيقيّ، الذي بمجيئه إلى العالَم يُنير كلَّ إنسانٍ، فإنّه كان في العالَم، والعالَم به كُوِّن، والعالَم لم يعرفْه. جاء إلى بيته الخاصّ وأهلُ بيته الخاصّ لم يقبلوه. أمّا الذين قبلوه، أولئك الذين يؤمنون باسمه، فقد آتاهم أن يصيروا أبناءَ الله” (يوحنّا 9:1-12). بالإيمان بيسوع المسيح ابن الله، يصير الإنسان ابنَ الله وخليقةً جديدة.
ندخل اليوم سنةً جديدةً ونحن مؤمنون بأنّنا قد حصلنا على الخلاص بواسطة إيماننا بيسوع المسيح. فبالمسيح، آدم الجديد، أصبح كلٌّ منّا خليقةً جديدة. لذلك على الرغم من كلّ ما يعتري حياتَنا من صعوباتٍ ومضايقَ ترافق كلَّ كائنٍ بشريّ في هذه الدنيا، نحيا في فرح الناس المخلَّصين الذين تحرّروا من عبوديّة الخطيئة وحصلوا على النعمة ودخلوا منذ الآن في ملكوت محبّة الله. ويستطيع كلٌّ منّا أن يقول مع بولس الرسول: “فمَنْ يفصلنا عن محبّة المسيح؟ الشدّة؟ أم الضيق؟ أم الاضطهاد؟ أم الجوع؟ أم العُرْي؟ أم الخطر؟ أم السيف؟ على ما هو مكتوب: إنّا من أجلكَ نُماتُ النهارَ كلَّه؛ قد حُسِبنا مثل غنمٍ للذبح”. ويُضيف: “غير أنّا في هذه كلّها نغلب بالذي أحبّنا. فإنّي لواثقٌ بأنّه لا موتَ ولا حياة، لا ملائكة ولا رئاسات، لا حاضرَ ولا مستقبل ولا قوّات، لا عُلْوَ ولا عمْق، ولا خليقةَ أُخرى أيّةً كانتْ، تقدر أن تفصلَنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع، ربّنا” (رومة 35:8-39).
هذه الأقوال تنطبق على اللبنانيّين اليوم: “من أجلكَ نُماتُ النهارَ كلَّه؛ قد حُسِبنا مثل غنمٍ للذبح”. ومع ذلك لن نفقدَ الإيمان بمحبّة الله لنا، هذا الإيمان الذي يجعلنا راسخين في الرجاء بأنّ لبنان سوف يعود من جديد بلدَ الحياة في المحبّة والسيادة والحريّة. هذه أمنيتنا للعام الجديد، لكنّ تحقيقَها يتعلّق بمدى إيمان جميع اللبنانيّين بأنّ لبنان هو وطنهم النهائيّ والوحيد، وبمدى ثقتهم بعضهم ببعض. ونذكّر بما قاله البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني في الإرشاد الرسوليّ “رجاءٌ جديدٌ للبنان”: “على اللبنانيّين ألاّ ينسَوا تلكَ الخبرةَ الطويلةَ في العلاقات التي هم مدعوُّون إلى استعادتها بلا كلل، من أجل مصلحة الأشخاص والأمّة برمّتها. ولا يُعقَل في، نظر أصحاب الإرادات الطيّبة، أن يعيشَ أبناءُ مجتمعٍ بشريٍّ واحدٍ على أرضٍ واحدة، ويُفضيَ بهم الأمر إلى عدم الثقة بعضهم ببعض، وإلى التخاصم والتنابذ باسم الدين” (رقم 90). وكلّ عام ولبنان بخير!
كل مقال او منشور مهما كان نوعه لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي صاحبه