يقول اللاهوتيّ الألمانيّ فالتر كاسبر: »بما إنّ الله ذاته قد تجلّى في يسوع المسيح ، وأنبأ عن ذاته
بطريقةٍ نهائيّة ، لا مثيل لها ، فيسوع يدخلُ في تحديد جوهر الله الازليّ .
وينتجُ من سمة حدث المسيح النهائيّة أنّ يسوع هو من الأزل إبن الله ،
وأن الله هو منذ الأزل ” أبو ربنا يسوع المسيح ” وتاريخ الله نفسه يبدو كحدث«.
ما يريد أن يوصلهُ اللاهوتيّ كاسبر ، ليس تنظيرات مجرّدة ، أو نظريّات محض ، بعيدة عن واقع تاريخ يسوع الناصريّ ، وسرّ الخلاص . إنّ كشفَ بنوّة يسوع لله ، وسرّ وجوده السابق ، أزليّا ، وألوهيّة المسيح ، لا يمكن أن ندركها ونفهمها ” بصورة نظريّة مجرّدة ” بل هي ذات دلالةٌ خلاصيّة تدبيريّة .. ما أريد أن أقولهُ : هو أن يسوع َ كجسد بشريّ وشخص حصريّ المولود في بداية القرن الأوّل الميلاديّ ، لم يأتِ حالّا في رحم مريم ، بجسدهِ ، بل إن الطبيعة البشريّة ، مُتّخذة لا ” ممتصّة ” ! وجسد يسوع مخلوقٌ من رحم مريم الطاهرة ، بداية جديدة وخلق ، لا إنجابـــًا من الله (كما قال جوزيف راتسنجر) .
معلوم : أنّ الله لم يأتِ ليُمثّل علينا دور الإنسانيّة في شخص يسوع الناصريّ ، ثمّ يذهب ليعودَ إلى حيث كانَ قبلا ، فهذا أشبهُ بمسرحيّة هزليّة تجري في مسرح التاريخ البشريّ … وإن كان هكذا ، فنحنُ سنقع في الوهم والمخيّلة والأساطير المريضة ..!
سرّ التجسّد ، ليسَ ذوبان الألوهيّة في الإنسانيّة بحيث تفقدُ الألوهية كينونتها كألوهيّة ، والإنسانيّة تفقدُ كينونتها كإنسانية ! .. فيسوع الناصريّ الذي عاش في بداية القرن الأول الميلادي ، إنسان من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس ، وإرادة بشريّة ، ووعي بشريّة ، ومشيئة بشريّة .. لكنْ : لا يعملُ يسوع الناصريّ ، عملا مخالفا لأقنوم الكلمة الأزليّة ، بل نقول ، إن الكلمة أصبحَ بشريّته ، لا بمعنى التحوّل والصيرورة المكانية أو الزمانيّة ، بل الأقنوم – الكلمة هو بشريّته ، هو ذاتهُ ” الكلمة الأزليّة ” ، أخذت جسدًا .. فإنّ يسوع الناصريّ والكلمة واحدًا لا إثنين …!
وكما قال الأب برنار سيسبويه ” الكلمة صارَ جسدًا ، إنسانا ، صار شخصًا ، لا بمعنى التغيير ولا شكّ ، بل بالمعنى الذي جعلَ من ناسوت ٍ ناسوته ، متخذا إياه من الولادة بحسب الجسد ، بحيث لا يكونُ هذا الناسوت بمثابةِ ملك ٍ لهُ يملكهُ ، بل يكونُ حقا ذاته إياها ، فكلمة الله هو هذا الإنسان يسوع ، ويسوع هو هذا الله الكلمة. وكما أنّ ليس لنا الجسد ، بل نحنُ الجسد ذاتهُ ، وكما أننا الذات لكلّ ما يجري في جسدنا ، فالكلمةُ ليس له بشريّة بل هو بشريّته . ولكي تغدو هذه الوحدة في الكائن حقيقيّة ، يجبُ أن تبدأ قبل كلّ بدء ، فتكون هي البدء . وهكذا ، ومنذ اللحظة الآولى من الحبل بيسوع إتخذ لهُ الكلمة كلّ ما يتعلق بتطوّر هذه النطفة الإنسانيّة .. .. ولهذا السبب ، يجبُ ألا يدور الحديث على الكلمة وكأنّ فيه ذاتان مختلفتان ، الكلمة من جانبْ ويسوع من جانب آخر ، فكلا الأسمان يشيران إلى موجود واحد بالذات ، لكنّهما يشيران إليه من وجهة نظر مختلفة .
ويقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في الفقرة 466
إن الكلمةَ ، بإتّخاذه في شخصهِ جسدًا تُحييه نفسٌ عاقلة ، صار إنسانا. وليس لناسوت المسيح شأنٌ إلاّ في شخص ” إبن الله الإلهيّ ، الذي أتخذهُ وخَصّ به ذاته منذ الحَبل به.
الفقرة 468 : من بعد المجمع الخلقدونيّ ، جعلَ البعضُ من الطبيعة البشريّة في المسيح نوعًا من كيان شخصيّ . وقد ندّد بهم المجمع المسكونيّ 5 ، المنعقد في القسطنطينيّة ، سنة 553 ، وإعترفَ : ليس هنالكَ إلا شخص واحد ، هو سيّدنا يسوع المسيح ، أحدُ الثالوث “، فكلُّ ما في ناسوت المسيح يجب أن يُنسَبْ إلى الشخص الإلهيّ على أنه من عمله الخاصّ ، ليس المعجزات وحسبُ ، ولكن الآلام ايضا ، وحتى الموت ، إنّ الذي صلبَ بالجسد ، سيدنا يسوع المسيح ، هو إلهٌ حقّ ، رب المجد وواحدٌ من الثالوث الأقدس..
زينيت