إذا نفذنا إلى العقل الباطني للمراهقين، وتفحصنا مليًّا إلى ما يجول في خاطرهم من أفكار تدور حول العلاقات الجسدية المبكّرة، لربما نجد، بعضا من حجج وقناعات وآراء متناقضة، تتعلّق حول مفاهيم خاصة بحرية ممارسة العلاقات المبكرة على قاعدة هشة قوامها: “الحشرية، الإستمتاع، التسلية، اكتشاف الجنس، التحرر من العقد النفسية والكبت الجنسي، المخدرات والكحول ورفقاء السوء…”. لهذا لا بد لنا، كأهل ومربين، أن نقوم بتحصين ميراث العائلة أي الأولاد، من لصوص الشاشات والأفكار المسمومة والمعسولة، وذلك في تقديم فضيلة العفة، كطاقة روحية وأسلوب حياة، ونعمة للشخص – مستقبل العائلة.
ما هي العفة؟ أهدافها؟ كيف تعاش؟ منافعها على صعيد الحب؟
١- العفة طاقة خيّرة
هي طاقة خير روحية تحرّر الحب من الإنغلاق و”الأنانية والنزوة” (الإنسان والجنس، فقرة ١٦). وهذه الطاقة تضع في قلب الشخص القدرة، في عيش الحب الحقيقي القوي، الذي لا يقبل الخضوع ابدا للمغريات والإبتذال أو المنفعة. ففي فضيلة العفة، يتثبّت الإنسان في عيش معنى الفرح في العطاء، متدرّبا على كيفية الكرم والسخاء والإنفتاح المتزن، مقصيا عنه كل أشكال المفاهيم الخاطئة حول التضحيات الباهتة وسرعة الوثوق في الآخرين.
فعندما يقرر المراهق أن لا يقدم ذاته لمطلق أي شخص، رافضا أن يتحول إلى دمية بين أيدي الآخرين، عندها يدخل في منطق العفة، لهذا، فهو بحاجة الى التدرّب.
٢- التدرّب على العفة
كما يتدرّب لاعب كرة القدم، ويستعد استعدادا لائقا للفوز في المباراة، معتمدا على مدرب ماهر فطن ذو خبرة، يساعده في تحسين أدائه في الجري وتسديد الكرة، ويتعلّم من خبرته فنون اختراق الدفاعات، ليصبح بفضل مدرّبه لاعبا قويا وبارزا، هكذا العفة، فهي تُعِد المراهق والمراهقة ليكونا مستقبل الغد المشرق. لهذا تروّض العفة الإنسان ،وتساعده في ضبط العواطف والأهواء والمشاعر، لتكون بكلّيتها منسجمة في الشخص. وهذا التمرين اليومي والحياتي، يجعل من الإنسان المراهق، سيد وقائد المستقبل، إنها مسيرة تدرّجية. فيجب ألا نيأس إن سقط المراهق أو لم ينجح بعد في ترويض عواطفه من المرة الأولى أو الثانية، لان المدرّب الفطن، لا ييأس من اللاعب الماهر والجيد، هكذا هي الحال مع أولادنا المراهقين، فلنشجعهم مرات كثيرة مقدمين لهم الدعم اللازم، ليصلوا الى مسيرة الإنضباط الناجح على الذات.
فلنبدأ رحلة الألف ميل، إنطلاقا من قرار نتخذه، قرار يجلب للقلب السلام الداخلي.
٣- ما الذي يجب ان يتجنبه المراهق/ المراهقة في عيشهما للعفة؟
كما قلنا سابقا، الأمر يتطلب قرارا مدعوما من قبل الأهل، حيث يوجه الاولاد في نبذ كل ما يتنافى مع مسيرة نموهم النفسية والعقلية والإجتماعية والروحية. وأهم القرارات التي وجب أن تكون ضمن جدول الأعمال هي “نبذ الأفكار والأقوال والأعمال المشينة… وتجنّب ظروف الإغراء… والخطيئة، والتمكّن من السيطرة على نزوات الطبيعة الغريزية”(المرجع ذاته، فقرة ١٨). ولا نغفل أن نوعية العلاقة داخل الأسرة تسهم بشكل قوي في تثبيت قيم العفة في الأبناء بحيث “لا تعود تصطدم بصراعات داخلية”( المرجع ذاته، فقرة ١٩).
٤- منافع العفة على صعيد الحب النقي
للعفة منافع لا تحصى، فهي تنقي النفس والجسد، إذ تنمي في الشخص، مبدأ احترام الذات، فتضعه في إطار قيم، تحميه من انتهاكات أترابه والبالغين، وتصون جسده وتجعله ينمو بطريقة هادئة وجميلة ورصينة، مرسّخة في نفسه الطرية قيم الصداقة والطهارة والأمانة ونقاوة القلب. إنها مسيرة آمنة بامتياز، تقود أولادنا المراهقين وبناتنا المراهقات، نحو منطق الحب الحقيقي والثابت والنقي، أي الزواج السعيد والدائم.
الحب الصحيح، أساسه، منطق عفيف سليم مستقيم، مؤسس على الإيمان العامل بالمحبة.
وفي الختام، من يتعلّم قيمة احترام الذات، سيعرف جيدا كيف يحترم الآخرين وكيف يتعامل معهم بصدق وأمانة وإخلاص، لأن مستقبل العائلة، منوط بشبان وشابات عاشوا واختبروا جمالية العفة في أفعال واقعية، يبقى الأهل الأساس في التنشئة والتمرّس على فضيلة العفة، ولا نغفل دور الدولة ومسؤوليتها المتعاونة مع الكنيسة والعائلات، في كيفية حماية الأسرة والمراهقين، من خلال تشريعات وتحديث قوانين لا تتعارض مع جوهر الأسرة، تكفل وتصون براءة مستقبل الأمّة، أي الشباب- عائلات الغد.
زينيت