لهذا سوف نكتفي بعرض بعض الأسباب التي تدفع الإنسان إلى التوقف عن ممارسة الصلاة والتعليق عليها.
· حالة أولى:
إنسان ما لا يمارس الصلاة. يتعرض لطارئ ما في حياته، فيشير عليه أحدهم – ويكون من أولئك الذين تمرّسوا في الصلاة وإيمانهم كبير بفعاليّتها – بأن يصلي ويسأل الله العون. فيتقدم هذا الشخص من الله وربما بعد تردد كبير بسبب قلّة الإيمان، "فارضاً" عليه مطالبه التي غالباً ما تكون على الشكل:
– حسب إرادته الشخصية.
– حسب مطامعه وشهواته.
– أن يبعد عنه المحن والأمراض والمصائب.
– أن يبعد عنه موت كل عزيز.
– أن يغرقه في الخيرات المادية.
– أن ينتقم له من منافسين على السلطة.
واللافت للنظر أن السائل هنا يريد أن يستجاب طلبه هذا بسرعة. وكأن الصلاة عصاً سحرية ما إن نحرّكها حتى يكون لنا ما أردناه.
وبما أن الصلاة ليست كما يتصوّر والله ليس بساحر رهن إشارتنا، فإنه لا يلبث أن يعود أدراجه مبتعداً مرة أخرى عن الصلاة، ولكن هذه المرّة بقناعة أكبر عن عدم فعاليّتها، ولا يترك فرصة ما إلا ويعلن أمام الجميع تجربته الفاشلة فيكون "كحجر عثرة"[1] أمام كثيرين يتّخذونه كبرهان على المضي في كسلهم الروحي. من هنا نفهم كلمة الكتاب على لسان يعقوب:
"تسألون ولا تنالون لأنكم تسيئون المسئلة مبتغين أن تنفقوا في لذّاتكم"[2].
· حالة ثانية:
فئة أخرى من الناس توقفت عن ممارسة الصلاة، لأنها ربطتها بالخيرات المادية. فقد توهمت هذه الفئة أن صلاتها لا تجلب لها سوى الألم والفقر… بعد أن رأت أن الذين لا يقيمون علاقة مع الله يتمتعون بالغنى والسعادة والصحّة… لقد رفضت هذه الفئة الله بسبب مكافأة لم تحصل عليها، ظنّاً منها أنها بصلاتها تلزم الله على مكافأتها. وبرفضها الله تكون قد فقدت أسمى ما يمكن الحصول عليه، ألا وهو الله خالق الوجود.
إن علاقة هذه الفئة مع الله هي علاقة تجارية هدفها الربح والمكافأة على ما تقدمه لله من صلوات. لقد غاب عنها أن تتخذ من حياة السيد المسيح مثالاً، كيف أن حياته كانت كلها صلاة وكيف أنه عانى العذاب والألم وموت الصليب. إلا أنه لم يستسلم بل وهو في قمّة عذابه "إستودع روحه بين يدي أبيه السماوي"[3]. فكان أن أقامه الله وجعله عن يمينه[4]. هناك أمثلة أخرى في الكتاب، نكتفي منها بذكر أيوب ذلك العبد المتألم الذي ألمّت به مصائب لم يعرفها إنسان. فما كانت تزيده سوى تمسّكاً بإيمانه، أمام إلحاح زوجته التي حاولت أن تدفعه إلى التجديف على الله.
صحيح أن الخيرات المادية التي أغدقها الله على أيوب جاءت كمكافأة على أمانته، إلا أن القضية هنا هي أن أيوب لم يكن ينتظر تلك المكافأة وإلا لكان إبتعد عن الله في أول الطريق. خصوصاً بعد أن رأى توالي المصائب عليه وكيفية ربط زوجته لتلك المصائب بإيمانه. لذا يجب علينا الإنتباه إلى الكيفية التي نربط فيها أفراحنا ومآسينا بصلواتنا.
يمكن تشبيه الصلاة بالبوصلة التي ترشدنا إلى الطريق الصحيح. إنها توجيه عميق للنفس نحو خالقها. وما الأفراح والمآسي سوى محطات مرحلية على تلك الطريق لا نلبث أن نغادرها حتى نصل إلى الهدف النهائي أي الإتحاد بالله. يمكن ان نشبّه المؤمن المصلي بالماء الذي يجتاز السهول والأودية ليشق طريقه نحو البحر العظيم الذي هو الله.
واللافت أن هاتين الفئتين تؤكدان أن صلاتهما نابعة من القلب وأنهما لا يلقيان جواباً فيضعان اللوم على الله ويفقدان الثقة به بدل التفتيش عن العلة فيهما أو في طريقة صلاتهما.
[1] متى 18/6، لوقا 17/2 [2] يعقوب 4/3 [3] لوقا 23/46 [4] الرسالة إلى أهل أفسس 1/20زينيت