كشف المطران كاميلو بالين، النائب الرسولي لشمال شبه الجزيرة العربية، أن عدد المسيحيين يتجاوزن أكثر من 10 في المئة من إجمالي سكان البحرين (من المواطنين والأجانب)، موضحاً أن الكنيسة الكاثوليكية
الأولى "القلب الأقدس" بنيت في هذا الموقع في العام 1930، كما بدأت الخطوات لإقامة كنيسة كاثوليكية كبيرة في منطقة عوالي.
وأفصح المطران في حوار مع صحيفة "الوسط" البحرينية بمناسبة زيارته للبحرين لإحياء عيد الميلاد عن أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، قدّم أكثر من دعوة للبابا بندكتس السادس عشر لزيارة مملكة البحرين، كما قدّم المطران مقترحاً بأن تنظم البحرين مؤتمراً سنويّاً يعنى بالحوار بين الأديان، يشارك فيه الفاتيكان.
إلى ذلك، أوضح المطران أن إشارة البابا بندكتس السادس عشر إلى «الربيع العربي» سببها أن البلاد العربية هي التي لفتت في هذه السنة انتباه العالم وتصدرت الشاشات، والكنيسة موقفها أن تعيش الشعوب العربية في سلامٍ وعدالة وفي تساوٍ في الحقوق والواجبات، لكن البابا أبدى خشيته على مستقبل المسيحيين في بعض الدول العربية بعد صعود بعض القوى الإسلامية المتشددة.
وهنا نص الحوار:
في الوقت الذي نحتفل بعيد الميلاد ونستذكر دعوات السيد المسيح للسلام، يعيش أبناء البشر اليوم في مختلف بقاع العالم وطأة القهر والحرمان والصراعات؟ ما أثر رسالة المسيح في تنقية الأرض من هذه العذابات؟
نعم، هذه رسالة السيد المسيح والمسيحية، فنحن نقرأ في إنجيل يوحنا أن يسوع هو النور، والنور أتى إلى العالم والعالم لم يعرفه، ففضل العالم الظلام على النور.
واليوم نحن نحيا ونحتفل بعيد الميلاد، إنه عيد العائلة وعيد المحبة والتسامح، عيد الصداقة والترابط بين الناس والمصارحة، ومن ناحية أخرى نواجه حروباً وانقسامات كبيرة، نواجه بغضاً وكراهية ونواجه كل ما يدع الإنسان يتألم جوعاً وعطشاً ونواجه تحديات عالمية كمشكلة المياه وخصوصاً في إفريقيا، ونواجه أيضاً الأنانية والانفرادية والتكبر.
إن هذا الواقع المؤلم يدفعنا إلى التساؤل: ما هي رسالة المسيح، وما هي رسالة الكنيسة؟ إن الكنيسة تواصل رسالة المسيح التي مهمتها أن تزيل كل ما يسبب هذه المشاكل التي ذكرناها، فهذه المشاكل من أي مصدر تأتي، هي تأتي من داخل الإنسان، وفي مصطلحات المسيحية هذا المصدر للشر نسميه «الخطيئة».
فرسالة الكنيسة هي أن تزيل الخطيئة من الإنسان لكي يرجع الإنسان كما كان في البدء عندما خلقه الله على صورة الله ومثاله. فرسالة الكنيسة تستمر حتى نهاية العالم، لأن حتى نهاية العالم سيكون هناك احتياجٌ إلى تغيير في البشرية، من بشريةٍ خاطئة إلى بشريةٍ تعيش في المحبة المتبادلة.
رغم مضي أكثر من 2000 عام على دعوة المسيح للسلام والعدالة، لماذا برأيكم هذه الدعوة لا تزال بعيدة المنال؟
بصورة عامة نستطيع أن نقول إن هذه الرسالة تحتاج إلى وقت، ولكن من الضروري أن نعرف بأن هذه الدعوة إلى السلام والمحبة وجهّت حياة أناس كثيرين، مثلاً أولئك الذين كرسوا حياتهم من أجل الآخرين، والذين قتلوا لأنهم كانوا يدافعون عن السلام.
وفي القرن العشرين كان كثيرون كهنة كاثوليك وراهبات كاثوليكيات كثيرات قتلوا في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وأيضاً كان هناك رعاة البروتستانت الذين قتلوا من أجل السلام، فلنتساءل من ساند وشجّع هؤلاء الناس لتحمل كل تلك الأعباء القاسية والثقيلة حتى الموت؟ إنه يسوع المسيح كان مصدر قوتهم وشجاعتهم واستعدادهم لتقديم حياتهم من أجل الآخرين.
ورغم أن رسالة المسيح لم تصل بعد كثيراً إلى سياسات الحكومات، لكنها وصلت إلى أناسٍ كثيرين أيضاً، ووصلت كذلك إلى أناسٍ يعملون في السياسة. ولو نفتش سنجد أن رسالة المسيح تدخل قلوب الناس بصمت وبتواضع ولكن بقوةٍ إلهية.
ماذا عن طبيعة زيارتكم الحالية للبحرين؟ فكيف وجدتم صورة التعايش مع الديانات الأخرى في المجتمع البحريني؟
في زيارتي الأولى إلى البحرين كان لديّ الحظ أن أتشرف بزيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ووجدت عنده استقبالاً حاراً جداً وانفتاحاً عظيماً للكنيسة الكاثوليكية ولكل الكنائس، وكذلك استطعت أن التقي الشيخ خالد بن علي آل خليفة، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، والشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، وزير المتابعة في الديوان الملكي، ومسؤولين آخرين في الحكومة، ووجدت عندهم انفتاحاً مثالياً وتفاهماً كبيراً لشؤون وقضايا الكنيسة أو قضايا المسيحيين عموماً. فمثلاً أعطيت المواعيد في بضعة أيام، فبالرغم من الأجندة وانشغالاتهم ومسؤولياتهم الكبيرة والمكثفة وجدوا وقتاً لي. فهذا رمزٌ إلى إرادةٍ صالحة وإلى قلبٍ طيب، وإلى روحٍ إنسانية عميقة.
أما بالنسبة للمجتمع البحريني لم تكن لديّ فرص كثيرة لكي أقابل فئات الشعب البحريني، ولكنني قابلت أبناء الجاليات الأجنبية الكاثوليكية في البحرين وكلهم يشكرون الله على وجودهم في البحرين، وكلهم يقولون إنهم وجدوا في البحرين أجواءً عائلية وصداقة واستقبالاً حميماً، ولا أحد اشتكى من سوء معاملة من البحرينيين حكومة أو شعباً.
وكيف تقيمّون علاقة الفاتيكان مع البحرين؟
لقد دعا جلالة الملك قداسة البابا أكثر من مرة لزيارة مملكة البحرين، وقداسة البابا قال لي إن جلالة الملك دعاه بطريقةٍ حارة جداً، وأخوية جداً، ولمّا كان البابا يقول لي ذلك كان يبتسم وكان مسروراً جداً من طريقة الدعوة له من قبل جلالة الملك. فأرجو أن يأتي يومٌ يستطيع فيه البابا أن يزور البحرين والكويت وقطر وكل بلاد الخليج. والفاتيكان يتابع شؤون المسيحيين في كل البلدان بما فيها البحرين، ولم أسمع قط من الفاتيكان أنه يشتكي من أي شيءٍ من البحرين حكومة وشعباً.
ويسرنا أن نوضح بأن هذه الكنيسة الكاثوليكية «القلب الأقدس» تضم أكبر عددٍ من المسيحيين في البحرين، وحسب تصورنا يوجد في البحرين بين 100 ألف و140 ألف كاثوليكي (وهذا العدد كبير لأنه يشكل أكثر من 10 في المئة من إجمالي سكان مملكة البحرين)، ولكن أعتقد أن الجاليات المسيحية الأخرى أكبر من ذلك بكثير. وهذه الكنيسة تساعد أبناء الكاثوليك لكي يعيشوا حياة هادئة سلامية وهذا يعود إلى خير مجتمع البحرين وإلى خير مملكة البحرين. فنحن نساعد من خلال الإرشادات الروحية والصلوات ونساعد الفقراء منهم. ونحن على استعداد أن نساعد أي إنسان فقير حتى وإن كان غير كاثوليكي أو غير مسيحي.
هل لك أن تحدثنا عن تاريخ الكنائس في البحرين؟
الكنيسة الكاثوليكية الأولى بنيت هنا في هذا الموقع في العام 1930، وكان ذلك في وقت مبكر، وفي نفس الموقع لا تزال هذه الكنيسة موجودة، فقد مضى عليها أكثر من ثمانين عاماً، ولكن في ذلك الوقت كان عدد الكاثوليك قليلاً جداً، فهذه الكنيسة الأولى تستطيع أن تسع 150 شخصاً، وقيل في ذلك الوقت إنها كبيرة للغاية، فماذا نستطيع أن نقول اليوم عندما أصبح عدد الكاثوليك يتجاوزن المئة ألف، فنحن نحتاج فعلاً إلى مكانٍ آخر، لكي نساعد الجالية الكاثوليكية، وفي الوقت ذاته لنساهم في خدمة المجتمع البحريني ومملكة البحرين. وقد بادر جلالة الملك مشكوراً في إنجاز الخطوة الأولى لتقديم أرضٍ للكنيسة الكاثوليكية في منطقة عوالي، والآن نتابع الإجراءات الأخرى في هذا الخصوص.
لقد طرح قداسة البابا في خطابه الأخير مسألة مواجهة الجشع والإمبريالية المتوحشة، ولكن هل نستطيع القول بأن خطاب الفاتيكان والكنيسة عموماً يحاكي القضايا والتحديات التي تواجه شعوب الأرض اليوم؟
في الحقيقة إن الكنيسة ليس عندها نظام سياسي معين، وهي لا تطالب أية دولةٍ أو أية حكومةٍ بتطبيق نظامٍ سياسي معين، وإنما تطالب كل دولة وكل حكومة باحترام حقوق الإنسان، وخصوصاً احترام الحرية الدينية، لأنه إذا كان الإنسان نسي الله سيضيع في العالم، فلا يستطيع أن يفيد أحداً. فالكنيسة ليست لها رسالة سياسية بل لها رسالة روحية وأخلاقية.
إن الكنيسة تدعو إلى العدالة والسلام واحترام الأقليات واحترام الأديان كلها ليس فقط المسيحية، والكنيسة تدعو كذلك إلى حرية الإنسان في دينه وفي ثقافته وفي إيمانه، ولكن لا تريد أن تتدخل في سياسة الدول.
ما هي أبعاد الإشارة اللافتة إلى «الربيع العربي» في خطاب القدّاس الذي ألقاه البابا؟
السبب في إشارة قداسة البابا إلى «الربيع العربي» هي أن البلاد العربية هي التي لفتت في هذه السنة انتباه العالم أكثر من غيرها، وهذا يدفع المرء للتساؤل: ما موقف الكنيسة تجاه هذه الأحداث؟. والجواب: موقفها أن تعيش الشعوب العربية في سلامٍ وعدالة وفي تساوٍ في الحقوق والواجبات، لذلك ذكر البابا البلاد العربية في خطابه، لأنها أصبحت في كل الشاشات، وليس من باب أنه يريد أن يتدخل في سياساتها.
إذن، كيف ينظر المسيحيون إلى التحولات العميقة التي يعيشها العالم العربي؟ وخصوصاً مع صعود موجة التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم، وأي أثر تتركه تلك التحولات على مسيرة حياتهم؟
في العراق الكثير من المسيحيين هاجروا بسبب تصاعد العصبية والطائفية والعنصرية، وفي مصر أتوقع أن التيار الإسلامي المتشدد سيصل إلى الحكم، فلا أعرف في الواقع كيف سيكون مستقبل المسيحيين.
ولكن أتمنى أن تكون هناك ديمقراطية في كل البلدان التي تعيش الربيع العربي، وأتمنى فعلاً أن تكون هناك ديمقراطية حقيقة، وحتى إذا أصبح الحكم في يد فئةٍ معينة أرجو أن تمارس هذه الفئة الديمقراطية وأن تحكم بالعدالة والقانون واحترام كل المكونات.
هذا الحديث يقودنا إلى الحديث عن موقف الفاتيكان من مشروع حوار الحضارات الذي تبنته الأمم المتحدة وبعض الدول والمنظمات في العالم؟
في الحقيقة أن الفاتيكان لديه وزارة خاصة للحوار بين الأديان، وأرجو من مملكة البحرين أن تنظم مؤتمراً سنوياً يعنى بالحوار بين الأديان، والفاتيكان سيشترك بكل سرور وفاعلية في هذا المؤتمر.
ما أبرز التحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق وخصوصاً في العالم العربي؟ مع العلم أن الكثير منهم يفضلون الهجرة إلى الشمال، حيث الغرب المسيحي؟
في بعض البلاد العربية يتألم المسيحيون جداً من جراء التمييز الديني، ويعانون من أمورٍ شتى من قبيل صعوبة بناء الكنائس، فكثير منهم يهاجر إلى بلاد الغرب بغية الحصول على واقعٍ أفضل، ويتأثرون كذلك من جراء التمييز في العمل والآثار الأخرى التي يتركها التمييز على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يواجهونه في بلدانهم.
وفي بعض دول الشرق الأوسط المسيحيون هم مواطنون لهم جواز سفر مثل أي مواطنٍ آخر ولكن يعتبرون مواطنون من الدرجة الثانية عملياً فيما يتعلق بالحقوق والحريات.
وما الذي عمله الفاتيكان في بناء جسور التواصل مع حكومات وشعوب هذه المنطقة لتحسين واقع المسيحيين فيها؟
الفاتيكان لا يستطيع أن يعمل شيئاً، فهو يدعو إلى الحوار ويدعو إلى احترام حقوق الإنسان ولكنه لا يستطيع أن يتدخل في سياسة بلدٍ معين. والفاتيكان بالرغم من أي شيء يحصل يدعو دائماً إلى الحوار، فالقلق مثلاً، لا يأتي من انتشار الإسلام في الغرب، وإنما من عدم الحوار بين أبناء الأديان، ومن رفض الاعتراف بالقيم الدينية في بعض الدول.
لو نظرنا إلى مهد السيد المسيح، هل لنا أن نتساءل: ماذا فعل الفاتيكان في رفع العذابات عن سكان الأراضي المقدسة؟ وكذلك في التعامل مع مسألة القدس؟
إن الفاتيكان عمل ولا يزال يعمل كل ما بوسعه من أجل أبناء هذه البقاع المقدسة، ولا يزال يعمل بشكل حثيثٍ ومستمر من أجل العدالة ومن أجل تحقيق السلام المبني على العدالة، والبابا السابق يوحنا بولس الثاني والبابا الحالي بندكتس السادس عشر، ومن قبلهم البابا بولس السادس قد زاروا مدينة القدس، وعملوا ما بوسعهم من أجل أن يحل السلام هناك.
وفي هذا الصدد فإن الفاتيكان قدّم أن تكون مدينة القدس تحت حكمٍ معترف به دولياً، لمعالجة إشكالية تبدو كبيرة: من يحكم القدس؟ المسلمون أم المسيحيون أم اليهود، لذا فإن الفاتيكان يقترح أن يكون حكم القدس على شاكلة نظام معترف به دولياً، وحتى في الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقد وضعوا القدس في فصلٍ آخر، ورؤيتنا في الفاتيكان أن يكون للفلسطينيين وطن ولليهود وطن، أي وطنين يعيشان بتعاونٍ وسلام. ولكن بالنسبة لمدينة القدس التي تشمل الأديان الثلاثة يقترح الفاتيكان أن يحكمها نظامٌ تعترف به دول العالم.
ثمة من يرى بأن أوروبا تحررت عندما خرجت من سطوة الكنيسة، أنتم في الفاتيكان هل تشعرون أن دور الكنيسة كان سلبياً في بعض الأوقات من تاريخ أوروبا؟
هناك العديد من التنظيرات الفكرية والكثير منها بعيد عن الواقع أو تشوبه المبالغة، ومناقشة ذلك يحتاج جهداً ووقتاً كبيراً، وهو مهمة الباحثين المتخصصين، ولكن الكنيسة تريد أن تعطي القيم الحقيقة لكل إنسان، وتعتقد الكنيسة أن الإنسان الذي لا يحترم الآخر لا يبني علماً أو عملاً جيداً، فالكنيسة تطلب من كل إنسان وكل دولة وكل الحكومات والمجتمعات أن تحترم حقوق الإنسان وخصوصاً الحرية الدينية، والكنيسة تريد أن تحافظ على دورها الرسالي في نشر تعاليم الحق والفضيلة والعدل والسلام.
وأخيراً ، ما رسالتكم للبحرينيين في عيد الميلاد؟
أمنياتنا للبحرين أن تعيش دوماً في أمنٍ وسلام وفي ظل الوحدة الوطنية بين كل أبنائها، وهذه مسؤولية تقع على عاتق البحرينيين جميعاً.
صحيفة "الوسط" البحرينية