أحدثها "إنجيل يهوذا" الذي اكتشف العام 1978 في مصر، لكن سبق ان أشار اليه القديس ايريناوس في القرن الثاني، واصفا اياه "بأنه خرافي". وقبلا في كانون الاول 1945، ظهر "انجيل توما" ضمن وثائق اخرى كانت محفوظة في جرة قرب ناغ حمادي، في مصر ايضا. وفي ألغورنة المصرية، اكتشفت بعثة بولونية كتابين من ورق البردى ولفائف بالقبطية تحت انقاض دير يرجع الى القرن السادس. وكان عالما آثار بريطانيان من جامعة اوكسفورد اكتشافا العام 1896 في البهناسة المصرية وثائق قديمة جدا، ضمنها نصوص منحولة لا تزال قيد المتابعة.
يبلغ عدد الكتابات المنحولة او "الأبوكريفية" (Apocryphes) نحو 100، 95% منها ترجع الى القرن الثاني، وقلة الى القرنين الثالث والرابع، وأحدثها الى القرن الخامس. ويشرح عميد كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف الاب سليم دكاش اليسوعي لـ"النهار" "انها نشأت في مجموعات في مصر، لا سيما عند الاقباط، وفي الشرق وتركيا. وكانت هذه المجموعات غنوصية، كما تسمى، والتي كانت تعتبر ان الخلاص يتم من طريق المعرفة التي تتناول بعض الخصوصيات المخفية". ووفق ما يُعلَم عنها، "كانت جماعات مقفلة على ذاتها، نخبوية، مسالمة، والخلاص بالنسبة اليها كان نخبويا، والعارف باسرار الله ينال الخلاص. وكانت في حال انتظار عودة الرب قريبا، وقد وضعت كتبها الخاصة".
كلمة "أبوكريف" (Apocryphe) تعني باليونانية الخفية المكتومة، وبالعبرية "غوناز"، المخفية، وبالعربية توازي المنحولة. والمقياس الذي ميّزت على أساسه الكنيسة في القرنين الرابع والخامس بين ما هو قانوني وغير قانوني من هذه الكتابات كان واضحًا. "ما أتى مباشرة، وفي شكل دقيق، عن طريق السلسلة الرسولية هو صحيح، قانوني، واعتمد. اما ما كان خارج هذه السلسلة، فقد رفض، واعتبر منحولاً"، يقول دكاش، مشيرا الى ان "السلسلة الرسولية تأمنت عبر الاساقفة آنذاك الذين كانت وديعة الايمان في ايديهم. كذلك كانت هناك مجامع كنسية".
ضمن "4 انواع ادبية"، يصنف دكاش الكتابات المنحولة، ومنها 22 انجيلا، 12 باللاتينية و10 باليونانية، 15 اعمال رسل، 10 رسائل للرسول بولس او تلاميذه، 6 اسفار رؤيا. "هذا في ما يخص العهد الجديد فقط"، على ما يفيد، "علما ان هناك نصوصا من العهد القديم ايضا عددها يفوق العشرين، واعتبرها الدين اليهودي مخفية غير قانونية، الا انها محترمة، في حين ان الكنيسة الجامعة اعتبرتها صحيحة قانونية وادخلتها ضمن اللائحة القانونية، مثل سفري المكابيين والحكمة وغيرهما".
بالعبرية واليونانية والأرامية والحبشية والقبطية واللاتينية والعربية، كتبت هذه النصوص. "منها ما وصل كاملاً، ومنها ما وصل ناقصاً او مشوهاً، ومنها ما ضاع ولم يبقَ الا ذكر اسمه في كتابات آباء الكنيسة المعاصرين له، ومنها ما نسخ مرارا حتى كانت لنا منه روايات عدة، مختلف بعضها عن بعض، ومعظمها وضع بأسماء رسل المسيح وتلاميذه، لإضفاء صفة القداسة والصدقية عليه"(). ومن الاناجيل المنحولة، تلك التي تتناول طفولة مريم ويسوع "العجائبية"، "بسرد ضاف من المعجزات والخوارق": انجيل توما الغنوصي، وهو اقدمها (العام 200)، انجيل الطفولة وفق يعقوب، انجيل الطفولة العربي، انجيل مولد مريم وميلاد المخلص، انجيل مولد العذراء. كذلك، هناك انجيلا آلام، وآخران غنوصيان، اضافة الى نبذات اناجيل…
وركزت "الاعمال والرسائل المنحولة" أيضاً على "الاعمال الخارقة للرسل والتلاميذ وعلى شفاءات كثيرة تمت على ايديهم". كذلك، تتمتع "الرؤى المنحولة" "بأسلوب رؤيوي، ابوكالبتي، أخروي"()، ومنها قصة يوسف النجار، قصة نياح مريم، صعود اشعيا، رؤى عزرا وبطرس وبولس لنهاية العالم، وكتاب وحي اسطفانُس وإلكاساي. ويحدد دكاش اربع ميزات لهذه الكتابات المنحولة: "الاولى انها تسلط الضوء على الامور العجائبية، كي تقول ان الحضور الالهي قوي. على سبيل المثال، ولادة المسيح، مع اخبار غير معقولة عنه. كذلك، تبرز بعضها مفاهيم لاهوتية ظهرت في وقت متأخر. على سبيل المثال ايضاً، يتكلم انجيل الطفولة وفق يعقوب على "والدة الاله" (ثيوطوكوس)، علما ان هذه الصفة الخاصة بمريم العذراء ترجع الى القرن الخامس، وقد اطلقها عليها مجمع افسس (العام 431) آنذاك".
الميزة الثانية، "تضمّن بعض هذه النصوص ما يناقض الاناجيل الاربعة الرسولية، ويعارض الايمان الصحيح"، يشرح. على سبيل المثال، ما يذكره بعضها ان "يسوع لم يصلب، لم يمت على الصليب، بل خطف. وهذا الامر لا تذكره اطلاقا الاناجيل الرسولية القانونية. وهذا الاعتقاد خاص بحلقة معينة من المسيحيين الاوائل اسمها "الظاهريين" الذين انكروا ألوهية المسيح واكتفوا بتقديس اعماله الظاهرة فقط، وقد تأثر الاسلام لاحقا بكتبها التي اعتبرتها الكنيسة غير قانونية من البداية ولا تعبر عن الايمان الصحيح".
وتتمثل الميزة الثالثة في "لصق" عناوين هذه الكتابات بأحد اسماء الرسل او التلاميذ، "علما ان ايا منهم لم يكتبها. وهذا الامر واضح علميا"، يؤكد. "لقد نسبتها اليهم جماعات هي التي انتجتها، ولم يكتبها اي من الرسل او التلاميذ الذين نسبت اليهم هذه النصوص".
وتتركز الميزة الرابعة على ان "كل هذه الكتابات تقريبا كتبت بعد الاناجيل الاربعة، فجاءت بمثابة اضافات من حياة المؤمنين وعقيدتهم وطريقة تعبيرهم عنها".
من التأثيرات التي ساهمت في وضع هذه الكتابات المنحولة ما يرتبط، في رأي دكاش، بما سماه "الحضور اليهودي آنذاك في المسيحية الاولى". يقول: "في تلك الحقبة، تمسحنت جماعات يهودية، ولكن ليس في شكل كامل، اذ حافظت على خصوصيتها، وبقيت مرتبطة بالشريعة اليهودية. لذلك، نجد في نصوص تأكيدا للشريعة وأهميتها، في شكل متساو مع السيد المسيح وكلامه، لا بل تتخطاهما احيانا". وما يلاحظه ايضا، لا سيما في الاناجيل المنحولة، هو "تشابه بنيتها الادبية ومعانيها احيانا مع التراجيم اليهودية"، اضافة الى ان "بعضها كان صراحة ضد النساء (انجيل توما)". ويقول: "بقراءة الاناجيل المحرفة، نجد شططا واضحا بعيدا كل البعد عن الروح المسيحية. وهو من نتاج جماعات خاصة انتشرت في تلك المرحلة وارتبطت بتقاليد وثقافات معينة".
على مرّ الازمنة، كان جواب الكنيسة واضحا. وتمثل اول موقف لها نحو العام 200، "مع ترتليانوس، أحد آبائها ومخترع تسمية "العهد الجديد" التي وضع ضمنها الاناجيل الاربعة وجزءا من الكتابات الاخرى"، يشرح. ومع مرور الايام حتى القرن الخامس، "تأسس العهد الجديد شيئا فشيئا. وكانت الكنيسة بذلك في حال استدراك ووعي لازم لجبه هذه الكتابات. والى جانب ترتليانوس، لعب آخرون، مثل قبريانوس واغوسطينوس، دورا مؤثرا في تخفيف وطأة هذه النصوص التي كان لها انتشار. السنة 397، وضع اغوسطينوس اللائحة الاساسية للكتابات القانونية في هيبو في تونس. ومع تحول الكنيسة مؤسسة في القرن الخامس، اي كنيسة الدولة، كنيسة قوية، بدأت هذه الكتابات تذوب وتختفي شيئا فشيئا".
نقطة اخرى مهمة يلفت اليها دكاش: "الكنائس الشرقية توصلت في تلك المرحلة ايضا الى الكتابات القانونية نفسها، والتقت بذلك مع الكنائس الغربية في بداية القرن الخامس حول النصوص نفسها – من دون ان تكون متفقة مسبقا – باستثناء نص واحد تفاوتت في شأنه وجهات النظر هو سفر الرؤيا ليوحنا، الذي رأى بعضهم انه يتكلم على نهاية العالم، بينما وجد آخرون انه يتكلم على نهاية الخطيئة او الشر في العالم. والتقاء الكنيستين الشرقية والغربية حول هذه النصوص، من دون ان تكونا متفقتين، يعني ان الروح اشتغل نوعا ما ليجمعهما".
في الاعوام الاخيرة، استقطبت اناجيل منحولة عدة، مثل انجيلي يهوذا ومريم المجدلية، الاضواء بحيث اعدت عنها برامج وثائقية، في وقت تردد انجيل برنابا (الذي يرجع الى القرن الخامس عشر) على الالسن مع اعداد فيلم ايراني عن السيد المسيح قبل اشهر في لبنان. وتجاه كل ذلك، يرى دكاش ان "عالمنا اليوم يهتم بكل ما هو ظاهرة دينية غريبة وسحرية، اكثر مما يقبل ما هو مؤسسة دينية. لذلك، نجد كلاما على وعي او صحوة دينية، أكان في المسيحية، او في الاسلام، اكثر من التزام مؤسسة دينية كنسية او عقيدة. وتأتي هذه الكتابات المنحولة لتشير الى نوع من الحرية كانت سائدة في القرون الاولى من المسيحية، والى انها دليل الى هذه الحرية، اي انه يمكن ان يعيش المرء دينه وفي الوقت نفسه هذه الصحوة الدينية وهذا الوعي الديني على مسؤوليته".
ويستتبع قوله هذا بمزيد من الشرح: "هناك للاسف اصبع، لا اريد ان اقول انها صهيونية او يهودية، تحرك الامور ضد الكنيسة الكاثوليكية كمؤسسة في الغرب لا تزال تتمتع بمكانتها وتأثيرها وهيكليتها. هناك ارادة لضربها". وما يراه في استخدام هذه الكتابات من وقت الى آخر في اعمال فنية او ادبية هو "تجارة مربحة".
اما جواز أن تغذي هذه الكتابات اعمالا فنية وأدبية فأمر يجيب عنه دكاش "بإبداء أسف لعدم التمكن من الخروج من فهم محدد ومحدود للنص المقدس، فيه شيء من الفهم الحرفي الجامد". ويقول: "الفن يعتمد على الخلق وعلى الخروج على المألوف وعلى الخيال. لكننا لم نصل بعد الى هذه المرحلة، لا سيما في الشرق. ليس لدينا نضج لقبول ما هو خارج عن الفهم الجامد للنص او اجتهاد منطقي يحترم النص ويفسره في ضوء حالة الانسان اليوم".
وامكان قبول ذلك او عدمه، خصوصا على المستوى الديني في لبنان، مسألة يشرحها "باننا نعيش في جو طائفي مذهبي. وأي مساس بما هو تقليدي من تفسير للنص مساس، ليس بالايمان فحسب، انما ايضا بقوة الجماعة وهيكليتها وحياتها ووجودها. من هنا يزداد الهمّ لان يكون هناك احترام للنصوص القانونية. فلا يمكن الطلب من المسيحي في الشرق ان يهدم نصوصه امام واقع اسلامي يقدس نصوصه الاسلامية. الا ان تجسد الكلمة الالهية في واقعنا البشري جعل الاله بيننا وقريبا منا. ومسؤوليتنا كمؤمنين ان نجعل هذه الكلمة كلمة حياة وفرح وسلام وعدالة لحياتنا، كأفراد وجماعة".
الاناجيل المنحولة – سلسلة الكنيسة في الشرق (8) – ترجمة اسكندر شديد، تقديم ومراجعة الابوين جوزف قزي والياس خليفة – دير سيدة النصر غوسطا – 2004.
هالة حمصي النهار