وللمفاجأة، يعودون مجددا، كل سنة، باعداد مثيرة للدهشة، كاثوليك وارثوذكس وبروتستانت، ايا يكن. ففي زمن تتسع ازمة الايمان هنا وهناك ويتخلف الشباب عن الكنائس، تبقى "تيزي" و"حج الثقة على الارض"، الذي تواصله مع الشباب المسيحيين من نحو 36 عاما، في مسكونية خاصة، علامة فارقة.
في ستراسبورغ، هذه المرة، عقدت حلقة الشباب في اواخر كانون الاول 2013، في اطار اللقاء الاوروبي الـ36، الذي تنظمه "جماعة تيزي" المسكونية منذ العام 1978. وفي الارقام، 30 الفا شاركوا من مختلف انحاء اوروبا، تصدرهم البولونيون (4500)، وبعدهم الاوكرانيون (2600). والى الفرنسيين والالمان، جاء 1400 من ايطاليا، 1200 من كرواتيا، و1000 من بيلاروسيا.
وعلى غرار الـ40 الفا الذين شاركوا قبل عام في لقاء روما (2012)، وقبله في برلين (2011)، وروتردام (2010)، كان القاسم المشترك "البحث عن شركة واضحة ما بين محبي السيد المسيح". "من يحبون المسيح على كل الارض، يشكلون جماعة صداقة كبيرة. ولديهم مساهمة ليقدموها من اجل شفاء جراح البشرية. ومن دون ان يفرضوا انفسهم، يمكن ان يساهموا في عولمة التضامن، التي لا تستثني اي شعب او اي شخص"، خاطب المسؤول عن الجماعة "الاخ ألوي" تلك الالوف.
الى صلوات مشتركة بلغات متعددة، حضرت لائحة بقضايا آنية "للتأمل" فيها: البطالة، البحث عن نموذج اقتصادي جديد، الدعارة، العدالة وحقوق الانسان، التحدي في ان يكون المرء مسيحيا، الحوار المسكوني والتحول بلقاء الآخر، الحاجة الى الكنيسة، اوروبا والهجرة اليها وسبل العيش مع الآخر المختلف… اربعة ايام، برنامج مدروس، وحوارات مع ضيوف من ديانات اخرى، لاسيما اليهودية والاسلام.
من اول الطريق، شكلت عودة الشباب، بالآلاف، الى "دير تيزي" المسكوني قرب كلوني في "ساوون ولوار" – فرنسا، والى حجه السنوي، مؤشرا قويًا الى فرادة ما، الى سر خاص. واكثر ما يسمعه اخوة الدير من الشباب عن سبب عودتهم: "اكتشفنا الله عبر جمال الترتيل والصلاة"، يكشف المسؤول في الجماعة عن العلاقات العامة مع مسيحيي الشرق الاوسط الاخ اميل. "في اوروبا، هناك خوف من الله، من انه بالانفتاح عليه يخسر المرء حريته. وجمال الترتيل والصلاة يزيل هذا الخوف".
العام 1958، كانت البداية. مئات جاؤوا الى "تيزي". 1966، اجتمع نحو الف في اسبوع واحد. 1970، صاروا بضعة آلاف. وبعد سقوط جدار برلين العام 1989، تضاعف العدد: 100 الف سنويا يأتون الى "تيزي" لتمضية اسبوع. ومنذ ذلك الوقت، بقي الرقم ثابتا. "وهو امر مفاجىء. فالشبيبة تغيّرت منذ العام 1958، ومع ذلك، لا تزال تأتي"، يقول الاخ اميل لـ"النهار".
الى جمال الصلاة والترتيل، عامل ثان يؤثر في عودة الشباب. ويلاحظ الاخ اميل ان "الشباب ينجذبون الى لقاء آخرين من اعمارهم يفتشون بصدق، ولا يخشون تناول مسائل عميقة. حاليا، ليست هناك اماكن كثيرة يمكن فيها تبادل الآراء حول قضايا عميقة. المحرمات انتقلت. ففي الماضي، كانت ربما الجنس وغيره. واليوم باتت الله، الايمان. اين يمكن التكلم على ذلك؟ هناك ارتياح وفرح لدى الشباب لايجاد اماكن يمكن ان يتبادلوا فيها بثقة. و"تيزي" لطالما كانت مكان اصغاء".
وهذا ما تمناه مؤسس الجماعة الاخ روجيه الذي كان هاجسه "فهم الشبيبة". "لا نريد ان نكون اساتذة روحيين، بل رجال اصغاء"، كان يقول. وبعد اعوام، يبدو ان "الطابع الانساني خصوصا" في تيزي هو المؤثر. "انها انسانية تتيح الاحساس بالله احيانا. فالله ليس الله لانه اقل انسانية او لاخلائه الانسان، لا بل يرحب بانسانيتنا، ولا يرفض تعقيدات حياتنا".
المهم ان "الوصفة" نجحت، بدليل عودة الآلاف سنويا. "ثمة شيء يخاطب الشباب في تيزي. يشعرون بانهم محترمون. فهم يحتاجون الى فسح نعطيهم فيها الوقت ليكتشفوا ما يؤمنون به بالفعل. ومع ان تيزي ليست حيادية اطلاقا، لكونها تضم اخوة مكرسين يعيشون حياة صلاة وتأمل، فلا شيء مفروضاً فيها".
وربما "البساطة" عامل جذب آخر، وربما ايضا كلمة تجربة مهمة، وليس بمعناها السطحي". يقول الاخ اميل. في تيزي، "لا نفتش عن العاطفة، بل عن عيش تجربة كنيسة، تجربة شركة. وعندما يكون الشباب في تيزي (او لقاءاتها)، يلتقون اترابا لهم من بلدان كثيرة، ويعيشون تجربة وحدة ايضا، ويسألون عن مصدر تلك الوحدة. وبالنسبة الى كثيرين، انه اكتشاف للمسيح، وللكنيسة ايضا، بما انها شركة بدورها".
الى كونها نموذجًا في المسكونية، ترسل "تيزي" و"حجها" على الارض رسالة واضحة الى الكنائس: جذب الشباب الى يسوع المسيح ممكن جدا. "يجب ان نأخذ في الاعتبار التغييرات في الحساسية البشرية. الانسان كائن تاريخي. ويجب ان نعمل مع التاريخ وتطوراته، ولا نعتقد انه عدو، ونميّز في الوقت نفسه ما هو جيّد"، يستنتج الاخ اميل. "هناك قيم جديدة لدى الشباب. ويجب ان نرى ما الملائم والكبير في كل تحوّل ثقافي، وان "نسكنه". وعلى المسيحيين الا يخافوا. لطالما آمنوا بالقدرة الاستيعابية للايمان. فهم ليسوا محكومين بالعيش في ثقافة تجاوزها الزمن. يمكن ان يسكنوا عالم اليوم، والمسيح ليس غريبا عنه اطلاقا".
هالة حمصي / النهار