هالة حمصي- النهار- عامه الـ 102 دخل "اسبوع الصلاة من اجل وحدة الكنائس". هذا التقليد السنوي العالمي يجمع الكنائس المسيحية، الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية، شرقا وغربا، من 18 الى 25 كانون الثاني، في صلاة واحدة موحدة من اجل الوحدة.
وهذه السنة، أوكل "مجلس الكنائس العالمي" و"المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين" الكنائس المسيحية في اسكوتلندا تحضير نصوص "الثمانيّة"، تخليدا لما شهدته تلك الارض من انبعاث مهم في تاريخ الحركة المسكونية.
وتستمر الصلاة، والعلاقات بين الكنائس في تقارب، في حوار، في ظل استمرار خلافات عقائدية او غيرها. وازاء تململ في اوساط مسيحية من الجمود في تحقيق خطوة توحيدية بسيطة تجمع عمليًا المسيحيين، يحرّك الاسبوع الذاكرة المسيحية، ويثير تساؤلات: ما الذي تحقق في الاعوام الـ 102 الماضية؟ وما نفع الاستمرار في الاسبوع اذا بقي رجال دين على جمودهم، فيما العلاقات في مدّ وجزر؟ وكيف تتحقق إذاً الوحدة التي ترفع الصلوات من اجلها؟
الهدف تحقق… يتحقق!
الاجماع ثلاثي. نعم، الاسبوع حقق او يحقق الهدف الذي اقيم من اجله. "الهدف هو الوسيلة الى الصلاة، بمعنى انه ليس في هذه الحركة الكثير من المناقشة اللاهوتية وغيرها، انما تقتصر على اللقاء والصلاة، واحيانا، تلقى عظات… الخ، على رجاء – وهذه كلماتهم – ان يحقق السيّد الوحدة كما يشاء"، يقول متروبوليت جبل لبنان للروم الارثوذكس المطران جورج خصر في حديث الى "النهار".
وبالنسبة الى رئيس اللجنة الاسقفية للعلاقات المسكونية راعي ابرشية بعلبك ودير الاحمر للموارنة المطران سمعان عطاالله، "الاسبوع يحقق بالتأكيد اهدافه يوما بعد يوم"، يقول لـ"النهار". لكنه يشدد على ضرورة ان "نعرف اي نظرة او مفهوم لدينا للوحدة. وهذا امر مهم جدا، لان الناس يعتقدون ان الوحدة تعني موت الخصوصية وزوال الفكر اللاهوتي ليكون فكرا واحدا. عقائديا نعم، يجب ان تكون هناك وحدة، انما التعبير عن هذه الوحدة يرتدي اشكالا عديدة. الانسان ابن بيئته، ويعبر بطريقته ووفق منطقته او بلاده".
امر آخر يشدد عليه: "المهم ان تكون لدينا نيات مستقيمة وهمّ واحد للسير نحو الوحدة، وخصوصا ان ننفتح على بعضنا البعض، ونسير معا… التنوع ضروري بالطبع، انما يجب ان يكون السير واحدا نحو الوحدة".
وينسحب ايضا هذا الارتياح على راعي الكنيسة الانجيلية في بيروت عضو اللجنة التنفيذية في مجلس كنائس الشرق الاوسط القس الدكتور حبيب بدر. "بالطبع حقق الاسبوع الهدف الذي انشئ من اجله، وهو الصلاة من اجل وحدة المسيحيين"، يقول لـ"النهار"، معتبرا ان "العلاقات بين مختلف الكنائس المسيحية، والمسيحيين ككل، خلال الاعوام المئة الماضية، افضل بكثير مما كانت عليه، اكان من ناحية فهم بعضهم البعض، ام من ناحية التعاون في ما بينهم، ام ايضا لناحية التقارب في سبيل الوحدة".
ويستتبع شرحه بسؤال فجواب: "ما هدف الحركة المسكونية الاساسي؟ ليس جعل الكنيسة على الارض كنيسة واحدة، انما التقريب بين الكنائس لتصبح الشركة بينها واحدة، وليس الكنائس نفسها واحدة… وهذا ما نطمح اليه. ونحن على هذه الطريق".
همّ تاريخي
جذور الاسبوع قديمة جدا. العام 1740، ولدت حركة عَنْصَريَّة في منطقة اسكوتلندا (Ecosse) بارتباطات في اميركا الشمالية، ودعت رسالتها لتجديد الايمان الى "الصلاة من اجل كل الكنائس ومعها". العام 1820، نشر المحترم جايمس هالدن ستيوارت "نصائح من اجل الوحدة العامة للمسيحيين في سبيل دفق الروح". وبعد 20 عاما، اقترح المحترم اغناطيوس سبنسر الذي تحول الى الكاثوليكية الرومانية "اتحاد صلاة من اجل الوحدة".
كذلك، اصرت الجمعية العامة الاولى للاساقفة الانغليكان في لامبث (Lambeth) العام 1867 على صلاة من اجل الوحدة في مقدمة قراراتها. والعام 1894، شجع البابا ليون الثالث عشر على ممارسة "ثمانية" (Octave) صلاة من اجل وحدة الكنائس في اطار العنصرة. وللمرة الاولى، احتُفِل بها علنيا في Graymoor – نيويورك 1908، من 18 كانون الثاني الى 25 منه، بمبادرة من المحترم الاب بول واتسون والام لورانا وايت من الكنيسة الاسقفية (الانغليكانية) اللذين كانا اسسا جماعة
"Society of Atonement" الدينية. وقد اختارا هذين اليومين لمصادفتهما في الروزنامة الكاثوليكية الرومانية عيدي "كرسي بطرس" و"ارتداد بولس". وبعد انضمامهما وجماعتهما لاحقا الى الكنيسة الكاثوليكية، منح البابا بيوس العاشر "الثمانية" بركته الرسمية العام 1909.
في 1915، اصدرت الكنيسة الاسقفية البروتستانتية في الولايات المتحدة "دليل صلاة من اجل وحدة الكنائس". وابتداء من 1921، بدأت اللجنة الدائمة لـ"ايمان ونظام" تنشر "اقتراحات لاقامة "الثمانية". وكان يجب الانتظار حتى عام 1935 لتجد هذه "الثمانية" هدفا جديدا لها مع الاب بول كوتورييه (فرنسي) الذي اعطى الاسبوع دفعا جديدا، فحافظ على فترة 18-25 ك2، لكنه عدّل في المصطلحات: "هدف الاسبوع هو الصلاة من اجل وحدة الكنائس، كما يشاء المسيح، وبالوسائل التي يريدها".
وابتداء من عام 1958، بات تحضير النصوص المقترحة من لجنة "ايمان ونظام" (في مجلس الكنائس العالمي) يتم بالتنسيق مع النصوص المقترحة من المركز المسكوني لوحدة المسيحيين في ليون، وفي 1960، بدأ الفريقان في التفكير معا جديا في تطوير النصوص. كذلك سمح المجمع الفاتيكاني الثاني بدخول الكنيسة الكاثوليكية الحركة المسكونية، وباقامة تعاون بين الامانة العامة لـ"ايمان ونظام" والامانة العامة لوحدة المسيحيين في الفاتيكان. وفي ضوء ذلك، تشكل فريق مشترك لاعداد النصوص العام 1966، وظهرت اولى اعماله العام 1968. ومن 1973 جرت العادة على ان تتم دعوة فريق مسكوني من منطقة في العالم الى تحضير نصوص اولية، على ان يراجعها الفريق المشترك. وقادت هذه المسيرة "ايمان ونظام" و"المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين" الى اصدار مشترك، رسمي وموحد، لكتيب الاسبوع عام 2004.
بين التقاليد والخلافات العقائدية
من اللحظات التاريخية المهمة ايضا في الذاكرة "المسكونية" للمسيحيين، تلاوة البابا بولس السادس وبطريرك القسطنطينية المسكوني اثيناغوراس الاول معا صلاة الـ"أبانا" باليونانية واللاتينية في القدس في 5 كانون الثاني 1964. ما الذي يمنع ان يتلو المسيحيون اليوم قبل الغد صلاة موحدة للـ"ابانا" والـ"نؤمن"، ويحتفلون معا بعيد الفصح في يوم مشترك بين الجميع؟ اين المسيحيون اليوم من الوحدة الحقيقية؟
"نحن مع الناس الذي يطالبون بتوحيد عملي لبعض المسائل، مثل صلاة الـ"ابانا" وغيرها"، يقول المطران عطا الله. لكنه يلفت الى ان "هناك تقاليد، والمقصود هنا ليس التقاليد الميتة، انما مجموعة خبرات المؤمنين على مدى الاجيال"، شارحا: "حتى في الاناجيل على سبيل المثال، يعلن الانجيليون الاربعة الحقيقة نفسها، انما كل منهم يتوجه الى شعب معين. كذلك يصلي الشعب الارامي الصلاة نفسها، انما باسلوب خاص. يقال ان الاسلوب هو الانسان، وهو مهم جدا. والاسلوب الارامي السرياني الذي نعتمده، نحن الانطاكيين، يعبر عن شخصية خاصة، كذلك الامر بالنسبة الى الاسلوب البيزنطي. ودمج الاشياء او تذويبها ببعضها البعض ليس جيدا مرات، والمهم الا يكون هناك تنافٍ مع الحقيقة واللاهوت الواحد".
صريح المطران خضر في عرض وجهة نظره. توحيد الصلوات امور لا يَعتَقِد بها. "كل هذه التوحيدات الشكلية اللفظية لا اؤمن بها. ومع ان محاولات صارت في لبنان والمنطقة لايجاد نصّ، اجتمع اللاهوتيون وآباء اللغة، فوجدوا نصا، لكنه لم يعتمد. لا استطيع (في صلاة الـ"ابانا") ان اعتمد غير النص الارثوذكسي، واتكلم هنا من الناحية الليتورجية، لانني اعتبر انه النقل الحقيقي الحرفي عن اليونانية. وغير ذلك يكون ترجمة، لا نقلا".
ويجيب عن الكلام على التقارب في العقيدة بان "لدينا اختلافات فيها، ويجب ان نواجهها كاناس اشداء. وهناك تعاط على مستوى عال جدا في الكنيسة لمواجهة قضايا العقيدة والمراجعة العقائدية. بالطبع نسير ببطء، لان لكل اقتناعه. وعندما تكون خلافات من هذا النوع، فهي تتطلب وقتا، على رجاء ان…". وفي مسألة توحيد الاعياد، يلفت الى ان "الارمن يعيدون مع الكاثوليك، فهل يعني هذا انهم صاروا واحدا معهم؟ والبروتستانت يعيدون ايضا مع الكاثوليك"، خالصا الى ان "كل هذه المظاهر للظهور امام الآخرين (في عيد موحد) لا معنى لها".
ويعطي القس بدر الموضوع بعدًا اوسع للمسألة. "الشراكة حصلت الى حد ما بين بعض الكنائس. على سبيل المثال حصل تقارب مهم بين الكنائس الارثوذكسية والشرقية الارثوذكسية، وصارت هناك تفاهمات مكتوبة وموقعة بينها. كذلك، حصل حوار مهم بين الكاثوليك والارثوذكس، ولا تزال هناك نقطة عالقة هي اوّلية البابا. لكن امورا كثيرة اخرى تبدلت وتحسنت. وبين الانجيليين والارثوذكس، هناك حوارات قائمة، اقله للتفاهم، وكذلك الامر بين الانجيليين والكاثوليك".
والتشكيك في كفاية هذا التقارب والحوار يرد عليه بشيء من التفهم "لهمّ مشروع لدى الشعب، لانه يحب ان يرى علامات ملموسة للوحدة". لكنه يرى ان "هذه الامور لم تكن (موجودة) ولا مرة واحدة. ففي بداية القرن الاول، كانت هناك اكثر من طريقة للصلاة، واكثر من تاريخ لها. حتى في الاساس، لم يتوحد عيد الفصح قبل العام 325، علما ان اختلافا في موعده حصل مجددا في القرن السادس عشر". ويقول: "افهم تماما حاجة الناس الى علامات ملموسة لهذه الوحدة، لكن بالنسبة اليّ كشخص في القيادة الكنسية، لا اعتقد ان الوحدة تتحقق بهذه الامور الصغيرة، بل تتحقق في الشكل الذي تحصل به الامور حاليا، اي بالتقارب والتفاهم العقائدي. وهذا شيء ثمين جدا، ويجب الا نقلل قيمته".
بطء وقلة صبر واستقرار
عقبات عدة تقف حاجزا امام التقارب والحوار بين الكنائس. بالنسبة الى المطران خضر، "التقارب بطيء قليلا، وفي مرحلة معينة، توقف على المستوى العالي. واليوم، عدنا الى الاجتماع. بالطبع، الامر يتطلب وقتا".
ويبدي المطران عطا الله خشية من "الا يكون التقارب يسير بالسرعة المناسبة". لكنه يلفت الى "امور كثيرة تحققت، خصوصا خلال المئة العام الماضية" قائلا: يجب الا ننسى ان الانشقاق الكبير حصل العام 1054. ولا يمكن ان نعيد الامور الى ما كانت عليه في مئة عام. فالوقت يجب ان يأخذ مداه. والاكيد ان هناك وعيا كبيرا عند قسم كبير من الفئات، ونعول ونعمل عليه، كي يزداد ويشمل اكبر عدد ممكن من الناس".
من جهته، يتكلم القس بدر على عقبات عدة امام مسيرة التقارب، "اولها قلة الصبر". يقول: "الصبر ضروري جدا في مثل هذه الحركة. لقد مضت 1500 عام اختلف فيها المسيحيون في بعض الحالات، ولن تكون 100 او 500 سنة كافية لحل هذه الخلافات". ويضيف عقبة اخرى هي "تدخل الامور الدنيوية والسياسية في هذا التقارب المسكوني".
ويزيد المطران عطا الله عقبة مؤثرة: "عندما تتأخر الشعوب اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، فهذا العامل يؤثر كثيرا، ويجعلها تتقوقع على نفسها وتنغلق على فكرها". ويربط ما بين استقرار الشعوب وتقدم العمل المسكوني لديها. "لدينا عدم استقرار، خصوصا في هذا الشرق. وهنا تكمن الصعوبة…وفي بعض المناطق المستقرة في الغرب، نجد ان الحوار المسكوني متقدم، علما ان الخلاف العقائدي هناك اكبر، في وقت نرى ان لا شيء مهما بين الارثوذكس والكاثوليك في الشرق".
تربية مسكونية وسلام وصلاة
وتبقى التمنيات كثيرة، ومعها الصلوات، والآمال تتنوع وترجو. "صلاتي ان تعم الروح المسكونية اكثر فاكثر الرعاة والقيادات الكنسية، وليس فقط الشعب"، يقول القس بدر، آملا في ان "تصير هناك تربية مسكونية للعلمانيين والاكليريكيين من الصغر، فلا يتربى مسيحي من كنيسة معينة معتقدا ان من هو من غير كنيسته ليس مسيحيا".
ويتمنى المطران عطا الله ان "يصل الشعب في هذا الشرق الى حالة من الاستقرار والسلام، وخصوصا ان الاستقرار يساعده في الانفتاح والثقة بالآخرين". ويأمل في "تعجيل عملية السلام، كي ترجع الشعوب الى العيش بأمان مع بعضها البعض، مما يسهل عمل الوحدة ويسرّعه".
اما المطران خضر، فيؤكد ايمانه "بفاعلية الصلاة في هذا الاسبوع، وبالمشاركة التي تتم في لبنان من اناشيد وتراتيل طقسية من كل كنيسة ومع بعضها البعض ووعظ روحي من دون جدل. وهذا يحقق تقاربا في القلوب".
(•) في لبنان، يتولى "مجلس كنائس الشرق الاوسط" و"اللجنة الاسقفية للعلاقات المسكونية" نشر صلاة الاسبوع بعد ترجمتها الى العربية.