وقد جرت العادة على اعتبار عام 988 تاريخاً رسميّاً لنشوء الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ففي ذلك العام اتخذ الأمير فلاديمير قراراً بتبني الدين الجديد على أيدي ممثلي الشّق الأرثوذكسي من المسيحية، أي من كنيسة القسطنطينية اليونانية. وحتى الآن لا تزال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تحتفظ بالعديد من التقاليد الدينية المأخوذة في حينه عن البيزنطيين وخاصة في مجال الطقوس.
في تلك الفترة (فترة اعتناق المسيحية) كانت كييف مركزاً للدولة الروسية القديمة والتي تسمى بحق "أم المدن الروسية". أما الآن فهي عاصمة أوكرانيا المستقلة التي ظهرت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. وهذه المدينة بالذات أصبحت بكل جدارة مركز الاحتفالات المكرسة لذكرى مرور 1020 عاماً على تبني المسيحية في روسيا.
وتأتي هذه الاحتفالات، التي نظّمت بالتنسيق مع روسيا، كمناسبة جديدة للتذكير بالأصل المشترك للشعبين ولنبذ الخلافات السياسية التي يحفل بها التاريخ المعاصر للبلدين.
في هذه الأيام حين يجري الاحتفال في أوكرانيا وروسيا بمرور 1020 عاماً على تبني المسيحية في روسيا لا يسعنا سوى ان نتذكر احد اسفار التاريخ القديمة الباقية حتى ايامنا هذه وهو كتاب "اخبار الاعوام الغابرة" الذي ينهل منه الجزء الرئيسي من المعلومات حول هذا الحدث المشهود. وينسب تأليفه الى الراهب نيستور من دير لافرا كييفو – بيتشوريسكايا.
كيف اختاروا في روسيا القديمة ديانتهم؟
يبدأ سفر التاريخ وصف تعميد الأمير فلاديمير من "اختبار الأديان" الذي مارسه مبعوثو الأمير المعظم في مختلف البلدان، وبالذات من مراقبة كيف تجري فيها عبادة الرب. وقد سبق ذلك لقاء الأمير فلاديمير مع المبعوثين من أتباع مختلف الأديان: الإسلام واليهودية والكاثوليكية. وكما ورد في الحديث فقد جاء إلى فلاديمير في عام 986 من بلاد البولغار (التتار القدماء) أتباع العقيدة المحمدية وحدثوه عن دينهم. وقد أعجب فلاديمير بالحديث عن الدنيا الآخرة والجنة لكنه لم يكن راضياً أبداً عن تحريم أكل لحم الخنزير وبالأخص تحريم شرب النبيذ. ففي روسيا القديمة لم يكن من المعقول البتة إقامة الاحتفالات والمآدب بدون تناول المشروبات الكحولية.
بعد ذلك جاء إلى فلاديمير الألمان مبعوثو بابا روما. وقد استمع فلاديمير إلى حديثهم ثم أخلى سبيلهم بلا نتيجة. وقال: إن آباءنا وأجدادنا لم يقبلوا قانونكم".
ثم جاء اليهود من بلاد الخزر. وبعد المحادثة معهم قال الأمير: "كيف تعلمون الآخرين في الوقت الذي نبذكم الرب وجرى تشتيتكم في كافة أرجاء الأرض عقاباً لما ارتكبتموه من ذنوب؟ لو أحبكم الرب وأحب عقيدتكم لما شردكم في
أراضي الغير. أتريدون أن يكون مصيرنا مثل مصيركم؟".
كما بعث الروم إلى فلاديمير احد فلاسفتهم. فتحدث عن ميلاد السيد المسيح وحياته وعن تعاليمه.
بعد ذلك جمع الأمير النبلاء وتقرر إرسال عشرة من الرجال الفطنين الأذكياء إلى البولغار والالمان والروم من اجل رؤية كيف يؤدون مراسم العبادة الدينية. وبعد عودة المبعوثين ابلغوه بأن مراسم وطقوس العبادة في الكنائس الرومية أعجبتهم أكثر من غيرها، كما أعجبهم شكل وتصميم الكنائس. وقالوا: "حين أتينا إلى الروم واقتادونا إلى كنيستهم حيث تجري طقوس عبادة ربهم، لم نعد نعرف هل نحن في السماء أم على الأرض. ولا يوجد في الأرض ما هو أكثر جمالا منها، ونحن نعجز عن وصفها، ونعلم فقط أن الرب موجود هناك مع الناس وطقوس العبادة لديهم أفضل مما في البلدان كافة".
وهكذا جرى في روسيا القديمة اختيار العقيدة الدينية.
عن روسيا اليوم