* * *
إخوتي وأخواتي الأعزّاء،
يخبرنا إنجيل هذا الأحد الثالث من زمن الصوم بحسب القديس يوحنا عن يسوع الذي يطرد الباعة والصيارفة من هيكل أورشليم (يو 2، 13-25). ينقل الإنجيليون جميعاً هذا الحدث الذي وقع مع اقتراب عيد الفصح، وترك انطباعاً كبيراً في الجموع كما وفي التلاميذ. فكيف نفسّر تصرف يسوع هذا؟ أودّ أن أشير أولاً إلى أنّ هذا الحدث لم يلقَ أي ردّ فعل من قبل مسؤولي النظام العام، إذ تمّ اعتباره عملاً نبوياً؛ فغالباً ما كان الأنبياء يدينون التجاوزات، باسم الله ومن خلال تصرفات رمزية. ولكن ربما كانت المشكلة تكمن في سلطتهم، لذا سأل اليهود يسوع: "أَيَّ آيةٍ تُرينا حتَّى تَفْعَلَ هذا؟ "(يو 2، 18)، أي أظهِر لنا أنّك تتصرّف باسم الله.
وتمّ كذلك تفسير طرد الباعة من الهيكل بمعنى سياسيّ ـ ثوري بتصنيف يسوع ضمن "الغيورين" الذين كانوا يُعرفون بـ"غيرتهم" على شريعة الرب وباستعدادهم لاستعمال العنف من أجل فرض احترامها. وفي أيام يسوع، كان الشعب ينتظر المسيح الذي سيخلّص إسرائيل من حكم الرومان، ولكنّ يسوع خيّب ظنّ من كانوا في حالة الانتظار هذه حتّى أنّ بعض التلاميذ تركوه، فيما بلغ يهوذا الاسخريوطي حدّ خيانته. في الواقع، إنّه لمن المستحيل وصف سلوك يسوع بالعنيف لأنّ العنف يتعارض مع ملكوت الله، كما أنّه لا يخدم البشرية أبداً، بل يجرّدها من طابعها الإنساني.
لنصغِ إذاً إلى كلمات يسوع أثناء طرده الباعة من الهيكل: "اِرفَعوا هذا مِن ههُنا، ولا تجعلوا مِن بيت أَبي بيت تِجارة". فتَذَكَّرَ التلاميذه أَنَّه كُتب في المزمور: "الغَيْرَةُ على بَيتِكَ ستَأكُلُني" (مز 69، 10). إن هذا المزمور هو طلب مساعدة في حالة الخطر الشديد بسبب حقد الأعداء: إنّها الحالة التي سيعيشها يسوع في آلامه. فالغيرة على الآب وعلى بيته ستقوده حتى الصليب: إنّ غيرته هي الحب الذي يبذل ذاته، لا ذلك الذي يريد أن يخدم الله بواسطة العنف. فالعلامة التي سيعطيها يسوع دليلاً على سلطته ستكون موته وقيامته. "اُنقُضوا هذا الهيكل وأنا أُقِيمهُ في ثلاثةِ أَيَّام!" ويلحظ القديس يوحنا: "أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه" (يو 2، 20- 21). بفصح يسوع تبدأ عبادة جديدة: عبادة المحبة، وهيكل جديد هو نفسه يسوع القائم من الموت والذي من خلاله يمكن لكلّ مؤمن أن يعبد الله الآب "بالروح والحق" (يو 4، 23).
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إن الروح القدس بدأ بناء هذا الهيكل الجديد في أحشاء مريم العذراء. فلنصلِّ بشفاعتها كي يصبح كلّ مسيحي حجراً حياً في هذا الهيكل الروحي.
* * *
نقلته من الفرنسية إلى العربية كريستل روحانا – وكالة زينيت العالمية