دولار، مشيراً إلى أن حجم الإنفاق الإعلاني العربي خلال العام 2011 ارتفع بنسبة 4 % مقارنة بنحو 14 مليار دولار خلال العام 2010.
كما حقّق الإنفاق الإعلاني في وسائل الإعلام العربية العابرة للحدود كالقنوات الفضائية والصحف الدولية قفزة كبيرة، مسجّلاً نسبة نموّ بلغت 15 % ليصل إلى 8 مليارات دولار خلال العام 2011 مقارنة بنحو6.7 مليارات دولار خلال العام 2010. وأشار التقرير إلى أن الإمارات تصدّرت دول المنطقة بالنسبة لحجم الإنفاق الإعلاني خلال العام الماضي بنحو 1.4 مليار دولار، ثم السعودية 1.4 مليار دولار، تلتها الكويت ثالثاً بـ957 مليون دولار، ثم قطر بـ 442 مليونا، ومصر بإنفاق إعلاني بلغ 936 مليون دولار. والواقع أنَّ الإعلام تحوّل منذ بدايات القرن الحادي والعشرين إلى رأس مال معرفي واقتصادي ومورد يرتفع ويزداد، مشكّلاً كياناً رأسمالياً ضخماً في عصر السوق بلا منازع، وجزءاً أساسياً من النظام التجاري العالمي، ومحرّكاً رئيسياً للأسواق، مرتكزاً على المزايا التقنية والخدمات التفاعلية التي توفّرها شبكة المعلومات الدولية التي استثمرتها وسائل الإعلام العربية (صحف – مجلات – محطات راديو- قنوات تلفزيون).
الإعلان هو السلاح الأقوى من دون منازع في عصر السوق الحالي، وتُعتبر الإعلانات المورد الرئيسي لمعظم وسائل الإعلام، وهي تؤدي وظيفة مزدوجة لأنها وسيلة تسويق للشركات المنتجة ومصدر أساسي لأرباح وسائل الإعلام، وتصل المبالغ المصروفة على الإعلانات التجارية في وسائل الإعلام المختلفة إلى أرقام ضخمة، وتُرصد لها ميزانيات سنوية كبيرة. وتوقّع تقرير أصدره نادي دبي للصحافة نموّ الإنفاق الإعلاني في المنطقة العربية بمعدل 8 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، مما سينعكس إيجاباً على قطاع الإعلام العربي الذي من المتوقع أن يتجاوز مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية، ورجّح التقرير الذي صدر بعنوان "نظرة على الإعلام العربي"، أن يـنـمـو قـطـاع الإنترنت، بمعدل سنوي مركب يبلغ 50 في المئة تقريباً خلال الفترة نفسها، ليشكّل ما يزيد على 4 % من إجمالي سوق الإعلان بحلول السنة 2013. وتوقّع التقرير أن تستعيد المنطقة مكانتها كواحدة من أسرع المناطق نمواً في العالم من حيث الإنفاق الإعلاني.
روبرت ماكنزي صاحب أهم المؤلفات في مجال الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام وأستاذ الإعلام في جامعة إيلينوي، يرى أن الإعلان هو العامل الثاني والأهم الذي ربط النظام الإعلامي العالمي باقتصاد السوق، فالإعلان هو جانب حيوي للحفاظ على معدلات نموّ قوية، وقد شهد قطاع الإعلان العالمي معدلات نموّ أكبر من نموّ الناتج المحلي الإجمالي، وتركّز النموّ السريع في أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا والشرق خصوصاً، على الرغم من الانهيار الاقتصادي منذ أواخر التسعينيات. ويشير إلى أن عمالقة الإعلام في العالم يتقدّمون باندفاع ليصبحوا لاعبين عالميّين، والشركات بدورها تركّز على الأسواق الواعدة للحصول على أفضل عوائد، وهي تراهن بنسبة 99 % على نجاح سياساتها في الأسواق الخارجية، وجوهر سياسات التخطيط لدى هذه الشركات هو قدرتها على مزج الطاقة الإنتاجية مع شبكات توزيعها.
وتشير الدراسات الحديثة في مجال قطاع الإعلان العربي، إلى أن السوق المصرية تصدّرت سوق الإعلانات في الوطن العربي، حيث بلغ مجموع الإنفاق على الإعلانات 1.49 مليار دولار مرتفعاً عما حقّقته مصر خلال العام 2009، اذ كان حجم الإنفاق يساوي 1.2 مليار دولار، كما ارتفع الصرف الإعلاني في الوسائل التي تصل إلى دول عربية متنوعة بنسبة 42 % في العام 2010 عن السنة التي سبقتها، وذلك بحصة صرف تعدّت 51 % من قيمة الصرف الإعلاني الإقليمي الكلي.
ومن بين أنواع وسائل الإعلام الرئيسية التي ازدادت نسبة الصرف الإعلاني فيها التلفزيون، فقفزت نسبة زيادة الصرف الإعلاني فيه من 54 % في 2009 إلى 62 % في العام 2010، كما ارتفع الإنفاق على الصرف الإعلاني في التلفزيون 43 % في 2010 عنه في 2009. وفي ما يتعلق بتوزيع الإنفاق الإعلاني العربي بحسب القطاعات، تصدّر قطاع الاتصالات والمرافق العامة المرتبة الأولى بإنفاق قدره 2.35 مليارات دولار تلاه قطاع الأغذية والمشروبات والتبغ بـمبلغ 2.17 ملياري دولار وجاءت المؤسسات العامة والحكومية في المرتبة الثالثة بإنفاق قدره 1.93 مليار دولار.
تشير معظم التقديرات إلى وجود 700 محطة عاملة في الفضاء العربي، وذكر تقرير لمجموعة المرشدين العرب أن عدد القنوات التلفزيونية الفضائية المجانية في العالم العربي ارتفع إلى 538 قناة بزيادة نسبتها 10.5% ما بين نيسان 2010 ونيسان 2011، مشيراً إلى أن هذا العدد يشمل قنوات التلفزيون الفضائية المجانية التي تبث على أنظمة "عربسات" و"نايل" سات و"نورسات" بما فيها قناة تحت البث التجريبي التي تُقدّر بنحو 37، وأظهر التقرير أن مصر هي المقر الرئيسي لـ 17.6% من مجموع قنوات التلفزيون الفضائية المجانية الـ 501 العاملة كلياً، في حين جاءت المملكة العربية السعودية المقر الرئيسي لـ 17.0% والإمارات العربية المتحدة المقر الرئيسي
لـ 14.4% من تلك القنوات.
الطفرة الفضائية التي نعيشها تحتاج إلى بحث جدّي في تأثيرها وعلاقتها بالتنمية والديموقراطية، إذ تشكل هذه الوسائل آراء وأفكار ومواقف الغالبية العظمى من الرأي العام، وهناك ضغوط كبيرة لفتح الأسواق أمام هذه الوسائل، مع تراجع حماية وسائل الإعلام المحلية والصناعات الثقافية. إن تأثير وسائل الإعلام قياساً للأموال الطائلة المنفقة لا يتناسب مع التأثيرات المتحقّقة إذا ما تجاوزنا التأثيرات الضارة.
في هذا السياق، يربط ماكنزي في دراسة أجراها عن "مهمة وسائل الإعلام العالمية" تطور النظام الإعلامي التجاري العالمي ارتباطاً وثيقاً بصعود النظام الاقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي العالمي، ويؤكد أن الهيمنة المتزايدة للنظام التجاري العالمي على وسائل الإعلام هي أكثر من مجرد مسألة اقتصادية، بل أيضاً تنسحب آثارها الواضحة على المحتوى والسياسة والثقافة. وتشكّل وسائل الإعلام العالمية الناشئة في نواح كثيرة منها امتداداً للنظام الأميركي وثقافته، ذلك أن الشركات التي تهيمن على وسائل الإعلام الأميركية تسيطر أيضاً على النظام العالمي.
عالم اللسانيات والمفكّر الأميركي نعوم تشومسكي يرى أن ما يصنع حركية نشاط وسائل الإعلام اليوم في العالم عاملان: هما التصنيع والسوق. إن نشاط وسائل الإعلام المرئية المسموعة يتميّز بتطبيق القواعد الصناعية من حيث الاستثمارات الضخمة وتقسيم العمل التقني والفنّي واستعمال طرق إنتاج، يغلب عليها عنصر رأس المال واعتماد أحدث التقنيات المبتكرة في مجال الصناعات الإلكترونية والإعلامية وصناعة الاتصال. ويتطلّب ذلك كله سوقاً واسعة وطلباً نشيطاً متجدداً، فتصنيع وسائل الإعلام المرئية المسموعة سمح بتطوير القدرات الإنتاجية التي تضمن بدورها مرونة العرض اللازمة لمواجهة الطلب المتزايد كمياً، والمتجدّد والمتنوّع نوعياً، والمتغيّر بسرعة. وهو يرى في بحث عنوانه "استراتيجيات التضليل والسيطرة على الجمهور" أن هناك استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر الطاغية في الإعلام الحديث، ومن بينها استراتيجية الإلهاء والتسلية كعنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع واستراتيجية افتعال الأزمات وتقديم الحلول والتأجيل ومخاطبة العاطفة بدل العقل وتشجيع الجمهور على استحسان الرداءة.
وسائل الإعلام في العالم العربي عموماً تبقى مكمّلة لشكل الدولة (القنوات والصحف الرسمية)، مع أن الفضائيات جاءت لتحرّر المواطن العربي من هذا الارتهان، مدعومة بالثورة الرقمية في مجال وسائل الاتصال التي جمعت أشكال الاتصال المعروفة، الكتابة والصورة والصوت بوسيلة اتصال شاملة مباشرة ومنخفضة التكاليف. نجحت الفضائيات في التخفيف من حدّة الاعلام الموجّه، لكن الحكومات العربية لم تستوعب بعد تأثير الإعلام في تشكيل الوعي وتغيير الاتجاهات. إلا أن الغد الإعلامي واعد عموماً، والدراسات كلّها تشير إلى نموّ صناعة الإعلام في الوطن العربي وازدهارها.
(دراسة لمؤسسة الفكر العربي)