يفتتح رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان متحف " ميم " في " حرم الابتكار والرياضة" الحديث في جامعة القديس يوسف – طريق الشام ، ليكون الاول من نوعه في منطقة الشرق الاوسط.
"م" هو الحرف الاول من كلمات: متحف، ومعدن، ومنجم، ويختصر بالتالي الغاية الاساس لهذا المشروع، الذي يقوم على عرض مجموعات متنوعة من الاحجار والمعادن، تماماً كما وجدت في الطبيعة، وتكوّنت من دون تدخل الانسان، بل فقط بفضل مفاعيل وتأثير الانكباس والحرارة والماء، وخصوصاً الزمن، ومثلما استخرجت من المناجم والجبال، وبقيت على حالها.
1400 قطعة، متعددة الشكل والحجم، تمثل 300 صنف من الحجر، ومن 61 بلداً، بدأ سليم اده جمعها منذ العام 1997 . وانطلاقاً من قول جدته " ما حدا بياخد معو شي من هالدني"، تبلورت لديه فكرة انشاء متحف للمعادن تحفظ فيه هذه المجموعات الفريدة، ويهدف الى نشر وتعزيز الصورة التاريخية والصناعية والاقتصادية وايضاً الجمالية والفنية لعالم المعادن والحجارة. هذه المجموعة التي كوّنها بواسطة الشراء من المزادات العالمية ومن مناجم معاصرة أو من مجموعات قديمة وحديثة، تعتبر واحدة من أهم المجموعات الخاصة في العالم من حيث تنوع معادنها ونوعيتها. من هنا، كان حرصه على المحافظة على عيّنات من بعض هذه المعادن في المتحف.
ذرات وبلورات
اده الاختصاصي بالهندسة الكيميائية، اخذه شغفه بتكوين المادة الى الابعد. " تتكوّن المادة من 128 عنصراً بسيطاً تدعى ذرات، تتآلف في ما بينها بصيغة جزئيات متفاوتة التعقيد، وتتناضد هذه بدورها بطريقة فائقة الانتظام لتشكل البلورات. فتكوّن هذه البلورات المتفاوتة الاحجام، سواء كانت متجمعة أو متفرقة، اساس كل المادة الجامدة غير المتجذرة من الكائنات الحية اي الجبال والصخور والحجارة والمعادن". وفي متحفه جمع اده بلورات كبيرة ذات اشكال هندسية تامة وألوان مدهشة ترى بالعين المجردة، فتنكشف بطريقة أخّاذة هندسة التنضيد المجهرية للذرات التي تكوّن البلورات.
على مساحة 1300 متر مربع، لم يتردد رئيس الجامعة اليسوعية السابق الأب رينيه شاموسي في تقديمها لاقامة هذا المتحف في حرمها، تعرض فيه مئات القطع المعدنية التي تشمل الحجر والمعدن وكل ما هو مكوّن من العناصر الطبيعية الحركية والتي لم تعبث بها يد الانسان. اشكال هندسية مذهلة وألوان رائعة، لا يسع الانسان الاّ ان يندهش حيالها ويقول امام كل قطعة: " سبحان الله". تتميز كلها باشكال هندسية متنوعة، وأسطح صقلتها الطبيعة غاية في الاكتمال، واستواء في الزوايا القائمة. شفّافة وبرّاقة ، بعضها ذو لون واحد، وبعضها الآخر متعدد اللون نتيجة العوامل الطبيعية التي تعرض لها فأثّرت في تركيبته. يعجز القلم عن وصف الأشكال العجيبة الغريبة لهذه المعادن التي تعود الى مئات آلاف السنين، وبعضها الى ملايين السنين وعصر الديناصورات. الخلفية العلمية كانت الدافع الاكبر لسليم اده عند انشاء هذا المتحف، لتحفيز الناس على تخطي النظرة الجمالية الى هذه المجسّمات، الى الآفاق العلمية والاقتصادية والفنية والجغرافية والحضارية والتاريخية، ذات الارتباط الوثيق بهذه المعدنيات. " البلورات المعروضة تزودنا بالحديد والنحاس وسائر المعادن الاخرى التي تستعمل في الاقتصادات الحديثة وتحقق الثورة الالكترونية، وبعضها من حجارة كريمة أو ثمينة، ينتهي الامر بها معظم الاحيان الى نحتها جواهر. كما انها تشكل بحد ذاتها الوثائق الاولى لكتابة تاريخ الحضارات القديمة، وتعطي قراءة دقيقة لتاريخ الانسانية وخصوصاً في عهودها الاولى"، على ما يشرحه اده.
صالات وتقنيات
تتوزع المعروضات في واجهات زجاجية تبرز رونق القطع، وتتمتع بالمواصفات والمعايير العالمية التي تحميها من عوامل الرطوبة والحرارة والغبار، فيما تسهم الاضاءة وطريقة العرض وتركيز القطع باضفاء المزيد من الجمالية والذوق عليها. وتفصل حافظة المتحف سوزي حكيميان، طريقة توزيع المحتويات على 6 قاعات، خصصت كل واحدة منها لصنف معيّن من المعدنيات:
1- عرض للمعدنيات وفقاً للتصنيف الكيميائي الذي يوزعها على 9 اصناف.
2- المعدنيات المشعة ذات النشاط الاشعاعي، من دون أن ينطوي الامر على اي خطورة لأن المكان محصن بأعلى درجات الامان.
3- الفرائد: عيّنات من قطع ثمينة وفريدة، تمكن اده من الحصول عليها بعد مواجهات ومنافسات شرسة مع متاحف وهواة تجميع .
4- الكنوز: تعرض فيها المعادن الثمينة من ذهب وفضة، والاحجار الكريمة. تمّ اختيارها نسبة الى شفافيتها ولونها وأشكالها الهندسية الحقيقية.
5- معدنيّات وزعت وفقاً لبلد المنشأ والقارة.
اما ردهة الاستقبال فتعرض عيّنات من كل صنف كيميائي، وصمذمت لتكون صالة للمعارض والمتاحف المؤقتة، وقاعة للنشاطات الثقافية والاجتماعية ولاقامة الندوات والمحاضرات والحفلات. والى البطاقات التي تشرح عن كل قطعة، زوّد المتحف بأحدث التقنيات واساليب التواصل وبالحواسيب والشاشات الكبيرة التي تعمل باللمس وتعطي فيضاً من المعلومات عن كل حجر ومعدن، وتعرض افلاماً قصيرة عن علم المعدنيات وفنونها، باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية. وفي الطابق العلوي متجر لبيع التذكارات والحلي المصنوعة من حجارة خام ومركبة ومرصعة في لبنان. " متحف ميم" من تصميم المهندس فضل الله داغر، بلغت تكاليفه نحو 6 ملايين دولار ما عدا ثمن القطع، ويستعد لاستقبال الجميع بدءاً من الجمعة 18 تشرين الأول الجاري.
مي عبود ابي عقل / النهار