هو فيلم شهير. من أجمل الأفلام التي تتحدث عن فلسطين. طويل جدا. أربع ساعات ونصف الساعة. لكنه جميل. «من اجمل الأفلام ولعله أكثرها جذرية في فضح اسس نشوء إسرائيل»، كما كانت الصديقة الناشطة اوروربياً وعربياً من اجل فلسطين د. نهلة الشهال تحب ان تقول مؤخراً.
ولم تكتف بالقول، فقرنت القول بالفعل. هكذا أشترت على حسابها، كالعادة، نسخاً من هذا الفيلم الرائع وأخذت توزعه يميناً وشمالاً على الزملاء الصحافيين العاملين في التلفزيونات: «خذوا شاهدوا… فيلم رائع، فلتشتر تلفزيوناتكم حقوقه ولتعرضه».
الفيلم وعنوانه الكامل «الطريق 181 أو شذرات من رحلة الى فلسطين ـ اسرائيل»، هو من إخراج مشترك: الفلسطيني ميشال خليفي، الأول الذي فتح الطريق امام مواطنيه الى اوروبا عبر فيلمه الشهير «عرس في الجليل»، اما المخرج الثاني فليس إلا… الإسرائيلي آيّال سيفان. الشاب وهو كاتب ايضا تحوّلت الكثير من كتاباته الى السينما، له افلام معروفة منها «أذكر، او عبيد الذاكرة» (2007)، «الانتصار على الذات» (2005)، معروف بمناهضته للصهيونية وللحرب وبمساندته لحقوق الشعب الفلسطيني في نضاله للحصول على حقوقه المشروعة. لكن «إعلان» قناة «العربية» لم يذكر سيفان. هكذا أغفله بشخطة «صمت». وضع عليه «كوركتور» ابيض، ولم يتبق الا ميشال خليفي. الكثير من المعاني التي كان يقولها اشتراك مخرجين: فلسطيني وإسرائيلي في فيلم واحد بهذه الروعة عن القضية الفلسطينية، شطبها تصرف «العربية». ولكن لماذا؟ هل تخاف «العربية» القول بأن مخرجاً إسرائيليا ، ولو كان مناهضاً لسياسة دولته ومناصراً للشعب الفلسطيني، شارك في إنجاز الفيلم؟ ولكن ما دخلها؟ هذه معلومة. فإما ان تعرض الفيلم بكامل معلوماته، او لا تعرضه. مع العلم انه لا يعرف عن «العربية» أي «ورع» في التعاطي مع الموضوع الإسرائيلي. وكلنا نتذكر المقابلة التي أعطتها لها حصرياً، إدارة السجون الإسرائيلية، مع اسرى «حزب الله» الثلاثة اثر حرب تموز. فما الموضوع؟ ثم ان هناك امراً آخر: ألم يجد المبرمج أفضل من توقيت منتصف الليل لكي يعرض هذا الفيلم الشديد الأهمية، خصوصا أن الوقت وقت «نكبة» والقناة ليست قناة «منوعات» بل هي مفترض إخبارية تولي الشأن الوثائقي اولوية لدرجة تخصيص مهرجان له. فلماذا اذاّ هذا التوقيت؟ لماذا خصوصا انه معطوف على تجهيل الشريك الكامل في انجاز الفيلم في الإعلان الترويجي؟ هل هو خوف من «لفت نظر» جمهور «العربية» اليه؟ مضحكة الفكرة. لم تعرضه القناة اصلا؟ هل هناك صيت ما بدأ يلتصق بـ«العربية» تحاول أن تتلافاه؟ هل هــــناك حساسية ما تتراكم إثر الانتقادات المتكررة للقناة السعودية منذ ولادتها، لميلها الاميركي الواضــح وما يستتبعه هذا الميل، خصوصاً بعد الحملة التي شنتها علــيها قناة «ان بي ان» اللبنانية ناعتة إياها بسبب «تغطيتها» للأزمة اللبنانية بتهكم باســم «العبرية»؟
لا اعرف. كل ما أعرفه انه على القناة أن تعيد عرض هذا الفيلم الوثائقي الشديد الأهمية والرائع سينمائياً، والذي انتهت امس الاول من عرض جزئه الأخير، لكن بتوقيت آخر يقارب ساعات ذروة المشاهدة، وأن مخرجاً مثل أيال سيفان، من حقه أن يذكر اسمه الى جانب المخرج الفلسطيني ميشال خليفي، على عمل شارك في إنجازه متحملا خراب بيته بالمعنى الحرفي للكلمة. إذ أنه بعد عرض الفيلم ارسلت اليه مثلاً رصاصة في مظروف بريدي مع عبارة تقول «لن تأتيك بالبريد في المرة القادمة». كما اسقط عليه اللوبي الصهيوني في فرنسا، حيث كان يقيم «حرماً» تاما فلم تعد اي قناة فرنسية تمول له أي مشروع بعد ذلك. وقد عانى من افلاس شركته السينمائية بنتيجة هذا الحصار، واتهمه الفيلسوف الذائع الصيت والصهيوني الن فينكلكروت، في حديث إذاعي، بأن فيلمه هو «دعوة لقتل اليهود». وقامت بعدها بينهما دعاوى قضائية «خسرها» سيفان في فرنسا، حيث لفينكلكروت تأثير كبير.
لذلك يجب ذكر اسم سيفان مقروناً بالصفة التي يستحقها: ناشط مناصر لحقوق الشعب الفلسطيني. فهو من يدفع ثمن ذلك وليس «العربية».
ضحى شمس- جريدة السفير 23.05.2008