كنيسة سيدة البير الأثرية – عامية سن الفيل 1840، بقلم جورج مغامس وهشام عجور، في مناسبة اليوبيل المئوي لكنيسة سيدة البير والذي سيوقع في 8 آب الجاري بين الساعة الخامسة والثامنة مساء في الكنيسة، شارك فيه: السيدة ماي كحالة، المؤلفان المذكوران أعلاه، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور: أمين سرّ اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الأب البروفسور يوسف مونس، والمونسنيور عبدو واكد، وكاهن الرعية الخوري جورج شهوان، ورئيس جمعية سيدة سن الفيل، السيد نجيب زوين، وعدد كبير من الإعلاميين والمهتمين.
رحب المطران مطر بالحضور وقال: "تاريخية وأثرية هي كنيسة سيدة البير، لقد قرأت هذا الكتاب وقدمت له ولسن الفيل في الوقت عينه وبرأي هناك امكانياتان لتحديد السنة أو الايام التي بنيت فيها هذه الكنيسة، هناك رأي يقول إنها تعود إلى عهد الصليبيين وهذا أمر يجب البحث به أكثر، وهناك رأي آخر يقول انها في بداية عهد العثمانيين بعد 1516، ولكن سواء أكانت هذه الكنيسة عائدة لزمن الصليبيين او لعهد العثمانيين فإنها تبقى أقدم كنيسة مارونية على الإطلاق وهذا أمر جلل، وما يجعلنا نعتقد أن هذه البلدة العزيزة لها من العراقة قرب بيروت ما يجعلها شاهدة على إيمان حي لأبنائها ما زال حياً".
تابع: "من المهم بمكان أن ندرس حول هذا الأمر لأنه يمثل بالنسبة إلينا عراقة كما هذه العراقة موجودة في إختيار القديسين في ابرشياتنا هناك كنائس لمار ساسين، لمار عبدا ، لمار نهرا وهي اختيارت تعود إلى الأجيال الثلاثة الأولى ما يعني أن مسيحيتنا متأصلة منذ عهد الرسل، يختارون قديسين من الأجيال الثلاثة الأولى شهداء، أي أننا نكمل كنيسة الشهداء حتى اليوم."
وختم بالقول "طالما أن جذورنا ضاربة عميقاً في الأرض فإن أغصاننا سترتفع عالياً إلى السماء وستبقى وشكراً".
ثم كانت كلمة السيدة ماي كحالة فقالت: "كثيرة هي الكنائس في لبنان وقديمة ايضاً بفعل تجذر المسيحيين في بلد اعطى الأمان لكل الذين افتقدوه حيث كانوا".
تابعت "وكنيسة سيدة البير في سن الفيل التي يقال ان تاريخها يعود الى القرن الثامن الميلادي هي جوهرة في تاج الكنائس المارونية الممتدة على طول البلاد وعرضها، لكن أهميتها نابعة من أنها ربما من اوائل الكنائس على الساحل اللبناني. ولا شك بان هذه الكنيسة الاثرية لا زالت قيد الدرس بعدما وضعتها وزارة الثقافة على لائحة الجرد العام للابنية الاثرية في العام 1996".
أضافت : "اسئلة كثيرة يثيرها كتاب جورج مغامس وهشام عجور منها مثلاً: لماذ اطلقوا تسمية عامية انطلياس على الاتفاق بين النصارى والدروز في 1840 اذا كانت كل المفاوضات وفق الوقائع حدثت في سن الفيل بالذات؟ وقبل ذلك بقرون طويلة وعلى ذكر الفيل هل كان ثمة فيلة في ساحل لبنان ام ان اسم بلدتنا يعود الى سان تيوفيل وجرى تشويهه في اللغة العامية ليصبح سن الفيل؟ ومتى بدأ الحديث عن كنيسة سيدة البير في ساحل المتن؟ وما هي الاحداث التاريخية الكثيرة التي شهدتها البلدة؟"
أردفت: "الاجوبة هنا في هذا الكتاب القيم الذي استند الى ما يزيد على المئة وثيقة والى المراجع المحلية كما الاجنبية بالاضافة الى مقابلات حية ، وبمباركة المطران بولس مطر، ورعت مراحله جمعية سيدة البير في سن الفيل، وهو اليوم يُقدم الى الجمهور الواسع ليخضع بدوره الى التدقيق والمقارنات ككل كتب التاريخ التي درسناها وجاءت المعلومات لتؤكد صحتها او لتلقي عليها نظرة جديدة متطورة".
وختمت بالقول: "هذا الكتاب يفصح عن خبايا تاريخية كثيرة وسيكون مكانه الطبيعي في مكتبات لاهوتية وفي بيوت المؤمنين وذلك بعد التوقيع عليه في الثامن من آب الجاري في احتفال يلقي فيه المطران مطر كلمة حول اهمية العذراء في حياة المسيحيين".
ثم كانت كلمة للأستاذ جورج مغامس جاء فيها: "يعتبر وجود كنيسة سيدة البير الاثرية في المعبر الإستراتيجي، أي تلة سن الفيل محوريا، إذ وقعت في جوارها وقائع هامة أرّخت لتاريخ منطقة بأكملها وطبعتها بطابع مميّز، إذ جسّدت تعايشا بين مختلف الإنتماءات الدينية والسياسية"، و "قيل قديما حسب تقليد متوارث "السيطرة على سن الفيل تضمن السيطرة على بيروت"، متسائلا أما أعاد التاريخ نفسه مرّات عدة؟"
تابع" "الامراء اللمعيين" وهبوا أراض لوقف الكنيسة منذ القرن الثامن عشر. ويعود تاريخ تشيد هذا الصرح الروحي إلى أكثر من ألف ومئتي عام، وفق المؤرخين والباحثين".
أضاف: "ويذكر العلامة البطريرك إسطفان الدويهّي الكنيسة، فيشير إليها في تاريخه عند ذكر الأمراء الإرسلانيين الذين توطّنوا سن الفيل بين الأعوام 750 و800؛ ويفيد المطران البحاثّة " يوسف الدبس" أن كنيسة سيّدة البير في سن الفيل هي أول كنيسة بنيت على ساحل بيروت؛ أما بالنسبة للخوري "إسطفان البشعلاني" فإن كنيسة سيّدة البير الأثرية شيّدت على أنقاض معبد روماني قديم؛ ويخبر الاب بطرس ضو "حاصر المردة قلعة الارسلانببن في سن الفيل … سيطر المردة على سن الفيل ومن ثمّ بنوا الكنيسة وحفروا البئر …"".
وأشار مغامس إلى أن "حديثا، كتب الراهبان اليسوعيّان "جوزف غودار وهنري جالا مبير" عن سيّدة البير الأثرية في كتابهما: "لبنان أرض السيّدة العذراء" ما يلي: "قرب بيروت اليوم… على تلة مابين طريق بيت مري ونهر بيروت معبد ماروني لسيّدة سن الفيل…"؛ و"محليا، ذكر الاستاذ الراحل الياس عوّاد، احد وجهاء سن الفيل في القرن الماضي، وهو من كبارعلماء اللغة السريانية الموثوق بمعلوماته، ما يلي: "… ونخص بالتذكّر عن الكنيسة القديمة …وفي نصفها عامود بناء ضخم أي عضاضة وهذا مما يدل على ان هذه الكنيسة هي قديمة العهد وليس أقل من ألف وثلاثماية سنة…".
تابع: "ضمت كنيسة سيّدة البير الأثرية رفات المطران البار "مخايل الصايغ" الذي تبرّك المؤمنون من ضريحه …حتى احداث 1990".
وختم "بالعودة الى الجذور الروحية، نقول: بقيت كنيستنا احدى واحات الإيمان في هذا الشرق المضطرب، تشهد للمحبة وللعطاء بلا حساب. فسيّدة البير الشاهدة على التاريخ بقيت وستبقى منارة تضيء في الاوقات الصعبة وتهدي بنورها كل أبناءها الى بر السلام والامان".
ثم كانت كلمة الأستاذ هشام عجور فقال: "سأبرز في هذه العجالة دورا لم يلق عليه الضوء قبلاً، وهو إرتباط كنيسة سيّدة البير بالأحداث المصيرية التي حصلت في منطقة سن الفيل والجوار أثناء فترة حكم الامير بشير الشهابي والتي كانت، برأينا، أحد أسباب نهاية الإمارة الشهابية وتقلّص النفوذ المصري ممّا استتبع تراجع الدور الفرنسي في منطقة بلاد الشام والعودة الحاسمة للتحالف الإنكليزي –العثماني على ساحة جبل لبنان".
تابع: "من المعلوم أن طبيعة مجتمع جبل لبنان الطائفي أنذاك (بين أعوام ۱٨۳۰ و۱٨٤٥ ) كانت تيوقراطية بإمتياز. تمتعت الطائفتان الكبيرتان، المارونية والدرزية بنوع من الإستقلال الداخلي في إدارة شؤونها وأوقافها، وكانت تختار رجالها كي يسوسوا أمورها الإقتصادية والسياسية".
أضاف: "تعاظم في تلك الآونة نفوذ ودور رجال الدين لدى الموارنة والدروز على السواء، فأضحوا مرجعيات تبت في أمور الطائفة وأحيانا تملي إرادتها على رجال الطبقة الحاكمة والأغنياء النافذين". و"الموارنة الذين عانوا الإضطهاد تحت النير العثماني حتى ۱٨۳۰، نظروا بعين الرضى إلى التواجد المصري في بلاد الشام ورأوا فيه خشبة الخلاص من الباب العالي، سيّما وأنهم كانوا حلفاء الفرنسيين وارتبطوا معهم بصداقة منذ أكثر من خمسة قرون".
تابع: "رأى البطريرك والمطارنة الموارنة في الجيش المصري الحليف مُحرّراً من الطغيان العثماني الرابض على جبل لبنان منذ أكثر من ثلاثماية عام، فأوعز البطريرك "يوسف حبيش" إلى الرجال القادرين على حمل السلاح واجب تعزيز الوحدات المصرية وإرشادها في كل ما يؤول إلى تحرير الارض من العثمانيين …".
أضاف: "لكن عامة الناس من كل الطوائف، التي ضافت ذرعاً بتصرفات المصريين وحليفهم الامير بشير، خصوصاً بسبب فرض ضرائب لا تحتمل، كانت في مقلب آخر. فأنتظمت وتكودرت في مجموعات محلية ومناطقية كما حصل في سن الفيل، التي أصبحت مقر قيادة العامية. بدورها، شهدت كنيسة سيّدة البير، المحور الهام في تحركات الناس، لقاءات واجتماعات الناقمين على الاوضاع المعيشية الصعبة" .
تابع: "إن مباركة الكهنة وإقامة القداديس لرجال الثورة والتمني لهم بالنصر على الامير وعلى عزيز مصر "محمد علي باشا"، رسّخ الإنقسام في الكنيسة المارونية بين الكهنة والرهبان وعامة الناس من جهة، والمطارنة والبطريرك من ناحية أخرى وذلك حتى…تموز۱٨٤۰".
أضاف : "في حزيران من العام ذاته، اطلق البطريرك الماروني نداءات متكررة ودعوات عديدة الى الثوار الخارجين على الطاعة "بوجوب العودة الى الصواب تحت طائلة إنزال الحرم الكنسي بهم…". ولكن "بعد أن عاين المطارنة الموارنة بعض الفظاعات التي حلت ببعض مناطق المتن والتي إرتكبتها القوات المصرية، حسموا أمرهم وأنضموا الى الثورة في تموز۱٨٤۰".
ورأى : "في النهاية، أن وجود كنيسة سيّدة البير في تلك الحقبة العصيبة، أيقونة روحية في محيط مُتقلب، ألهم الثوار وبعث فيهم بلا شك الروح المعنوية الوثّابة، فدفعتهم إلى وضع الخطط العسكرية والسياسية لصراعهم مع الامير بشير وحليفه ابراهيم باشا لتحقيق النصر والتحرير، ولو إلى حين، من النفوذ السياسي الخارجي".
وفي الختام "أطلق بدون تحفظ على سيّدة البير تسمية" كنيسة العامية "، وعلى ثوار سن الفيل "عامية كنيسة سيّدة البير".
واختتم المؤتمر بكلمة الاب عبده أبو كسم فقال: "منذ سنة تقريباً عقدنا لقاء مع لجنة الوقف في سن الفيل وكان هناك روزنامة لهذا الاحتفال في هذا اليوبيل وما أردناه أن يكون هذا اليوبيل في إطار زيارة قداسة البابا بنديكتس السادس عشر إلى لبنان ووضعه تحت هذه العناية ولو من الناحية الروحية".
تابع: "من المفيد جداً أن يتم الإضاءة في هذه الأيام بالذات وخاصة ما يتعرض له المسيحيون في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان من ضغط نفسي وضعط حول وجودهم ومصيرهم، أن نعود إلى الجذور وإلى عامية سن الفيل وإلى إيمان الموارنة بأرضهم وبكنيستهم والدور الكبير الذي يلعبه البطريرك الماروني في تاريخ لبنان".
أضاف: "أقول هذا الكلام لأوكد على أننا أقوياء في رجاءنا أننا أبناء هذه الأرض وأن كل ما يجري حولنا لا يهدّد وجودنا المسيحي إنما على العكس نحن نرى أن هذا الوجود سيتعزّز أكثر فأكثر في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط بفضل جذورنا وإيماننا المسيحي وبفضل تاريخنا وإيماننا المرتبط بيسوع المسيح القائم من الموت".
وختم بالقول: "نحن يجب أن نكون دائما بهذا الرجاء ونسعى دائماً إلى الإضاءة على تراثنا المسيحي الماروني في لبنان المتجذّر في أرضنا لكي نبقى في هذا الشرق منارةً ورسالةً لكل اللبنانيين وإلى أبناء هذه المنطقة، متمنياً للمطران مطر يوبيلاً طيباً برعايته لهذه البلدة سن الفيل ولكنيسة سيدة البير، أعاده الله على الجميع بالخير والبركة".
المركز الكاثوليكي للإعلام