من عام 1948-2010"، أكد الدكتور جورج طريف أن علاقة المسيحيين في القدس تعود إلى بداية الفترة التي بشر فيها السيد المسيح بالدين المسيحي، وتشترك كنائس الأرض المقدسة بتراث ديني تاريخي واحد تمتد جذوره إلى القرون المسيحية الأولى، ويفتخر المسيحيون بدورهم الحضاري والثقافي الذي انبثق عن المدينة بالإضافة إلى دورهم الطلائعي في نشر الدين المسيحي في سائر بقاع الأرض. وأنشئت بطريركية القدس في القرن الخامس الميلادي وأصبحت خامس بطريركية بعد روما والإسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية، وامتدت سلطة البطريرك المقدسي إلى مناطق فلسطين والجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين وجزء من شبه جزيرة سيناء.
وقال: أن الحياة المسيحية ازدهرت إبان الحكم البيزنطي (330-638) فضمت البطريركية الأرثوذكسية تسعاً وأربعين أبرشية، وبنى المؤمنون الكنائس في جميع أنحائها "14 في مادبا و15 في أم الجمال و13 في جرش و9 كنائس في عابود".
وفي عام 17 للهجرة (638 للميلاد) دخلت الكنيسة المقدسية تحت الحكم الإسلامي فانتهى بذلك العهد الوحيد الذي كان فيه المسيحيون أكثرية ساحقة في فلسطين. وأصبحت اللغة العربية عامل وحدة بين الجماعات المسيحية بالرغم من الخلافات اللاهوتية.
وقد أعطى الخليفة عمر بن الخطاب فاتح القدس أماناً للقدس وسكانها يعرف بالعهدة العمرية التي اشترطت ألا يسكن بايليا (القدس) معهم احد من اليهود، وقد وقع على هذه العهدة بطريرك القدس صفرونيوس الذي سلم مفاتيح المدينة المقدسة للخليفة عمر بن الخطاب.
وتحدث المؤرخ والإعلامي الدكتور طريف عن الأوقاف المسيحية في القدس، وأشار إلى أن المسيحيين ينقسمون في القدس إلى كنائس شرقية وأخرى غربية تتبع كل منها رئاستها الدينية. وتشمل الكنائس الشرقية: الروم الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس والأقباط والسريان والأحباش والكنيسة الروسية وكنيسة الكرج (جورجيا). أما الكنائس الغربية فتشمل: البطريركية اللاتينية والروم الملكيين الكاثوليك والسريان الكاثوليك والموارنة والإنجيلية الأسقفية العربية والإرساليات الألمانية.
وفيما يتعلق بأعداد المسيحيين في القدس، أشار إلى أن عدد سكان القدس قدر عام 1840 ما مجموعه 11000 نسمة، منهم 4650 من المسلمين و3350 مسيحيين و3000 يهود، وبلغ عدد سكان القدس حسب إحصائية عام 1922 كما يلي المسلمون 13413 المسيحيون 14699 اليهود 33971 نسمة.
وهناك إشارات إلى أن أعداد المسيحيين في القدس عام 1944 ما يقارب الـ35 ألف نسمة، وشكلوا ما نسبته 50% من سكان القدس عام 1948.
وفي الفترة بين سنة 1967-1993 غادر الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 13000 مهاجر مسيحي منهم 8000 في الضفة الغربية و5000 في قطاع غزة.
وكي نعرف أعداد المهاجرين المسيحيين من مدن الضفة الغربية لا بد من الإشارة إلى أن عدد المغتربين من منطقة بيت لحم يصل إلى نحو 100000 مسيحي، بينما عدد المغتربين في بيت جالا في تشيلي يصل إلى 25000 مسيحي، ونحو 2000-3000 مسيحي غادروها في السنوات 1967-1970.
وفي جميع الأحوال فإن عدد المسيحيين العرب لا يتجاوز الآن في القدس 11 ألف نسمة ويشكلون 1.7% من عدد السكان الفلسطينيين القاطنين في المدينة، وفي عظة ألقاها المطران عطالله حنا، مطران سبسطية للروم الأرثوذكس في كنيسة القيامة في القدس القديم بتاريخ 6-9-2009 ونشرتها صحيفة الأيام الفلسطينية بتاريخ 7-9-2009، أشار إلى أن عدد مسيحي القدس في تناقص ولا يزيد في هذه المرحلة عن 8 آلاف نسمة.
ويمكن حصر أسباب هجرة المسيحيين من القدس في النقاط التالية:
1- استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية حيث يعاني مسيحيو القدس ما يعاني منه مسلمو القدس وفلسطين، فهم لا يستطيعون بناء البيوت الجديدة ولا ترميم بيوتهم القديمة ويعيشون مقطوعين عن أهلهم وذويهم في بقية فلسطين يخضعون للممارسات الإسرائيلية وقوانين الاحتلال التعسفية وضرائبه الظالمة التي تدفعهم خارج أسوار المدينة.
2- الاستيطان اليهودي في القدس حيث تعمل إسرائيل على عزل المدينة المقدسة بحزام من المستوطنات تفصلها عن باقي مناطق الضفة الغربية ويسكن داخل أسوار القدس حوالي ثلاثة وثلاثين ألف فلسطيني.
3-غياب الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي الناجم عن ظروف الاحتلال.
4- السعي لتحسين الظروف الاقتصادية، وقد هاجر أهل القدس في البداية إلى المدن المجاورة وبالذات إلى مناطق يافا وحيفا وعكا وغزة.
5- عدم توفر التعليم العالي المناسب في الأراضي الفلسطينية.
إن استمرار الهجرة المسيحية من القدس يشكل خطرا كبيرا على المدينة المقدسة. وأن خير من وجه الأنظار إليها قداسة البابا بولس السادس في رسالة الفصح عام 1974 عندما قال متحدثاً عن مسيحي القدس "هؤلاء الإخوة والأخوات الذين يعيشون حيث عاش المسيح والذين ما زالوا حول الأماكن المقدسة هم خلفاء الكنيسة الأولى، إنهم أصل كل الكنائس وإذا زال الوجود المسيحي في القدس فان حرارة الشهادة الحية في الأرض المقدسة ستنطفئ والأماكن المقدسة في القدس وفلسطين ستصبح متاحف".
إن كل ذلك يذكر بالخطر الأكيد نتيجة الازدياد المتنامي لليهود في القدس بشكل خاص، وفي فلسطين بشكل عام، الأمر الذي يتطلب وقفة عربية وإسلامية واحدة وفاعلة وقادرة على تحريك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف ممارساتها التعسفية في الأراضي الفلسطينية ووقف الاستيطان والعمل على دعم صمود الأهل مسيحيين ومسلمين والحد من هجراتهم ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على التراب الوطني الفلسطيني وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
د. جورج طريف – عمون
عن موقع أبونا