سمير جعجع وسليمان فرنجية ورثا العداوة التي كان حزب الكتائب أول الخارجين منها في مستهل رئاسة أمين الجميّل على البلاد، ولاقاه الرئيس سليمان فرنجية. أصلاً كان الكتائب نفى علاقته بحادثة إهدن وألقى مسؤوليتها والتبعات على أكثر من جهة، مما استفز جعجع فتبنى المسألة مع أنه لم يكن مقرراً فيها، وأصيب وسُحب من المدينة الثكلى قبل أن ينفتح الجرح الكبير. لاحقاً التقى سليمان الحفيد كل رفاق جعجع. بعضهم خلال الحرب والتقلبات في تحالفاتها مثل الوزير الراحل إيلي حبيقة، أيام لم يكن ميشال عون سوى قائد للجيش مغمور يُضمر مشروعاً سياسياً للقبض على السلطة، وبعضهم في ظروف مأسوية بعد حل حزب "القوات اللبنانية" وسجن قائدها.
تحققت المصالحة بين قاعدتي "المردة" و"القوات" عملياً بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، وترسخت عندما كان جعجع في السجن لكنها لم تشمل السياسة التي ظل التنظيمان فيها على نقيض. أحدهما مع سوريا وحلفائها في لبنان والآخر ضدها على طول الخط من غير أن يمنع ذلك جعجع من تقديم واجب التعزية في القرداحة في خطوة متأخرة أو خارج السياق. عندما خرج من زنزانته كانت حصلت انتخابات نيابية هادئة إلا في الشمال، حيث دفع محازبان لـ "القوات" حياتهما ثمن عدم الإتفاق السياسي الذي عاد يظهر مع عودة تنظيمهما إلى الساحة. تذرع رئيس "القوات" بتلك الواقعة لعدم الرد إيجاباً على مبادرة فرنجية الذي طلب التحدث إليه لتهنئته بالسلامة في المطار عبر هاتف بيار الضاهر. لعلّ جعجع في تلك اللحظات المفعمة بالمشاعر لم تنسه سنوات السجن الـ 11 وأكثر واقعة المقر الرئاسي في "البوريفاج" أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي حاول جمع الرجلين. لم يكن فرنجية على علم بحضور جعجع، فانسحب مسرعاً من المكان ليعلن أنه لو التقى قائد "القوات" لكان أطلق عليه النار!
تلك الأيام كان الرئيس الجميّل في المنفى الفرنسي. والجنرال عون أيضاً. لكنهما ما كانا يلتقيان . ولا العميد الراحل ريمون إده كان يلتقي اياً منهما. زعماء الموارنة لا يتبادلون الصفح والمغفرة عادة والبطريرك الجديد يحاول دفعهم إلى التغلب على هذه النقيصة، بل الإنحراف.
بعد انقضاء مرحلة "الوصاية" وعودة المغيّبين الثلاثة قسراً حاول البطريرك السابق الكاردينال نصرالله صفير مراراً وحاولت الرابطة المارونية جمع الزعماء الموارنة الأربعة الذين وقف منهم اثنان على كل ضفة بين 8 و14 آذار . فتألفت لجان حوار وتنسيق تمهيداً للقاء لم ينعقد في بكركي. إلا أن عون وجعجع التقيا وتناولا الطعام معاً أكثر من مرة ، وكذلك الجميّل وفرنجية. وجلس جعجع وفرنجية حول طاولة واحدة للحوار في القصر الجمهوري برعاية الرئيس ميشال سليمان . صحيح أنهما لم يتبادلا الكلام ولم يتصافحا، لكن أحداً لم يتحسّس مسدسه. واليوم في بكركي يجب أن يكون لجيل من المسيحيين اللبنانيين ختام آلام في جمعة الآلام.