{mosimage} يوحنا بولس الثاني كتابٌ مفتوح… زرع في قلوبنا المحبة… وعلّمنا التسامح والغفران… فكان لنا باب الرجاء والأمل… رجاءنا بالمسيح يسوع… وأملنا بالحياة الأخرى. ولكي نكون مخلصين لهذا القديس… نقف في محطاتٍ عديدة من مسيرة حياته لنرسم الملامح الإيمانية لتلك الرسالة السامية…
(1) منذ ولادته ولغاية سيامته الكهنوتية
ولد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني (كارول فويتيوا) في الثامن عشر من أيار من عام 1920 في منطقة فادوفيتش بالقرب من مدينة كراكوفيا في جنوب بولندا، من أب يُدعى كارول فويتيوا، من مواليد عام 1879. مارس مهنة الخياطة قبل أن يخدم في الجيش النمساوي ثم في الجيش البولندي بين عامي 1900 و1927.
والدتُه، إيميليا كازوروفسكا، ولدت في السادس والعشرين من آذار من عام 1884. له شقيق يُدعى إدموند فويتيوا ولد في عام 1906، ومارس مهنة الطبّ لسنوات قليلة قبل أن يتوفاه الله في عام 1932.
وُلد كارول جوزيف فويتيوا إذاً في الثامن عشر من شهر أيار من عام 1920، وفي العشرين من حزيران من العام نفسه نال سرّ العماد من يد المرشد العسكري في بولندا الأب فرانشيزك زاك، وكانت تربيته صارمة وورعة.
في الثالث عشر من نيسان من عام 1929، فَقَدَ كارول الصغير والدته، قبل أن يفقد شقيقه إدموند، بعد ثلاث سنوات ونصف تقريباً على غياب والدته، عن عمر ستة وعشرين عاماً.
في شهر أيار من عام 1938 نال كارول فويتيوا سرّ التثبيت. وفي العام عينه انتسب إلى كلية الفلسفة في جامعة ياغيلّونيكا في كراكوفيا. وكشاب كان فويتيوا يعشق الرياضة ومنها كرة القدم والتزحلق على الجليد، كما كان يحب التمثيل والمسرح. وكان في سن المراهقة حينما اجتاحت الدبابات الألمانية بولندا عام 1939. في الأول من أيلول من العام نفسه اندلعت الحرب العالمية الثانية. في الأول من تشرين الثاني من العام 1940 عمل فويتيوا في مقالع الحجارة في زاكرزوفيك، بالقرب من كراكوفيا مما حال دون إخضاعه للأشغال الشاقة من قِبَل قوات الاحتلال الألمانية.
في الثامن عشر من شباط من العام التالي، توفيّ والده. وفي تشرين الأول من عام 1942 بدأ كارول فويتيوا يتابع دروساً سرية في كلية اللاهوت في جامعة ياغيلّونيكا، وعمل كعامل.
في التاسع والعشرين من شباط من عام 1944، تعرّض فويتيوا الشاب لصدمة سيارة، ونُقل على أثر الحادث إلى المستشفى الذي مكث فيه لغاية الثاني عشر من آذار. في شهر آب من العام عينه طلب رئيس أساقفة كراكوفيا أدام ستيفان سابييا نقل فويتيوا وعدد من الإكليريكيين الآخرين الذين يتابعون دروس اللاهوت بالسرّ إلى مقرّ رئاسة الأبرشية والذي بقوا فيه إلى أن انتهت الحرب، فتوارى عن الأنظار بسبب الإجراءات الصارمة التي اتُّخِذَت في حق التعليم الديني. في الثامن عشر من كانون الثاني من عام 1945، وضعت الحرب أوزارها، وحرّر الجيش الأحمر كراكوفيا من الاحتلال النازي. وفي الأول من تشرين الثاني من عام 1946 سيّم كارول فويتيوا كاهناً بعد أن أنهى دروس اللاهوت. وبعد أسبوعين انتقل إلى روما ليتابع تحصيله العلمي.
(2) منذ سيامته الكهنوتية ولغاية تعيينه رئيس أساقفة
في الثالث من تموز من العام التالي حصل على شهادة في علم اللاهوت من جامعة أنجيليكوم الحبرية. وفي صيف العام نفسه، قام برفقة كاهن بولندي آخر، بجولة قادته إلى فرنسا، بلجيكا وهولندا، حيث أدّى خدمته الراعوية وسط العمال البولنديين المقيمين في هذه الدول الأوروبية.
في مطلع شهر تموز من عام 1948 عاد الكاهن فويتيوا إلى بلده الأم بولندا، حيث خدم رعية نيغوفيتش، بصفته نائباً لكاهن الرعية. وفي شهر آب من العام التالي استُدعيَ إلى كراكوفيا حيث عُيّن نائباً لكاهن رعية القديس فلوريانو. وفي شهر تشرين الأول من عام 1953، درّس في كلية اللاهوت في جامعة ياغيلّونيكا، وفي عام 1954 بدأ يدرّس في جامعة لوبلين الكاثوليكية.
في الرابع من شهر تموز من عام 1958 عُين فويتيوا أسقفاً معاوناً على رئاسة أبرشية كراكوفيا. ونال سيامته الأسقفية في الثامن والعشرين من أيلول من العام نفسه في كاتدرائية وافل. بعد وفاة رئيس أساقفة كراكوفيا المطران بازياك انتُخب فويتيوا نائباً لرئيس مجمع الكهنة في كاتدرائية رئاسة أبرشية كراكوفيا في السادس عشر من تموز من عام 1962.
في تشرين الأول توجّه إلى الفاتيكان، حيث شارك في أعمال الدورة الأولى من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، من الحادي عشر من تشرين الأول ولغاية الثامن من كانون الأول. وفي الفترة نفسها من العام التالي شارك في أعمال الدورة الثانية التي عُقدت من السادس من تشرين الأول لغاية الرابع من كانون الأول 1963. وبعد نهاية أعمال المجمع قام فويتيوا بزيارة حَجّ إلى الأرض المقدسة برفقة بعض الأساقفة. وفي الثلاثين من كانون الأول من عام 1963 عُين رئيس أساقفة على كراكوفيا.
(3) منذ تعيينه رئيس أساقفة لغاية اعتماره القبعة الكردينالية
في العاشر من أيلول من عام 1964 توجّه رئيس الأساقفة الجديد إلى الفاتيكان ليشارك في أعمال الدورة الثالثة من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني من الرابع عشر من أيلول ولغاية الحادي والعشرين من تشرين الثاني. وقام بعدها بزيارة حَجّ جديدة إلى الأرض المقدسة، حيث مكث أسبوعين. وفي عام 1965، شارك في أعمال الدورة الرابعة والأخيرة من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني التي عُقدت بين الرابع عشر من أيلول والثامن من كانون الأول.
في التاسع والعشرين من كانون الأول أُسِّست اللجنة الأسقفية البولندية لرسالة العلمانيين، وترأسها كارول فويتيوا. في الثامن والعشرين من حزيران من عام 1967 اعتمر القبعة الكاردينالية من يد السعيد الذكر البابا بولس السادس.
(4) منذ اعتماره القبعة الكاردينالية ولغاية انتخابه حبراً أعظم
في الخامس عشر من آذار من عام 1969 أصبح الكاردينال فويتيوا نائباً لرئيس مجلس أساقفة بولندا. في التاسع والعشرين من أيار من العام التالي ترأس الذبيحة الإلهية في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لسيامة البابا بولس السادس الكهنوتية. في الخامس من تشرين الأول من العام التالي انتُخب عضواً في مجلس أمانة سرّ سينودوس الأساقفة.
في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من عام 1976 ترأس الكاردينال فويتيوا الوفد البولندي إلى المؤتمر الدولي للجامعات الكاثوليكية والكليات الكنسية الذي عُقد في روما. في الحادي عشر من شهر آب من عام 1978، شارك في مراسم تشييع السعيد الذكر البابا بولس السادس. في التاسع عشر من أيلول 1978 قام الكاردينال فويتيوا بزيارة إلى جمهورية ألمانيا الفدرالية. في الثالث من تشرين الأول عاد إلى روما ليشارك في مراسم تشييع البابا يوحنا بولس الأول.
(5) حبرية البابا يوحنا بولس الثاني
في السبعينات
في السادس عشر من تشرين الأول من عام 1978 انتخُب كارول فويتيوا، ولم يكن قد تجاوز الثامنة والخمسين من عمره (وهو أصغر بابا تولى منصب البابوية في القرن العشرين)، كما إنه أول بابا غير إيطالي منذ 450 عاماً، وكان يُنظَر إليه على أنه غريب على المنصب، واختار "يوحنا بولس الثاني" اسماً له. وأصبح بذلك الحبر الأعظم الـ 264 (265) في تاريخ الكنيسة، وفي السادس والعشرين من الشهر نفسه تمّ تنصيبه حبراً أعظم، وكان لانتخابه وقع الصدمة على العالم الكاثوليكي والعالم بأسره، فلم يسبق أن اشار أي أحد قبل ذلك إلى أسقف مدينة كراكوف البولندية.
في الرابع والعشرين من كانون الثاني من عام 1979 استقبل البابا وزير خارجية الاتّحاد السوفيتي أندريه غروميكو. وفي اليوم التالي قام يوحنا بولس الثاني بزيارته الرسولية الأولى إلى خارج الأراضي الإيطالية، قادته إلى ساندو دومينغو والمكسيك وبهاماس. وفي صيف العام عينه قام بزيارته الرسولية الثانية إلى وطنه بولندا، وبالتحديد من الثاني ولغاية العاشر من حزيران 1979. في نهاية أيلول زار الحبر الأعظم إيرلندا، والولايات المتحدة، وألقى في الثاني من تشرين الأول كلمة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
في الثمانينيات
في الثلاثين من كانون الأول من عام 1980، أصدر البابا يوحنا بولس الثاني رسالة رسولية أعلن فيها القديسَيْن كيريلوس وميتوديوس شفيعَيْن لأوروبا، إلى جانب القديس مبارك. في الثامن من شباط من العام التالي التقى قداسته حاخام روما الأكبر إيليو طواف خلال زيارته رعية القديسَيْن كارلو وبيادجو في كانتيناري. أصبح يوحنا بولس الثاني أكثر بابا يقوم بجولات خارجية في التاريخ، وقد حذّره مستشاروه من أنّ نفوذه المتنامي قد يجعله هدفاً للإغتيال.
ففي الثالث عشر من أيار من عام 1981، تعرّض البابا لمحاولة اغتيال عند الساعة الخامسة والدقيقة التاسعة عشرة على يد التركي علي أقجا، خلال جولة كان يقوم بها بين المؤمنين في ساحة القديس بطرس، قبل مقابلة الأربعاء العامة وأُصيب برصاص. نُقل البابا على أثر الاعتداء إلى مستشفى جيميلّي بروما، حيث أُخضع لعملية جراحية استغرقت ستّ ساعات. بعد خمسة أيام على دخوله المستشفى تلا البابا من غرفته صلاة التبشير الملائكي وقال: "أصلّي من أجل أخي الذي أطلق النار عليّ والذي غفرتُ له من كلّ قلبي". في الثالث من حزيران عاد قداسته إلى الفاتيكان بعد أن أمضى اثني عشر يوماً في المستشفى، ومن حينها تمّ تشديد الأمن المحيط بالبابا، فأخذ يواصل جولاته الخارجية العديدة بالعربة البابوية، ومن خلالها كان يبادل الحشود المستقبِلَة بالتحية الأبوية.
في الخامس عشر من أيلول من عام 1982 وجّه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني نداءً من أجل السلام في لبنان، غداة اغتيال رئيس الجمهورية المنتخَب بشير الجميل. في السابع والعشرين من كانون الأول من عام 1983 توجّه البابا إلى سجن ريبيبيا في روما، حيث التقى علي أقجا الذي حاول اغتياله في أيار مايو 1981، وأعلن له عن صفحه.
في شهر آب من عام 1985، زار الحبر الأعظم المغرب في إطار زيارة رسولية شملت عدداً من الدول الأفريقية.
في الثالث عشر من نيسان من عام 1986 أجرى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني زيارة إلى الكنيس اليهودي في روما، ليُصبح بذلك أول حبر أعظم يدخل كنيساً يهودياً. وفي السابع والعشرين من شباط من العام عينه نُظّم في مدينة أسيزي الإيطالية اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام الذي شاءه البابا فويتيوا. في الثالث من كانون الأول 1987 استقبل البابا بطريرك القسطنطينية المسكوني ديميتريوس، وتم التوقيع على "إعلان مشترك".
في الخامس عشر من شهر آب من عام 1989، أعرب البابا في كلمته خلال تلاوة صلاة التبشير الملائكي عن رغبته في زيارة لبنان في أقرب وقت ممكن. وفي السابع من أيلول وجّه البابا رسالة رسولية إلى جميع أساقفة الكنيسة الكاثوليكية حول الوضع في لبنان، بمناسبة اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام في لبنان.
في الأول من كانون الأول من عام 1989 استقبل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان، رئيس الاتّحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، وهذه هي أول مرة يعبر فيها زعيم سوفيتي عتبة القديس بطرس. في التسعينات في السادس والعشرين من آب من عام 1990، أطلق البابا نداءً من أجل السلام في الخليج على أثر اجتياح الكويت من قِبَل القوات العراقية، وجدّد نداءه في رسالته إلى مدينة روما والعالم في يوم عيد الميلاد، أي في الخامس والعشرين من كانون الأول. وفي الخامس عشر من الشهر التالي وجّه يوحنا بولس الثاني رسالتَيْن إلى الرئيسَيْن الأمريكي جورج بوش الأب والعراقي صدام حسين، من أجل إحلال السلام في منطقة الخليج.
في الخامس عشر من شهر تموز من عام 1992 خضع البابا لعملية جراحية في مستشفى جيميلّي بروما، لإزالة ورم خبيث في المعي.
في الثاني والعشرين من آب من العام نفسه أطلق البابا، أثناء تلاوة صلاة التبشير الملائكي، نداءً من أجل السلام في منطقة البلقان. في مطلع شباط من عام 1993، زار البابا السودان في إطار زيارة رسولية شملت أيضاً بنين وأوغندا. وفي نيسان 1994 أُجريت له عملية في الفخذ.
في الحادي عشر من كانون الثاني من عام 1995 زار البابا مانيلا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي العاشر للشبيبة، ووجّه عبر أثير "راديو فيريتاس" رسالة إلى الكاثوليك في الصين. في السادس والعشرين من تشرين الثاني 1995، بدأت في الفاتيكان أعمال سينودوس الأساقفة الخاص من أجل لبنان، الذي شاءه قداسة البابا.
في الأول من تشرين الثاني من عام 1996 احتفل قداسته مع أبرشيته روما بالذكرى السنوية الخمسين لسيامته الكهنوتية. في العاشر من أيار من عام 1997 زار قداسة البابا لبنان بمناسبة الاحتفال بالمرحلة الختامية لسينودوس الأساقفة الخاص من أجل لبنان. ووقع قداسته خلال لقائه الشبيبة في بازيليك سيدة لبنان على الإرشاد الرسولي ما بعد السينودوس "رجاء جديد للبنان"، وفيه أعلن للعالم أن لبنان هو أكثر من بلد، إنه رسالة محبة وتعايش وتلاقي بين مختلف الثقافات والأديان.
في السادس عشر من حزيران من العام نفسه وجّه الحبر الأعظم رسالتَيْن إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من أجل السلام في الشرق الأوسط. وفي كانون الثاني 1998 زار قداسته كوبا، وكان فيدل كاسترو في استقباله وهو الزعيم الشيوعي للبلد الكاثوليكي تقليدياً.
منذ عام 2000 ولغاية وفاته
في الرابع والعشرين من شباط من عام 2000 أتمّ قداسة البابا الزيارة الرسولية التسعين خارج الأراضي الإيطالية والتي قادته إلى جبل سيناء ليسير على خطى موسى في طريقه إلى أرض الميعاد. وبهذا يكون أول بابا يزور مصر والتي أغلب سكانها من المسلمين حيث دعا إلى الوئام بين الأديان، وأقام قداساً في دير سانت كاترين، حيث دعا إلى حوار بين المسيحيين والمسلمين واليهود. وفي العشرين من آذار تابع يوحنا بولس الثاني حَجّه اليوبيلي فزار الأرض المقدسة والأردن وبيده رسالة لليهود والمسلمين بأن الحوار وحده هو طريق التفاهم لتخطّي مأزق العنف والموت وبلوغ سلام عادل وشامل، ومدينة السلام أورشليم مدينة مفتوحة لكل أبناء الأرض، لأنها انعكاسة لأورشليم السماوية، ولم يكتمل حلمه بزيارة أور في العراق بسبب الاعتراضات الشديدة التي واجهتها الزيارة. وفي إسرائيل زار نصب ضحايا المحرقة النازية. في التاسع من تموز زار البابا سجن ريجينا تشيلي بروما، بمناسبة الاحتفال بـ"يوبيل السجناء".
في أيار عام 2000 كشف الفاتيكان عن أن ثلاثة أطفال في البرتغال شاهدوا في عام 1917 رؤية كانت بمثابة نبوءة بمحاولة الاغتيال، وأُطلق على ذلك السر الثالث من أسرار فاتيما، نسبة للبلدة فاتيما بالبرتغال والتي ينتمي إليها الأطفال الثلاثة، وقد بقي طيّ الكتمان لعقود وتمّ الكشف عنه تزامناً مع زيارة البابا لفاتيما، وقد أكّد قداسته بأن العذراء هي التي أنقذت حياته.
في الرابع من أيار من عام 2001، تابع البابا حَجّه اليوبيلي، فقام برحلة رسولية قادته إلى اليونان، سورية ومالطا سائراً على خطى بولس الرسول. وفي سوريا كانت زيارته لقاءً مع أبنائه المسيحيين في تلك الأرض التي تُعَدّ مهد المسيحية في الشرق. في الثامن عشر من تشرين الثاني 2001، وعلى أثر اعتداءات الحادي عشر من أيلول الإرهابية وتزامناً مع الحرب الدائرة في أفغانستان، دعا البابا أثناء تلاوة صلاة التبشير الملائكي جميع الكاثوليك في العالم إلى المشاركة في يوم صوم من أجل السلام في الرابع عشر من كانون الأول 2001، ودعا البابا أتباع مختلف الديانات إلى يوم صلاة من أجل السلام في العالم نُظّم في مدينة أسيزي في الرابع والعشرين من كانون الثاني 2002.
في الثالث عشر من كانون الأول 2001، التقى الحبر الأعظم أساقفة الأرض المقدّسة الذين عقدوا لقاءً في الفاتيكان حول موضوع "السلام في الأرض المقدّسة ومستقبل المسيحيين".
وفي السابع من نيسان من العام التالي تمّ الاحتفال بـ"يوم الصلاة من أجل السلام في الأرض المقدّسة"، خلال حصار كنيسة المهد في بيت لحم. وفي مطلع عام 2003 ارتفع صوت يوحنا بولس الثاني في مناسبات عدّة داعياً إلى تفادي وقوع حرب في العراق، وأرسل لهذه الغاية الكاردينال إتشيغاراي إلى بغداد في العاشر من شباط 2003، والكاردينال بيو لاغي إلى واشنطن في الأول من آذار 2003.
وفي السادس عشر من تشرين الثاني من العام التالي (2004)، وجه البابا نداءً جديداً من أجل السلام في الأرض المقدسة، وقال: "الأرض المقدسة ليست بحاجة إلى جدران إنما إلى جسور". تدهورت صحة البابا ليلة الخميس فجأة، فأسلم الروح بين يدي خالقها يوم السبت 2 نيسان 2005 في تمام التاسعة و37 دقيقة بتوقيت روما عن عمر يناهز الرابعة والثمانين. لقد كان يوحنا بولس الثاني شخصية مثيرة للجدل. ففي حين أنه دعا إلى العمل في سبيل مكافحة الفقر، فإنه أصرّ بالمقابل على أنّ موانع الحمل غير مقبولة أخلاقياً، وقال: إنه كان يريد تحسين أوضاع النساء. في حين أنه كتب أنّ الأمومة يجب أن تكون الطموح الطبيعي للمرأة.
تغيير كبير…
وانتقد البابا مراراً الليبرالية التي رآها في كل مكان من حوله. وشمل المثليين جنسياً بغضبه وشفقته في آنٍ معاً، مما أزعج الناشطين في مجال الدفاع عن حقوقهم.
وعلى الرغم من وقوعه فريسة المرض في السنوات اللاحقة، فإن رحلاته تواصلت إلى: كوبا، ونيجيريا، كما إلى يوغسلافيا السابقة والأراضي المقدسة في الشرق الأوسط، وإلى مصر وسوريا ولبنان.
لقد شهد عهد البابا يوحنا بولس الثاني تغييرات جذرية في أنحاء العالم مثل: انهيار الشيوعية، الذي كان شخصية لعبت دوراً بارزاً فيه، وتعاظم ديون العالم الثالث، وظهور مرض الإيدز.
وخلال هذا الوقت، فإن عمله الرامي إلى الحفاظ على كرامة الإنسان في مواجهة ما رأى أنها مخاطر الحياة الحديثة، جنباً إلى جنب جاذبيته الشخصية، جعلا من البابا يوحنا بولس الثاني أحد أبرز رجالات القرن العشرين.
الخورأسقف بيوس قاشا- خوري رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك المنصور، بغداد- العراق
موقع أبونا- الأردن 2/4/2008