هل هي أزمة كتاب؟·· أم أزمة قارئ؟·· أم أزمة الـ 40% من الأمية العربية؟· أم أزمة التقصير التعليمي والتربوي، أم لعلها أزمة القييمين على الشأن في كافة القطاعات؟·
أسئلة تتجمع كلها لتدور في حلقة مفرغة كتب عليها بالخط العريض ان هناك أزمة كتاب·
في هذه الندوة التي جمعت كل المعنيين بالشأن تقريباً، الدكتور عمر حلبلب مدير عام وزارة الثقافة، الشاعر غسان مطر أمين عام اتحاد الكتّاب اللبنانيين، عن دور النشر أحمد راتب عرموش "دار النفائس"، من شركات التوزيع محمد عمرو "شركة الناشرون للتوزيع" وعن أصحاب المكتبات فاديا جحا "مكتبة رأس بيروت"·
لعل هذه الندوة لن تجد الحلول الناجعة لازمة ما، لكنها بالتأكيد ستلقي الضوء الكافي بما قد يسهل ايجال حلول مبتغاة.
أفتتح الزميل إلياس العطروني الندوة بالترحيب بالحضور منوهاً بتلبية النداء لمناقشة هذا الموضوع الحساس، ومتمنياً الخروج بخلاصات نستطيع من خلالها الوصول إلى حل ما لأزمة باتت مزمنة بتأثيرها السلبي على كافة المستويات واعطى الكلمة للدكتور عمر حلبلب مدير عام وزارة الثقافة·
د· حلبلب
أزمة الكتاب في لبنان، يتم الحديث عنها في شقين، الشق المهني المتعلق بسلسلة معهودة تبدأ من الكتابة إلى النشر والتوزيع، وحول هذا بيروت عرفت تاريخياً انها مفتاح العالم العربي، وعاصمة الطباعة في العالم العربي، ومرّت ظروف وأزمات أثّرت على وضع السلسلة المهنية بالإضافة إلى فترة الغياب اللبناني على المستوى العربي، في وقت تقدمت دول عربية أخرى في هذا المجال·
مازال لبنان في الريادة، اشعر بذلك من خلال معارض الكتب التي نزورها والاحصائيات التي نؤكد ان مؤسسات عربية تطبع وتستند إلى لبنان، نظراً إلى الجودة والنوعية·
وتقوم وزارة الثقافة بجهود بالتعاون مع نقابة الناشرين في لبنان، ومعارض الكتاب في بيروت هي الأقدم في العالم العربي، وعلى المستوى الخارجي يشارك الناشر اللبناني في خمس معارض عالمية (فرانكفورت، باريس، اميركا، لندن، ايطاليا) ونحاول التركيز على نشر كتب الأطفال·
أما من ناحية ثانية وفيما يتعلق بالقارئ، فان الاحصائية تشير إلى ضآلة في نسبة القراءة، فالعربي يقرأ في السنة بمعدل ثلث صفحة، فيما يقرأ الأميركي 11 كتاباً، والعالم العربي يعاني من ضعف في الاقبال على القراءة، أما في لبنان فتنخفض النسبة· وهناك أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية، ومنها ما يتعلق بالتطور والهجمة على الانترنت مما يؤدي إلى انخفاض نسبة المطالعة العامة·
إذاً هناك أزمة قارئ حقيقية بالأرقام، وتعمل الوزارة من أجل رفع نسبة المطالعة العامة، وتطلق سنوياً أسبوع المطالعة العامة، وتقوم بـ260 نشاطاً في مختلف المناطق، هذا بالإضافة إلى توسيع شبكة المكتبات العامة في لبنان التي وصلت إلى 24 تتوزع في مناطق محرومة وبحاجة إلى تنمية، وعملت الوزارة على انشاء مكتبتين كل عام حتى وصل العدد إلى 24 مكتبة·
وبذلك تكون شبكة التنشيط الثقافي، بالإضافة إلى بروتوكول شراكة مع عدد من المكتبات، يتم تزويدها بالكتب ويتم تدريب الكادرات البشرية، وارسالها إلى الخارج في بعثات وتشارك الوزارة السفارة الفرنسية في مشروع اسمه FSP لزيادة نسبة المطالعة وخاصة كتب الأطفال·
غسان مطر
الأزمة ليست أزمة كتاب بمعنى ان لبنان لايزال مطبعة، وهناك مجموعة دور نشر تعمل مع مؤسسات مؤهلة بأحدث اساليب العمل وصناعة الكتاب بخير في لبنان، إنما القارئ الحقيقي لم يعد موجوداً لا في لبنان ولا في العالم العربي، وأكاد أقول ولا في العالم اجمع الأزمة ليست في الكتاب إذ من الممكن الحصول على أي كتاب يرغب به القارئ، يبقى موضوع القراءة فالاحصاءات دائماً تشير إلى ان القارئ اللبناني في مؤخرة ترتيب نسبة القرّاء، ولكن من خلال دراسات واحصاءات أؤكد أن الكتاب الذي يقرأ في الغرب ليس الكتاب المثقِف بل الكتاب المسلّي والمرفّه·
وبالمقارنة مع الكتب القيّمة كالشعر والفن والفلسفة، نرى انه يجب ان لا تخدعنا ظاهرة القراءة لدى الغرب لا لتبرير التقصير العربي ولكن لتوضيح صورة ان هذا الغرب ليس قارئاً حقيقياً، القارئ الحقيقي هو الذي يبحث عن مصادر المعرفة وليس تمضية الوقت وهذا توصيف لما يحصل في الغرب بالنسبة إلى نوعية القراءة·
أما عن نسبة الأمية التي تبلغ 80 مليون فالمشكلة ان 85% من الأميين هم من النساء وهنا تكمن الأزمة البنيوية في المجتمع والتركيبة الاجتماعية هي التي تحرّض على ثقافة عدم القراءة والبيان الاجتماعي مضاد للقراءة·
ان البرامج التربوية والمنهجية الجديدة عملت على تشجيع الطالب على عدم الاقبال على القراءة، في السابق وخلال البرامج المنهجية القديمة كان الطالب يضطر للقراءة عن موليير وشكسبير· وغيرهم ليحصن ثقافته ويتمكن من الحصول على أعلى مستوى، أما اليوم مع البرامج الجديدة فالطالب لا يحتاج إلى جهد كبير، فهو يختار الاجابة الصحيحة أي نوع من التعليم هذا؟ وكيف يحرّض على القراءة هذا يحرّض على طلب المعلومات! وبالتالي الحاجة إلى شبكة الانترنت·
وهنا تحمّل المسؤولية التركيبة الاجتماعية العربية والتي أدت إلى سقوط حب الثقافة ومتعة القراءة لدى العربي وبالإضافة إلى البرامج التعليمية الجديدة المسطحة التي جعلت الطالب يحتاج إلى معلومات ولا يحتاج إلى ثقافة·
أحمد راتب عرموش
الأزمة هي في الكتاب والقارئ، فالكتاب في لبنان يشهد انتاجاً كثيفاً لكن حركة المبيع ضئيلة، لبنان بلد انتاج كتاب، ونتيجة الأزمات التي مرّ بها لم يعد بلد انتاج الكتاب الأول، اصبحت مصر هي الأولى، حيث المؤلف والمطابع والفنيين وهناك ورق مصري مدعوم بالانتاج، فلم يعد يستطع الكتاب اللبناني المنافسة، أما في الخليج توجد مطابع تعرض ان يتم الطباعة لديها بأسعار منافسة، لأن الفن الطباعي اللبناني انتقل من لبنان إلى الخليج والأموال المتوافرة أكثر·
أما في لبنان، أكثر الكتب التي تشهد طباعة هي التي تتطلب عدداً قليلاً من النسخ (حوالى 3000 نسخة) أما الحجم الكبير من عدد النسخ فتتم طباعته في الخليج·
ولكن ما يميز لبنان هو التجليد الفني للكتاب، والأناقة في معارض الكتب، وتوفر الكتاب متميز نظراً إلى الحرية في النشر إذ لا يحتاج الناشر إلى موافقة مسبقة للنشر·
أما فيما يتعلق بالقراءة، فتجتمع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لتخفف من نسبة القراءة، بالإضافة إلى البرامج التعليمية الجديدة·
والكتاب في لبنان لا يخضع لأي موانع أو ضوابط أو رقابة وانتقلت الأزمة لذلك المؤلف إلى الناشر إلى القارئ، فيغيب الكتاب الذي يشبع منهم القارئ·
محمد عمرو
الأزمة تكمن في الكتاب وليس القارئ، لدينا الكثير من المطبوعات التي توزّع، ولكن القارئ "يقرأ من الزلعوم نزولاً" فالمطبوعات الترفيهية تشهد اقبالاً كثيفاً، والمشكلة تكمن في عنوان الكتاب الذي يتكرر في أكثر من دار نشر، ويغيب التعاون الفعلي بين دور النشر، والكاتب نفسه لا يرى في الكتاب وسيلة عيش، وتغيب المواضيع التي تعالج مشكلات القارئ، وتبين الاحصائيات ان سعر السندويش في معرض بيروت للكتاب يعادل سعر ثلاث كتب وابتعد الكاتب عن القارئ واصبحت هناك فوقية في التعاطي وهنا يكمن السؤال "إلى من يتوجه الكتاب؟"·
فلنأخذ مثالاً كتب الأطفال موجهة من الكبار، ولكل طائفة كتاب اطفال معين ويتوجه الكتاب عبر مؤسسات لها خلفيات سياسية وعقائدية وطائفية·
مازلنا مستعمرين، والكتاب الذي يوزع في الوطن العربي يخضع لتوجيه معين·· والمسألة الأكثر خطورة تكمن في التربية في وقت حلّت الخادمة مكان الأم في المنزل وهذا ما أكدته الاحصائية بأن أكثر الكتب مبيعاً كان "تعلم السريلانكية من دون معلم" والمدرسة تقوم بدور مؤتمر وعلينا تعزيز دورها·
اقترح مجموعة من الحلول منها ايجاد المناخات المناسبة لعودة انتعاش الثقافة النخبوية والعمل على تعزيز وتحصين الوعي العربي والتركيز على المقاومة، ودعم المشاريع التنموية واطلاق الطاقات العربية للوصول إلى تحرر اقتصادي وبالتالي اجتماعي ثقافي· واقترح التعاون بين دور النشر حول اصدار العناوين في سنة معينة، فكل ناشر يربح في تخصصه واختصر بأن الحل بمعرفة كيفية التوجه إلى القارئ·
فاديا جحا
الأزمة هي في أسس التعليم منذ الطفولة، وهنا يبرز دور المعلمين في تثقيف الأجيال، ولا يمكن التوجه إلى الكاتب بتحديد ماذا يكتب؟ فالكاتب له الحق في كتابه كل ما يريد والانتاجية ترتبط بواقع البلد، ولا يمكن تحميل المسؤولية لدور النشر أو المؤلفين، فالرواية تشكل أكبر نسبة مبيع لأنها تشكل الفرصة لاسقاط كل ما يزعج القارئ، من خلال التحكم بابطال الرواية، حيث يتم التهرّب من الرقيب، فلا يمكن مصادرة أو محاكمة الأبطال في الرواية·
البكالوريا انترناسيونال تتضمن برنامجاً متنوعاً وتعطي الطالب أكثر من البرامج في الماضي، ولكن المشكلة تكمن في المعلم، فهناك أناس لا تقرأ وتشرف على التعليم، وهنا يتوجب اخفاء الشعور باللذّة عند القراءة، ويجب جعل القراءة عادة لدى الأطفال منذ الصغر·
والفت إلى التعاون الفرنسي في إطار شراء الكتب وتوزيعها، منذ طلبت مديرة المشروع الفرنسي كتيباً من دور نشر مختلفة، واعطيت لمختلف المكتبات، وبذلك عادت الفائدة للمكتبات ودور النشر وغذّت المكتبة العامة والتزمت بدورة كاملة·
إعداد: إلياس العطروني
جريدة اللواء- 29/02/2008