ننشرما ما يلي مقتطفاً من رسالة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير لزمن الصوم، عن القيك الأخلاقية.
على صعيد التربية العائليّة والوطنيّة
إنّ واجب تربية الأولاد هو واجب مقدّس بالنسبة إلى الوالدين. وأكبر إهانة توجّه إلى أحد الناس، ولاسيّما إلى الأحداث من بينهم هي القول عنه: "إنّه بلا تربية". والعائلة هي الخليّة الأساسيّة للمجمتع. "وهي المجتمع الطبيعيّ حيث يُدعى الرجل والمرأة إلى هبة الذات في المحبّة وهبة الحياة. والسلطة، وثبات العلاقات وحياتها في حضن العائلة تشكّل أسس الحريّة، والأمان والأخوّة، ضمن المجتمع. والعائلة هي الجماعة التي يمكن الانسان فيها، أن يتلقّن منذ سنّ الطفولة، القيم الأخلاقيّة، ويبدأ بتكريم الله، وممارسة الحريّة. والحياة في العائلة هي تعليم الحياة في المجمتع.
"وعلى العائلة أن تعيش بحيث يتعلّم أعضاؤها الاهتمام بالشبّان والشيوخ، والمرضى والمعاقين، والفقراء. وكثيرة هي العائلات التي تجد نفسها، في بعض الحالات، عاجزة عن تقديم هذه المساعدة. فيصبح اذذاك من واجب أشخاص وعائلات أخرى، والمجتمع مدّ يد المساعدة إليهم. "إنّ التديّن الطاهر النقي عند الله الآب هو هذا: افتقاد اليتامى، والأرامل في ضيقهم، وصون النفس بلا وصمة من العالم".
"ومن واجب الجماعة السياسيّة أن تكرّم العائلة وتساعدها، وتضمن لها خاصة: "حريّة بناء عائلة، واقتبال أولاد، وتربيتهم وفق معتقداتهم الأخلاقيّة والدينيّة، وحماية استقرار الرباط الزوجيّ والكيان العائليّ، وحريّة ممارسة الإنسان إيمانه ونقله إلى أولاده وتربيتهم فيه، بالوسائل والمؤسّسات الواجبة، وحقّ الملكيّة الخاصة، وحرية القيام بعمل واقتناء منزل، والهجرة، والحصول على عناية طبيّة، بحسب البلدان، ورعاية الشيوخ، وضمان العائلة، وحماية الأمن والمناخ، واتقاء مخاطر الكحول، والصور الاباحيّة إلى ما سوى ذلك، وحرية انشاء جمعيات مع عائلات أخرى ممثلة تجاه السلطات المدنية.
وهناك واجبات البنين تجاه والديهم. "والأبوّة الالهيّة هي ينبوع الأبوّة البشريّة. وهي التي تولي الوالدين ما لهم من إكرام. واحترام الأولاد، صغاراً وكباراً، لوالديهم يتغذّى من المحبّة الطبيعيّة المنبثقة من الرباط الذي يشدّهم إلى بعضهم، وهذا ما تتطلّبه الوصيّة الالهيّة.
وما من شكّ في أن التربية الوطنيّة لها تأثير كبير على الأولاد اذا تأمّنت لهم منذ الصغر. ومحبّة الوطن، كمحبّة الوالدين، واجب مقدسّ. والوطن له على أبنائه ما للوالدين على أبنائهم. وهو الذي وفّر لهم ما توفّره الأوطان عادة لأبنائها، ما عدا الغذاء الماديّ، الغذاء الروحيّ والمعنويّ. وللأوطان تاريخ يكون عادة حافلا بالمآتي الكبيرة، وهي التي تبقى ويتوارثها الأبناء والأحفاد، ويروون قصصها، ويفاخرون بها، سواء أكانت واقعات تاريخيّة، ام اختراعات، أم نتاجاً فكرياً أضاف إلى الثروة الفكريّة ما كثّفها وعزّز مكانتها.
وقد تحرص المدارس عادة على تلقين الأولاد تاريخ أوطانهم. ولكنّها لا تروي لهم، على وجه الأجمال، سوى وقائع حربيّة، تروي بطولات قام بها أبناء بلدهم وانتصر فيها على من سواه من البلدان. هذا، على الأقل، ما درجت عليه كتب التاريخ. وهذا لا يغني البشريّة، بل يدّل على ما يهمّها من بطش وقّوة.
فيما التاريخ الحقيقيّ لا يكتفي برواية المعارك، بل يتخطّاها إلى ما مدّ به بلد أو شعب ما البشريّة جمعاء من اختراعات سواء أكان في مجال الطبّ، أم في العلوم على أنواعها، أم في ما سوى ذلك من وسائل من شأنها أن ترتفع بالانسان إلى ما فوق لتمدّه بما يكثّف فيه انسانيّته، ويصقل أخلاقه، ويجعل منه انساناً كامل الانسانيّة.
والعاقل هو من عرف كيف يستفيد من أخطاء من تقدّمه من الناس، ليتجنّبها ويبتعد عن الوقوع في معاثرها، ليُقبل على الافادة مما يكون قد أتاه سواه ممّن تقدّموه في الزمن، ليطوّره ويحسّن وضعه، فيجعله في متناول البشريّة التي تستخدمه لفائدة الأجيال الطالعة.
وهذا ما يدلّ عليه تاريخ البشريّة التي تقدّمت خطوة خطوة على طريق الاختبار والتجدّد. ومحبة الوطن تقضي بالتضحية حتى بالنفس في سبيله. ولكن المواطنيّة الصحيحة قد فقدت معناها لدى بعضهم، وبدلا من أن يحبوا وطنهم محبّة تفضي إلى التضحية بالنفس في سبيله، فهم يضحون بوطنهم وبمصالحه على مذبح مطامعهم وطموحاتهم الشخصيّة. وهذا بعيد كلّ البعد عن محبّة الوطن الحقيقيّة. أن تحب وطنك المحبّة الصادقة معناه أن تبحث عمّا بامكانك أن تعطيه، وليس أن تبحث عمّا بامكانك أن تأخذ منه. وهو قد سبق له أن أعطاك الكثير، فأورثك ما فيه من غنى روحيّ ومادّي وأخلاقيّ وثقافيّ. فبات من واجبك أن تخضع للسلطة الشرعيّة فيه وتدفع ما يطلبه من ضرائب، وتمارس فيه حق الاقتراع والدفاع عنه.
ولكن "اذا تجاوزت السلطة العامة صلاحيتها، وظلمت المواطنين، فعلى هؤلاء ألاّ يرفضوا ما هو مطلوب منهم بموضوعيّة للخير العام. غير أنّه يجوز لهم أن يدافعوا عن حقوقهم، وحقوق مواطنيهم، ضدّ تجاوزات السلطة، مع احترامهم للحدود التي رسمتها الشريعة الطبيعيّة، والشريعة الانجيليّة.
ومقاومة جور السلطة السياسيّة لا تلجأ شرعاً إلى السلاح، الاّ اذا توفّرت الشروط الآتية:
1. في حال انتهاك أكيد وخطير وطويل الأمد للحقوق الأساسيّة.
2.بعد أن تكون قد اسُتنفدت كلّ الوسائل الأخرى.
3. دون أن تتسبب بفوضى أسوأ.
4.ان يكون هناك أمل بالنجاح.
5.اذا كان مستحيلاً أن نرى بصورة معقولة حلولا أجدى.
بكركي، الثلاثاء 24 فبراير 2009 (zenit.org)