إعادة النظر بالمناهج الأكاديمية على ضوء الثورة التكنولوجية
وضرورة تنمية المهارات الشخصية لنشر ثقافة الذكاء الاصطناعي
د.منى طوق
في زمن الذكاء الاصطناعي تحتاج مناهج التعليم الدراسية والأكاديمية الى تحديث المناهج وتطويرها لمواءمة التحديات التكنولوجية. وتظهر الحاجة أيضًا الى إعادة النظر بالملكية الفكرية للحفاظ على خصوصية المعلومة التي قدّ تعود لوسيلة إعلامية معينة أو لشركة أو لبرنامج شات جي بي تيChatGPT ، هذا يتطلب وضع نظم أخلاقية ومواثيق شرف مهنية للحفاظ على الذكاء البشري الذي يعود إليه الفضل بوجود الذكاء الاصطناعي. لذلك، بات ضروريًا أهمية الوعي لكيفية استعمال هذه الأدوات الاتصالية والإستفادة منها بإعادة كتابة المضامين وإضفاء الأنسنة على المحتوى وصياغته برؤية جديدة ذكية.
وعليه، عقدت “الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال” ضمن النشاطات الدورية التي تقيمها ندوة عبر زوم بعنوان ” التكوين الأكاديمي والمهني لطلاب كليات الاعلام في زمن الذكاء الاصطناعي ” بحضور رئيسة الرابطة الدكتورة ميّ العبدالله، نائب الرئيسة الدكتور هيثم قطب وأعضاء الرابطة من مختلف الدول العربية.
شارك في الندوة الباحث في تحليل الخطاب الاعلامي وسيميائية الصورة ومدير سابق لكلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور مصطفى متبولي وأستاذ الصحافة الإذاعية والرقمية في قسم الاعلام في جامعة قطر الدكتور عبد الرحمن الشامي. وأدارت الندوة رئيسة الرابطة الدكتورة ميّ العبدالله.
ركّزت المداخلات على أهمية استنباط أفكار جديدة في برامج التعليم العالي في الدول العربية لبناء نظم تربوية وأخلاقية حول كيفية استعمال المعلومة في الاتجاه الصحيح. وأشارت الى أن الذكاء الاصطناعي وُجِد لخدمة الانسان وليس العكس مع احترام الملكية الفكرية التي يُطالب بتدريسها في الجامعة نظرًا لأهميتها وما ينبغي أن يترتب من معاقبة للمحاسبة والمساءلة.
العبدالله : نواقص كثيرة في عملية التكوين
بعد كلمة ترحيبية للدكتورة العبدالله بالمشاركين، نوهّت بأهمية هذه الندوات التي تناقش مواضيع مهمة في المجال الاعلامي، وأشارت الى ضرورة التفاعل حول موضوع تكوين الطلاب وتبادل الخبرات لأن لكل جامعة تجربتها الخاصة، مشيرة الى نواقص كثيرة في عملية التكوين؛ ما يستدعي إقامة ورش تدريبية لإعادة النظر في الأساليب والمناهج التعليمية التي تُطبّق حاليًا في الجامعات لما تحتاج من تعديل لمواكبة التطور التكنولوجي الحاصل. وقالت:” نواجه أنظمة اعلامية وأخرى تربوية متداعية، وظهور وسائل جديدة أحدثت ثورة حقيقة في مجال التكوين الأكاديمي، الأمر الذي أدّى الى ظهور مهن جديدة غيّرت المشهد ككل.كما نحتاج الى إعادة التفكير في المقاربات النظرية التي يتمّ تدريسها في الجامعات، وإعادة التفكير أيضًا في البحوث والمواضيع البحثية والأساليب التدريسية لمعرفة كيفية تكوين هذا الواقع الجديد”. ورأت العبدالله “أن الواقع الاعلامي يعتريه بعض الخلل لناحية الجانب الهرمي غير الديمقراطي، غياب الأمن الديمقراطي، غياب العلاقة بين الاعلام والمواطن التي تتجلى بعدم طرح مشاكل الناس وهمومهم في الاعلام”. واعتبرت أن الأمان ضروري على الصعيد العالمي أكثر منه على صعيد كل بلد لأن المسائل باتت متشابكة ولا يمكن حلّها بشكل جزئي ومنفصل لأن العالم مرتبط ببعضه البعض.
متبولي: احترام الأخلاقيات والمسؤولية المجتمعية
تحدث الدكتور متبولي عن التكوين المهني للطالب في كليات الاعلام في زمن الذكاء الاصطناعي، ورأى أن الذكاء الاصطناعي يشكل تحديّا حقيقيًا وجديًا بالنسبة للصحافي، من هنا طرح السؤال: هل يحل الذكاء الاصطناعي مكان الصحافي؟ شارحًا باسهاب حسنات وسيئات برنامج شات جي بي تي(ChatGPT) الذي أُطلق عليه اسم GPT-4 الذي يقدّم معلومات هائلة بسرعة كبيرة.
ولفت الدكتور متبولي الى ان هذا البرنامج تسلل الى قاعات وسائل الاعلام وبدأ الصحافيون يستخدمونه للإفادة من بنك المعلومات المخزن في كتابة نصوصهم الصحفية، لكن هذا الاستعمال يرافقه بعض التحفظ من قبل رؤوساء التحرير، انما في الواقع لا يهدد هذا البرنامج وجود الصحافي بل يشكل أداة فعالة تساهم في تنفيذ مهام ثانوية لا تتطلب وجود انساني.
ثمّ أعاد وطرح السؤال: هل هي نهاية الصحافي (محرر الأخبار) مع استخدام شات جي بي تي أم أنه يمارس مهنة معرضة للإندثار؟ ليؤكد بأن الصحافي كما تأقلم مع تداعيات طوفان الثورة الرقمية في عالم الاعلام سوف يتكيّف مع تداعيات ثورة الذكاء الاصطناعي.
وعرض بإيضاح التكوين المهني للطالب في كليات الاعلام في زمن الذكاء الاصطناعي مركزًا على إعادة النظر بالمناهج على ضوء هذه الثورة التكنولوجية، وضرورة تدريس ونقل ثقافة هذا الذكاء الى طلاب وصحافيي المستقبل وتدريبهم على استخدامه وكيفية الاستفادة منه في العمل الاعلامي.
وعليه، اقترح الدكتور متبولي سلسلة من الأفكار حول مضامين هذه المقررات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- إعداد الطالب ليكون صحافيًا جاهزًا لممارسة المهنة باكتساب الخبرات المهنية العملانية في قاعات التحرير وأمكنة الحدث وليس بتدريسه العمل الصحفي نظريًا فقط.
- ألا يكون التكوين المهني لصحافي الذكاء الاصطناعي على حساب الأسس التي ترتكز عليها مهنة الصحافة، أي يقتضي الحرص على التدقيق بمصدر الخبر، النزاهة والأمانة في كتابة النص واحترام الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية.
- الحفاظ على التوازن بين فعالية أدوات الذكاء الاصطناعي بجمع المعلومات والصفات الانسانية التي ينبغي أن يتحلى بها مثل الخلق والابداع والحس النقدي والتعاطف مع الاخرين.
- تعريف الطالب على الاستخدامات المحتملة للذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي، وتدريبه على طرق الاستخدام وكيفية الحصول على المعلومات وانتقائها بما يُسهم في توفير الوقت وتخصيص وقته بتحليل المعلومات وكتابتها.
- التركيز على تعريف الطالب بأن الذكاء الاصطناعي ليس له القدرة على محاكاة ملكة الخلق والابداع، والانسان الصحافي وحده قادر على التخيّل والابداع والقيام بالتحليل النقدي والتفكير.
وتطرق الدكتور متبولي الى أن الصحافة المكتوبة والاذاعية والمتلفزة والرقمية محكوم عليها اختيار طريق التكيّف مع التقنية الجديدة التي ولدت من رحم الذكاء الاصطناعي ودمجها في عملها الاعلامي خاصة ان تطبيق شات جي بي تي – 4 لديه امكانية توليد نصوص صحفية حول موضوع معين بناء على طلب الصحافي الموجود في غرفة التحرير. وخلص الى ان الذكاء الاصطناعي أحدث ابتكارًا ثوريًا في طريقة عمل الصحافي بمنحه ادوات تساعده على تحسين عمله في جمع وتقديم الأخبار ومراقبة مصداقيتها، لذلك إن المساكنة بين شات جي بي تي والصحافي ممكنة وهي تبشر بمستقبل واعد للصحافي الانسان الذي يجب ان يعتبر بأن الذكاء الاصطناعي هو صديق له وليس عدوًا وخطرًا يهدد وجوده بل شريكًا يعملان معًا في خدمة كتابة الخبر.
وقدّم أمثلة عملية لاستخدام شات جي بي تي في طرح بعض الأسئلة التي تتعلّق منها، بوضع مناهج جديدة أو مثلاً الكفاءات والصفات التي يجب ان يتحلى بها الأستاذ في زمن الذكاء الاصطناعي فحصل على أجوبة كافية في هذا المضمار.
الشامي: الذكاء الاصطناعي يفتقر الى الابداع والوجدانية
طرح الدكتور عبد الرحمن الشامي في مداخلته المعنونة ” التكوين الأكاديمي في عصر الذكاء الاصطناعي” سلسلة من النقاط التي فسّرها وشرحها باسهاب، منها: الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية والعملية التعليمية، كيفية اعداد الطالب الجامعي في عصر الذكاء الاصطناعي، متطلبات توظيف هذا الذكاء وتحدياته. كما قدّم تعريفًا محددًا لبرنامج شات جي بي تي الذي لديه القدرة على صياغة النصوص، المقالات، مقاطع الفيديو والمخرجات الفكرية والابداعية.
ورأى الدكتور الشامي ان الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية يشمل التعلم المخصص، المساعدات التعليمية الافتراضية، تحليل البيانات، إدارة الفصول الدراسية الذكية، تطوير المناهج والتعلم مدى الحياة. وسأل: كيف يمكن اعداد الطالب الجامعي في عصر الذكاء الاصطناعي؟ فأجاب من خلال النقاط الاتية: التدريب العملي والتطبيقي، التعاون بين الجامعات والصناعة، الشراكة، مراكز الابتكار، تعزيز التعليم المستمر، التربية على الأخلاقيات الرقمية، الوعي بالمسائل الأخلاقية، المسؤولية الاجتماعية، تعزيز الابتكار والابداع… ولفت الى ان متطلبات توظيف هذا الذكاء ترتكز على بنية تحيتة، الدعم الفني، تدريب هيئة التدريس، نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته والدعم المالي. وأشار الى ان أبرز تحديات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالعملية التعليمية تكمن في النزاهة الأكاديمية، الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، تراجع الثقافة والحساب الذهني، الكتابة اليدوية والافتقار الى الابداع والمشاركة الوجدانية.
وشدد الدكتور الشامي على أن التحدي الأكبر يكمن في المحتوى، إذ نحو 60% من المضامين على برنامج شات جي بي تي هي باللغة الانكليزية ولا تتجاوز نسبة المضامين باللغة العربية الـ 2%. فيعكس هذا المحتوى الثقافات التي يتمّ تدريب آلة الذكاء الاصطناعي عليها. وأشار الى الفجوة بين مراحل اتخاذ القرارات في الجامعات التي تأخذ وقتًا لا يتوافق والتطور التكنولوجي السريع، فالذكاء الاصطناعي يحمل مفاجآت وفيديوهات حديثة بوتيرة متطورة لا تُقاس بجهوزية المؤسسات التعليمية التي لا يتوفر لديها الدعم المادي واللوجستي.
وانتهت الندوة بنقاش حمل في طياته كل اهتمام من قبل المحاضرين والحضور لأهمية الموضوع المطروح الذي يُستكمل في ندوة ستعقد بعد أسبوعين.