بعد ترحيب من الدكتور طعمة بالمشاركين والحضور قال :”تبقى الجامعة اللبنانية رغم العثرات والانتقادات البوابة الكبرى أو أقله احدى البوابات التي يدخل منها شباب لبنان معترك صناعة مستقبلهم ومستقبل وطنهم وعالمهم العربي” . ورأى أنها “عابرة للمناطق والطوائف والطبقات الاجتماعية والايديولوجيات وهي مساحة التلاقي والانفتاح على الاختلاف “، مؤكداً أنها “مؤتمنة على تحقيق مبدأ ديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص لكل أبناء الوطن . والكل مجمعون على الدور المركزي الذي أدّته وتؤديه هذه الجامعة في تحقيق التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية”، لافتاً الى أن الجامعة اللبنانية تنوء تحت ثقل مركزيتها والشباب في المناطق النائية عاجزون عن الوصول اليها وأصحاب القرار مقيدون بمركزيتهم خائفون من اللامركزية. وسأل : هل تقدم الجامعة الوطنية لأبنائها الشباب الأفضل؟ كاشفاً أنها أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية عالية ،هي قضية هي رمز وهي ميزان يكشف مقدار الصحة والعافية في كيان الوطن ومستقبله. ولفت الى أن هذه الطاولة المستديرة سترد على تساؤلات عدة حول الجامعة اللبنانية ومستقبل شباب لبنان ، واستشراف رؤية لغدها واستخلاص عِبَر من تاريخها الى الكلفة في التعليم الجامعي وما يتمّ الجني منه واستجلاء صورة هذه الجامعة بما لها وما عليها .
سنو:ابعادها عن زواريب السياسة
وسأل الدكتور عبد الرؤوف سنو في ورقة بحثه : كيف نحافظ على هذا الصرح ونوفر له الدعم ، فالمطلب الاول هو استعادة الجامعة الى بيئتها الوطنية وابعادها عن زواريب السياسة . تراجعت بسبب السياسة الحزبية فأصبحت جامعات من دون هوية لبنانية ، فالفروع أصبحت مذهبية ولن تستقيم هذه الجامعة إذا لم تعد الى هويتها . فهي تحتاج الى جهود لاستعادة دورها الريادي واعتماد مناهج جديدة ، مشيراً الى بعض فروعها الذي لم يستوعب النظام الجديد لعدم فهمه لفلسفتها وإما لعدم وجود الكفاءة وإما لسبب التعطيل … كل هذا أفرّغ الجامعة من مضمونها . إن الجامعة اللبنانية تقدم المعرفة وتنمي القدرات الفكرية وهذا يتطلب اعادة النظر في المناهج لا سيما على مستوى الدراسات العليا التي تحتاج الى نخب طلابية ولا الى أعداد هائلة كما هو حاصل اليوم . وأشار الى أن نسبة 0,2 %فقط تُخصص من الناتج المحلي الذي يصرف على البحث العلمي في لبنان مقابل 5% في اسرائيل . كما حلّت الجامعة الأميركية في المرتبة الثامنة لترتيب الجامعات بينما الجامعة اللبنانية حلّت في المرتبة الثامنة والثلاثين .
وسأل : كيف ننهض بهذه الجامعة ولا يُخصص من موازنتها إلا 3% للبحث العلمي فيها . والجدير بالذكر أن أهم أهدافها هو رفد الكفاءات الى المجتمع وكيف ذلك وهي لا تتطلع الى حاجات سوق العمل لإعداد الطالب المنافس للذي يتخرج من الجامعات الخاصة . وتحدث عن نسب التخرج التي لا تعكس سوى الاكتظاظ في الكليات التي لا تتطلب امتحانات دخول ، ما جعل الفروع الطائفية تتسابق الى تخريج الطلاب لأهداف عديدة ما أدّى الى تدني المستوى ، هذا عدا عن فقر المكتبات ما يدفعنا الى المطالبة من جديد بانشاء المكتبة الوطنية . ولفت الى أن الجسم الاداري في الجامعة بحاجة الى التحديث والتطوير والاستعانة بمتخريجي الجامعة .
وقال في الجامعة : “إنها مؤسسة وطنية حقيقية ينبغي أن تقوم بالبحث العلمي لأهداف فكرية ابداعية من ناحية ولتلبية حاجة المجتمع من ناحية أخرى . وأن يكون الأستاذ المتفرغ طواعية وليس بالاكراه ، إنها بحاجة الى خطة وطنية للبحث العلمي وتحديد كوتا للطلاب الأجانب لئلا يشعر الأستاذ بأنه يحاضر في جامعة أجنبية” . وختمّ “نريدها حقاً حرماً وطنياً قوياً من أجل الشباب وكل لبنان” .
مراد: تحديد الأزمة وشروط النهوض بالجامعة
وطرح الدكتور محمد مراد في ورقته البحثية اشكالية حول إن الجامعة اللبنانية تتطور على قاعدة أزمة. وحدد أزمة الجامعة بمستويات أربعة: الأول : تلازم تطورها مع قطاع الخدمات المهيمن في الاقتصاد اللبناني، الثاني: ارتباطها بتوسع التعليم الرسمي، الثالث : غياب التخطيط الهادف إلى التوازن بين اتجاهات التخصص الجامعي وسوق العمل، الرابع : غياب المشروع الوطني اللبناني العام الذي يربط جدلياً بين المؤسسات والدولة الناجحة.
وفنّد هذه المستويات موضحاً آثارها على هذه المؤسسة الوطنية :
1- الجامعة وقطاع الخدمات : أظهر قطاع الخدمات حاجته إلى توفير كادرات تعمل في اطار عدد من المؤسسات السياحية والإدارية والمصرفية وغيرها. إلا أن التطور الذي عرفته الجامعة على هامش قطاع الخدمات لم يكن بالنسبة لها دليل عافية، بل عكس حالة مرضية حقيقية .
2- إرتباط الجامعة اللبنانية بتوسّع التعليم الرسمي: أن الشهادة التي تمنحها الجامعة عند التخرج مازالت حتى اليوم، تعطى تحت اسم “الاجازة التعليمية” مما يؤكد الغاية الاساسية التي أنشئت من أجلها الجامعة أي الايفاء بحاجات التعليم الرسمي الثانوي بشكل خاص. من هنا، فإن أية خطة تهدف إلى إعادة النظر في الوضع الجامعي، عليها، وقبل كل شيء، أن تعيد النظر جذرياً بواقع التعليم الرسمي والخاص بكل مراحله، لما لهذا التعليم من تلازم وثيق الصلة والتأثير في واقع الجامعة اللبنانية نفسها.
3- اتجاهات التخصص الجامعي وسوق العمل: عكست الجامعة اللبنانية، منذ نشأتها، اتجاهات الأكثرية الساحقة من الفئات الشعبية، التي رأت أن مستقبلها يكمن في ترسيخ دعائم الاستقلال الوطني على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لقد جاءت الجامعة كرد فعل على الارستقراطية العليا من أصحاب الامتيازات الموروثة . لذلك، انبرت “نخبة السلطة” لمحاربة أي توجه يهدف إلى تعزيز الثقافة الوطنية، من خلال تهميش الجامعة اللبنانية، والابقاء على دور هزيل لها مقصور على الامور الاتية : تقديم ثقافة نظرية غير متكافئة مع حاجات سوق العمل ، تخريج دفعات من الطلاب سنوياً الى سوق البطالة أكثر منهم الى سوق العمل، تغييب الجامعة وتهميش دورها في عملية البناء الوطني، التراجع المخيف في مستوى الجامعة واختلال بنيتها الادارية والتعليمية والانتاجية .
وخلص الى شروط النهوض بالجامعة:
أولا: إنشاء هيئة تخطيط جامعية مختصة ونزيهة تقوم بإعداد الدراسات والخطط الهادفة إلى تفعيل دور الجامعة وانتظام التكافؤ بين انتاجية المعرفة الجامعية مع حاجات المجتمع اللبناني حاضراً ومستقبلاً.
ثانياً : تعزيز ديمقراطية الجامعة لجهة انهاء الاحتكار الميليشوي المسيطر عليها إدارة وهيئة نقابية وتعليمية.
ثالثاً : إعادة النظر جذرياُ في بنية المناهج الجامعية وجعلها أكثر استجابة لمتطلبات التحديث والمعاصرة، ومواكبة التطور العلمي، ليس في مجاله النظري فقط، إنما في مجال تحويل العلم إلى معارف في الانتاج.
رابعاً : توفير كل ما من شأنه أن يساعد على البحث والتطوير من توفير امكانيات مادية، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة .
وختمّ “الجامعة اللبنانية مازالت تمثل معقد الرهان الأكبر في صناعة مداميك البنيان الوطني الحقيقي. لذلك فإن عملية استنهاضها وتجديدها باتت ضرورة وطنية ملحة ينبغي تجنيد كل الطاقات وتوفير كافة الوسائل من أجلها. إنه التحدي الذي يواجه كل لبنان – الوطن، لبنان – الدولة المدنية الديمقراطية، لبنان – الرسالة الحضارية المتوهجة دائماً في التاريخ”.
أبو شقرا: ملاحظات على مشروع تقييم الجامعة
وانطلق الدكتور رمزي أبو شقرا في مداخلته من مشروع تقييم الجامعة اللبنانية الذي جرى في العام 2003 والذي كانت له مساهمة فيه . وقدم محاور بُنيت عليها مشروع تقييم الجامعة. ورأى أن العلاقة بين الجامعة اللبنانية والوطن علاقة جدلية وجدلية بامتياز وبمقدار ما تساهم هي في بنائه يساهم هو في بنيانها وحدد هذه العلاقة بنقاط عدة منها على سبيل لا الحصر:
1- تحديات حقيقية تواجه الجامعة .
2- المواطنية وبناء المواطن .
3- الموازنة بين العدد والنتيجة (القدرة على استيعاب الطلاب والامكانيات المتوفرة).
4- ربط الجامعة بسوق العمل مباشرة عبر المؤسسة الوطنية للاستخدام .
5- تضييق المساحة بين الطبقات العلمية في الجامعة لأن الطبقية قائمة، والبحث المتميز موجود انما هناك نظرة طبقية للآخرين .
6- ضخ الشهادات من دون كفاءات ومهارات .
7- السهر على موضوع لغة التعليم أو اللغات ، إذ ان ورقة تقييم الجامعة لم تُشر اليه إلا بأسطر قليلة .
8- تجميع أو تفريع الجامعة ، وهي مشكلة سياسية بامتياز ، إذ من الضروري الاصغاء الى الأصوات المخلصة التي تتطالب بصهر المواطنية من خلال صهر الحياة الجامعية بروحها الحقيقية حيث التدرب الصبور على الحجاج والخطاب البرهاني والحوار القائم على الاصغاء .
9- متى يلتقي الشباب اللبناني اذا لم يلتقوا على مقاعد الدارسة الجامعية وفي حرم الجامعات .
10 -العلاقة مع الجامعات الأخرى ، ومن الصعب تحقيق الناحية المادية ، وهناك قرار ألزم أساتذة التفرغ بالتخلي عن التعليم في الجامعات الخاصة ، كيف تتكّون هذه المادية وكيف تكون احتضانية مساعدة ومواكبة وتكّون انفتاحاً، لا سيما ان الجامعة اللبنانية لا تحمل عُقداً من أي أحد ، خرّجت قيادات انما ننسى ما في الذاكرة .
11- منح التعليم للمتفوقين ، أي المطالبة باعادة المنح في الجامعة .
12- لا ديمقراطية في الوطن اذا لم نكتسب بناء خطوات الديمقراطية في الجامعة والسهر على التعليم وإزالة الحواجز بين مراحل التعليم كافة .
13- الجامعة اللبنانية دماء خاسر ورهان خاسر ، كلما ظنّ الرابح مدعوماً سياسياً فانه رابح ، السقف العالي ضرورة حيوية ولا يرتفع السقف إلا بأهله .
14- الحياة الجامعية الصحية تؤسس لحياة نقابية سليمة وحياة حزبية حقيقية ويلي ذلك صراع سياسي راقٍ بمفهومه الحقيقي والأكثر تحقيقاً لمصالح المجتمع . السياسة نزلت الى درك يجب أن ترتفع منه من جديد للتطلع الى الغد .
15- الجامعة اللبنانية تساهم في البطالة المقنعة في لبنان . الطلاب لا يجدون عملاً ، فكيف نعالجه ؟ بالتخطيط طبعاً وردم الهوة بين ما هو نظري وما هوعملي أي بين الدراسات النظرية والتعليم المهني .
16- الاهتمام بالمتعلم في المدرسة (من خلال كلية التربية) فهي قضية خلافية .
17- الوطن يذوّب الطائفية ويسمو بالروح الى الديانة الحقيقية ، فذابت المواطنية وسُفحت .
18- لا لصورة جامعة الفقراء في لبنان ، تصور قائم عند الكثير ، ينبغي تغيير هذه الذهنية لأنها قبيحة جداً . فالجامعة قائمة على أساس التفوق .
19- النخبوية في العلم لا تتعارض والديمقراطية في طلب العلم ، التعلم حق للجميع وعندما تأتي لحظة الامتحان والمساءلة عندها يُعطى للطالب كل الامكانيات ورفده بالمعلومات ومن حق الأستاذ أن يسأله ماذا تعلم . الديمقراطية بأن يحصل الطالب على شهادة فهذا خطأ مميت بل أن يكون جديراً بهذه الشهادة .
20- الوطن بحاجة الى تاريخ ومن يكتب تاريخه . الجامعة تاريخ أساسي . ونعم لجامعة حقيقية فيها المهارات القيّمة .
حجار: ايجابيات وسلبيات والمسؤولية على الاعلام والجامعة
وألقى الصحافي غسان حجار مداخلة تطرق فيها الى الجامعة من ناحية والاعلام عموماً من ناحية أخرى، ورأى أن “بعض التعامل الاعلامي مع الجامعة ظالم وتحكمه الانانيات والمصالح ، لكن المسؤولية لا تقع دوماً على الاعلام لأن صورة الجامعة غير ناصعة وواقعها أليم خصوصاً أن أساتذتها الذين يدرسون في الجامعات الخاصة يضطرون التزام الوقت والمقررات في تطبيق حرفي ودقيق فيما يتبدل هذا الواقع في الجامعة اللبنانية”.ولخص ايجابيات الجامعة اللبنانية بخمس نقاط والسلبيات بخمس أيضاً ، في الايجابيات :
– الجامعة اللبنانية حاجة ضرورية وهي التي تؤمن ديمقراطية التعليم العالي في لبنان .
– حققت أفضل النتائج العلمية في كليات يُشهد لها .
– في الجامعة خيرة الأساتذة وتستعين بهم الجامعات الخاصة وهم قادرون على رفع المستوى الى أعلى الدرجات .
– إن بعض أبنية الجامعة خصوصاً المدينة الجامعية في الحدث تفوق أهمية احرام جامعات خاصة تستأجر مبنى من هنا ودكاناً من هناك .
– إن طلاب الجامعة معظمهم من الأكثر كفاءة ومن المكافحين للعلم ويمكن الاعتماد عليهم .
أما السلبيات فهي :
– الجامعة اللبنانية لا تحقق أفضل النتائج في كليات كثيرة بسبب الترهل في ادارتها وسوء أداء بعض أساتذتها الذين يضمونون استمرارهم بفضل الدعم السياسي .
– إن سوء الادارة يقود الى تدني المستوى ، إذ تعتمد في امتحان الدخول علامة متضاربة بين فرع وآخر في الكلية ذاتها .
– اهمال الجامعة للغات الأجنبية .
– عدم ضبط عمل الأحزاب في الجامعة اللبنانية بما يسيء الى صورتها حيث تتحول الفروع مرتعاً لأحزاب من لون معين فتحرم الاخرين التعلم فيها بل تصبح غالباً مركزاً للمناوشات إن لم نقل الصراعات ويصبح الهروب منها هدفاً .
– إن الصورة السيئة للجامعة في الاعلام مسؤول عنها أهل الجامعة أنفسهم إذ بخلافاتهم وتنافسهم السلبي على المواقع يسربون اخباراً وفضائح تسيء الى صورتهم وهذا ما لا يجرؤ على القيام به أساتذة في الجامعات الخاصة .
هذا ويستمر المعرض الى الثامن عشر من تشرين الثاني الجاري ، يفتح أبوابه من العاشرة صباحاً الى التاسعة مساءً.