نيافة أخينا مار ثيوفيلوس جورج صليبا ممثّل قداسة أخينا مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس
الإخوة الأجلاّء أصحاب السيادة آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية،
حضرات الخوارنة، والآباء الكهنة
ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ، ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ
نحيّيكم تحيّة المحبّة والسلام من لدن أبينا والرب يسوع المسيح، شاكرين تلبيتكم دعوتنا للحضور والمشاركة في أعمال سينودسنا الأسقفي في دورته العادية لهذا العام 2013، فنتداول في شؤون كنيستنا ومسيرتها خلال العام المنصرم، منذ انعقاد مجمعنا الأخير في أيلول 2012.
كنّا نودّ لو نتوجّه بتحيّة محبّة أخوية خالصة إلى قداسة الأخ الكبير مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص الكلّي الطوبى، الذي كان سيشاركنا شخصياً في افتتاح سينودسنا هذا، ولكنّه أُدخِل إلى المستشفى حسبما أُعلِمنا البارحة ليلاً، نصلّي من أجل شفائه العاجل.
لذا يطيب لنا أن نرحّب بصاحب النيافة أخينا مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس وسكرتير المجمع المقدّس للكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، الذي أصرّ أن يشاركنا في هذه الجلسة الافتتاحية باسم قداسته، تعبيراً عن عمق محبّته، وتأكيداً على أنّنا بحق كنيسة واحدة وشعب واحد موحَّد بالتقليد والتراث وباللغة السريانية المقدّسة، لغة ربّنا يسوع المسيح ووالدته الطاهرة ورسله الأبرار. وإنّ الأمل يغمرنا بغدٍ مشرق تسرّع فيه كنيستانا الخطى وصولاً إلى الوحدة الكاملة المنشودة، أمنية إكليروس الكنيستين والمكرَّسين والمؤمنين فيهما.
ولا يغيب عن بالنا اللقاء المسكوني التاريخي الأخير الذي جمعنا بقداسته، إذ احتفلنا معاً برتبة السجدة للصليب ودفن المصلوب يوم الجمعة العظيمة، في كاتدرائية مار يعقوب السروجي ـ جبل لبنان، بدعوة كريمة من نيافة أخينا المطران جورج صليبا.
أيّها الإخوة الأجلاّء، نشكر الله تعالى لإنعامه على كنيستنا الجامعة بانتخاب قداسة أبينا البابا فرنسيس، رسول المحبّة والسلام، وبابا الفقراء والمتواضعين، سائلين الله أن يأخذ بيده ويؤيّده في كلّ عمل يقوم به، إعلاءً لراية الكنيسة ونشر إنجيل مخلّصنا وفادينا في سائر أرجاء المعمورة. وقد تشرّفنا بلقاء قداسته غير مرّة، ولمسنا قربه الروحي والشخصي من أبناء الكنيسة، واهتمامه البالغ بشؤون الكنيسة في الشرق.
وكلّنا نذكر بمحبّة وعرفان وامتنان حبرية قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، وخاصةً زيارته الأخيرة إلى لبنان، وكانت آخر محطّاتها في ديرنا هذا، دير الشرفة، حيث تمّ اللقاء المسكوني، مختتماً بلقائه هذا زيارته الأخيرة خارج الفاتيكان. ندعو له بالصحّة والعافية.
ولا يفوتنا أن نرفع الصلاة والدعاء راحةً لنفس أخينا المثلّث الرحمات مار يوليوس ميخائيل الجميل المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، الذي غادر هذه الفانية منتقلاً إلى ملكوت السماء في 3 كانون الأوّل المنصرم، وقد ودّعناه إلى مثواه الأخير بمأتمٍ مهيب ترأّسناه في كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش. رحمه الله، ومتّعه بنصيب الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء. كما نترحّم على روح الأب الشهيد فرانسوا مراد الذي قدّم حياته على مذبح الشهادة في سوريا، ونعزّي أهله وذويه وأبرشيته، أبرشية الحسكة ونصيبين، بشخص راعيها أخينا مار يعقوب بهنان هندو. ونسأل الله أن يتغمّد روح الأب فرانسوا، كما سائر أرواح الشهداء والشهيدات في فردوس النعيم.
نفتتح سينودسنا اليوم وقلوبنا يعتصرها الألم جراء الإضطرابات السائدة في منطقتنا المشرقية. فبعد المآسي والنكبات التي حلّت بكنيستنا السريانية في تركيا، ثمّ لبنان، والعراق، تجتاز سوريا أوضاعاً مأساوية منذ أكثر من ثلاثين شهراً، نتيجة أعمال العنف الدامية التي تعصف بها، وتنذر بأوخم العواقب إذا ما استمرّت بالشكل الذي اتّخذه أعداء الحرية الحقيقية المتآمرون على ذلك البلد. كلّ هذه الشدائد أصابت كنائسنا ومؤسّساتنا بل أبناءنا وبناتنا في صميم حياتهم ووجودهم، ونكبت البشر والحجر، منتجةً واقعاً قد لا ندرك حقيقته إلاّ بعد جيلين أو ثلاثة.
وفي هذا المقام نثني على صمود أبنائنا وبناتنا في سوريا، في أبرشياتنا الأربع من دمشق وحمص إلى حلب والجزيرة، ونحيّي بشكل خاص سيادة أخينا المطران مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، الغائب عنّا بالجسد بسبب المعوقات الأمنية وأخطار السفر. ولكنّه أكّد لنا في مكالمة هاتفية أوّل أمس أنه حاضرٌ معنا بالروح، يشاركنا الرجاء كي يحلّ الأمن والسلام في أبرشيته وفي بلده.
وهنا لا يسعنا إلاّ أن نصلّي متضرّعين إلى الرب، مع جميع إخوتنا من إكليروس ومؤمني الكنائس الشقيقة، كي يفكّ أسر صاحبي النيافة مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم مطران حلب للسريان الأرثوذكس وبولس اليازجي مطران حلب للروم الأرثوذكس، اللذين اختُطفا بعملية إرهابية في 22 نيسان الماضي. كما نصلّي من أجل إطلاق سراح الكاهنين المخطوفين وسائر المخطوفين الأبرياء، ومن أجل الشهداء، ضحايا الحرب المجرمة التي فرضت على هذا البلد، مندّدين بأقصى العبارات بالمخطّطين والمموّلين لها، دولاً ومجموعات.
إنّ هذه المرحلة هي من أخطر المراحل التي عرفتها المسيحية في منطقتنا المشرقية. فبسبب الإضطرابات التي تعاني منها سوريا، كما بلاد الرافدين والنيل، أضحت ظاهرة الهجرة القسرية للمسيحيين واقعاً فرض نفسه، لأنّ الصراعات الطائفية باسم الدين، تزداد متنقّلةً من بلد إلى آخر، ولأنّ الإرهاب الوحشي روّع الآمنين في أراضي الآباء والأجداد.
من هنا نلاحظ خيبة المسيحيين كما سائر الأقلّيات في بلدان الشرق الأوسط، من النهج الذي اتّخذه ويصرّ على اتّخاذه المسؤولون السياسيون في العالم الغربي. فهم يغذّون العنف بكلّ الوسائل، وذلك بالإسم المزيَّف للحرية والديمقراطية والتعدّدية، بينما يغمضون أعينهم على أنظمة لا تزال تجمع بين الدين والدولة وتحرم أقلّيات دينية من حقوقها الإنسانية الأساسية باسم دين الأغلبية. فالحلول المنشودة للأزمات الراهنة في الشرق الأوسط لن تتحقّق بالتصاريح الرنّانة والشعارات البرّاقة، بل بالعمل الجدّي لفرض احترام شرعة حقوق الإنسان المدنية لجميع المواطنين دون تمييز. وعلى الدول المُحِبَّة للسلام والعدل أن تتنادى لتحقيق المبادئ التي عليها قامت الديمقراطيات الحديثة، ومن أجلها بذلت شعوبها التضحيات الجمّة، فلا تتجاهل هذه المبادئ على مذبح المادّة والابتزاز المالي.
إنّ المسيحيين المشرقيين يشكّلون مكوّناً عريقاً وأميناً لقضايا شعوب بلادهم، ولهم الحق أن يشاركوا سائر المكوّنات في البلد الواحد، في المواطنة الحقة وغير المنقوصة. كان المسيحيون وما زالوا، يدافعون عن هويتهم الوطنية، ويفتخرون بمساهمتهم في نموّ بلدهم، بالطريقة الحضارية التي دعتهم العناية الإلهية أن يشهدوا لها، بمحبّة وبروح العيش الواحد، يتقاسمون مع سائر المواطنين حلو الحياة ومرّها. لذا فهم يثقون بوعد مخلّصهم الرب يسوع وعهده الصادق الأمين، الذي يشدّد ضعفهم، ويحثّهم على مواصلة السير في دربه، بروح الشركة والشهادة لإنجيل المحبّة والعدل والسلام، مهما اعترت طريقهم من صعوبات وواجهتهم من تحديات.
بهذا الإيمان المفعم بالرجاء والثقة بأنّنا نحن الذين نلنا نعمة التبني لله، قد رسمَنا الله على كفّه، وهو يكلأنا بحمايته ويرعانا بعينه الساهرة، على ما قال النبي أشعيا عن أورشليم: "هاءنذا على كفي رسمتكِ، وأسواركِ أمام عينيَّ في كل حين" (أشعيا 49: 16). فنحن أبناء الكنيسة المقدّسة، عروس المسيح، نتلمّس حضور الله كلّ حين في حياتنا. فهو الراعي الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للإنطلاق في جدّة الحياة بإيمان ثابت لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد: "فهو الذي يعزّينا في جميع شدائدنا لنستطيع، بما نتلقّى نحن من عزاء الله، أن نعزّي الذين هم في أيّة شدّة كانت"، كما يؤكّد لنا مار بولس رسول الأمم (2 كور 1: 4).
وإنّنا إذ نشكر الله الذي سهّل لإخوتنا الأساقفة أن يشاركوا في أعمال هذا السينودس، وبخاصّة القادمين من أبرشيات سوريا، نجد أنّه من واجبنا أن نجسّد تمنّياتنا وأدعيتنا وصلواتنا بتفعيل روح التضامن والتعاضد، لتخفيف آلام المؤمنين ومساعدتهم على متابعة الشهادة لربّهم في أرض الآباء والأجداد، وكنا قد لبّينا دعوة قداسة أبينا البابا فرنسيس، فكرّسنا يوم 7 أيلول للصلاة والصوم من أجل إحلال السلام في سوريا والشرق. وسعَينا وما زلنا لتخفيف آلام محنة النزوح المهينة التي يمرّ بها إخوة وأخوات لنا، أُرغموا على الهجرة، فأقاموا مرغَمين فيما بيننا. وما زال الكثيرون يقاومون تجربة التغرّب وراء البحار، متّكلين على الرحمة الإلهية وعلى محبّتنا الفاعلة وتضامننا الصادق مع مأساتهم وقضاياهم المصيرية.
كما نحيّي لبنان، موئل الحضارات والحريات، وندعو لهذا البلد الغالي بالاستقرار والازدهار، وبتفعيل المحبّة والألفة والتضامن بين مختلف مكوّناته، ليبقى نبراساً حضارياً لبلدان الشرق. ولن نألوَ جهداً لنذكّر المسؤولين فيه، بإنصافنا نحن السريان بما نستحقّه من حقوق في مرافق الدولة ومؤسّساتها.
سنناقش في سينودسنا موضوع الإصلاح الليتورجي في كنيستنا السريانية، وكنّا قد درسناه سابقاً، وشكّلنا لجنةً طقسيةً ليتورجية قامت بجهود كبيرة نشكرها عليها. فسنعكف على متابعة العمل في هذا الموضوع، محافظين على تقاليدنا العريقة التي نتشارك بها مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة.
وسنعالج موضوعاً بالغ الأهمّية في حياة كنيستنا، وهو الكهنوت الخدميّ في الشرق وبلاد الانتشار، من التنشئة، إلى الرسامة، فالخدمة الراعوية في الأبرشيات، والعلاقات بين الكاهن ورئيسه الكنسي، والشراكة والانفتاح بين الكهنة، وأوضاع الكهنة الدارسين في الخارج.
وكما هو محدّد في جدول أعمال السينودس، سنستمع إلى تقارير تتناول شؤون أبرشيّاتنا وإرساليّاتنا ومؤسّساتنا في الشرق وعالم الانتشار، إضافةً إلى مؤسّساتنا الرهبانية وإكليريكيّتنا البطريركية، والوكالة البطريركية لدى الكرسي الرسولي، وملء المقعد الشاغر بين أعضاء السينودس الدائم، وتسمية زائر رسولي لإرساليّاتنا في أوروبا، وسواها من المواضيع التي سيطرحها آباء السينودس.
ولا ننسى أن نوجز أبرز الأعمال والنشاطات التي قام بها كرسينا البطريركي منذ انتهاء السينودس الماضي حتّى اليوم، ولعلّ من أبرزها وأهمّها:
المشاركة في الجمعية العامّة العادية الثالثة عشرة لسينودس الأساقفة حول "البشارة الجديدة لنقل الإيمان المسيحي"، ضمن إطار سنة الإيمان.
إختتام التحقيق الأبرشي في دعوى تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي مطران جزيرة إبن عمر في تركيا، وملفّ الدعوى الآن أمام مجمع دعاوى القدّيسين في الفاتيكان.
المشاركة في احتفالات بدء حبرية قداسة أبينا البابا فرنسيس، وتولية الإخوة البطاركة: تواضروس الثاني، يوحنّا العاشر اليازجي، لويس روفائيل الأوّل ساكو، وابراهيم إسحق.
زيارات أبوية راعوية ورسمية إلى أبناء كنيستنا وبناتها في العراق ومصر، والوكالة البطريركية في روما، وفرنسا، والمملكة المتّحدة، والولايات المتّحدة الاميركية، وكندا. وقمنا بزيارةٍ هي الأولى إلى رعايانا وإرساليّاتنا في أستراليا وهولندا. وفي هذه الزيارات كلّها، تفقّدنا شؤون الأبرشيات والإرساليات السريانية، فشجّعنا الكهنة في خدمتهم، وثبّتنا المؤمنين مستمعين إلى همومهم ومطّلعين على حاجاتهم، وقمنا بزيارات إلى بعض المسؤولين الرسميين، وإلى عدد من الإخوة الأساقفة رعاة الكنائس الشقيقة.
ألقينا كلمات عن الأوضاع في الشرق ضمن شهادة أمام مجلس رؤساء الأساقفة في الولايات المتّحدة الأميركية الذي عُقد في تشرين الثاني 2012 في مدينة بلتيمور ـ ولاية ميريلاند، وفي مؤتمر من تنظيم رسالة مريم العذراء سيّدة فاتيما، بعنوان "رسالة سيّدة فاتيما، طريق نحو السلام"، في مدينة نياغرافولس ـ كندا، في أوائل أيلول المنصرم.
تابعنا الإعداد لمشروع مار يوسف السكني في الفنار، ونأمل أن نستحصل قريباً على الرخص اللازمة للشروع ببناء مئةٍ وخمسين شقّة شكنية لشبابنا.
القيام ببعض أعمال الترميم في ساحة دير الشرفة، والبدء بترميم أسطحة إكليريكية دير الشرفة وإكسائها بالقرميد.
وأقامت كنيستنا بهمّة الشمّاس يوسف ضرغام، معرض مخطوطات دير الشرفة في جامعة الروح القدس الكسليك، في أيّار الماضي، وتضمّن ما يزخر به تراثنا من كنوز ثمينة تضمُّها نفائس الكتب والمخطوطات.
أجدّد شكري لحضوركم، وإذ أكِل أعمال سينودسنا إلى عناية الرب وهدي أنوار روحه القدّوس، تحت أنظار أمّنا مريم العذراء والدة الإله سيّدة النجاة، وشفيع كنيستنا مار أفرام، وجميع القدّيسين والقدّيسات والشهداء والشهيدات، أسأل الله أن يؤهّلنا للعمل سويّةً يداً بيد بشراكة سينودسية ملؤها المحبّة والحقّ، فنقدِّم ما هو لخير كنيستنا المقدّسة وبنيانها، سيّما وأنّ أبناءنا وبناتنا، إكليروساً ومؤمنين، يشخصون إلينا متطلِّعين إلى ما سنقوم به تعزيزاً لشهادتنا. ܬܘܕܝ ܣܓܝ.
دير الشرفة في 2/10/2013
زينيت