وتضيف دراسة اريكسون الصادرة نهاية الشهر الماضي أن المستهلك أي كل من يحمل الخليوي بات من العناصر القوية وذات الثقل في تقرير مستقبل المحتوى المقدم عبر الإنترنت. وقد تمكن المستهلك من تعزيز سيطرته على المحتوى الإعلامي الذي يتابعه بحيث أصبح في إمكانه اختيار ما يريد متابعته في الزمان والمكان وعبر الجهاز الذي يريده. أي بمعنى آخر بات يمتلك حرية في استهلاك المواد الإعلامية. طبعا الحرية المذكورة هنا هي نسبية لأنها مشروطة بامتلاك القدرة المالية. وتشير دراسات أخرى إلى أن 45 في المئة من مستهلكي المواد الإعلامية في الولايات المتحدة مثلا يمتلكون محتوى إلكتروني عبر الإنترنت. وتضيف اريكسون في دراستها أنها تتوقع أن يصبح الخليوي هو الجهاز الأساسي للإتصال بالإنترنت سنة 2020. وبغض النظر عن صحة هذا التوقع، يكفي الرقم المذكور للدلالة على أن كل صانعي الأجهزة ينوون من اليوم فصاعدا أن يوفروا قدرة الإتصال بالإنترنت لأن المستهلكين يريدون ذلك.
ونتيجة للزيادة في عدد المشتركين والنمو المتوقع في مجال المحتوى الرقمي، تتوقع اريكسون أيضا أن يرتفع حجم سوق الدفع عبر النقال إلى أكثر من 600 مليار دولار بحلول سنة 2013 وأن تصل قيمة الإعلانات عبر شبكة الإنترنت إلى 50 مليار دولار بحلول سنة 2012. ويمكن التحفّظ على هذه الأرقام أيضا، لكنها مهمة من حيث دلالتها على الإتجاه الذي تسير فيه الأمور في عالم الانترنت والاعلانات والخليوي.
بالعودة الى الأرقام بلغ عدد حملة الهاتف الخليوي عام 1999 نحو 320 مليونا. وكان الخليوي يشكل حينها "إمتيازا" تملكه قلة من بين النخب حول العالم. وللتذكير فإن عدد مشتركي الهاتف الثابت في ذلك الوقت عالميا بلغ 840 مليونا. ولم يتخطَّ عدد مشتركي الإنترنت حينها 186 مليونا. والأرقام المذكورة تأكدها مصادر عدة من بينها الاتحاد الدولي للاتصالات وبعض أهم جمعيات الإتصالات والمعلوماتية ومراكز الدراسات والأبحاث. وتضيف تقارير المنظمات المختصة أن عدد مشتركي الخليوي اليوم حول العالم قد تخطى بالفعل 4.7 مليارات وهذا يعني على الأقل أن عدد إشتراكات الخلوي قد تخطى عدد إشتراكات الثابت بأشواط. وهنا ينبغي التوقف عند احتمالات "إنقراض" الثابت، وهي توقعات سبق أن أطلقها المتابعون خلال الأعوام الماضية.
ويلفت النظر في دراسة اريكسون، التوصيات التي أطلقتها، فهي دعت الى إجراء تغييرات جوهرية في الأنظمة العالمية التي تدير قطاع الاتصالات العالمي. وتأتي الدعوة هذه إنطلاقا من مبررات موضوعية، فالتغيّر أو التحوّل التكنولوجي الحاصل يستدعي بطبيعة الحال إجراء إستعدادات لتغيير القواعد والسياسات التي تضبط إيقاع القطاع حول العالم. وتقول الدراسة أنه نظرا الى التحول الذي ظهر اخيراً، على سلوكيات المستهلك نتيجة لتطور وتبني عدد من التقنيات المختلفة، يشهد الواقع الإعلامي نموا ملحوظا.
لذلك ثمة سوق عمل جديدة وهي تحتاج إلى إعادة النظر في أهداف السياسات المنظمة للقطاع. وتدعو اريكسون إلى إجراء بعض التعديلات والتغييرات على أنظمة القطاع الموجودة حاليا و"التي غالبا ما تكون غير مترابطة". وحول مسؤولية الهيئات الناظمة تقول انه لا يجب على هذه الهيئات السعي لتنظيم التكنولوجيا، بل عليها تنظيم الخدمات المرتبطة بها كلما لزم الأمر. وتضيف: "في مثل هذا العالم الحافل بالتقنيات، ليس من المنطق أن نقوم بتنظيم التقنيات" معتبرة أن الأهم في هذا المجال هو وضع السياسات الكفيلة تحقيق النمو المستمر ودعم التنمية الاقتصادية. أما بالنسبة الى صانعي السياسات، فيمكنهم إيجاد الانسجام والتوافق اللازمين بين الأنظمة والتشريعات الخاصة بالقطاعات المرتبطة بالإعلام كقطاع الاتصالات والمعلومات والإعلام والترفيه. وبالتالي توفير مساحة متكافئة لجميع الأطراف ليكون لها دور في السوق.