كانت كلمة الحريري راعي الافتتاح مقتضبة، إذ اقتصرت على تحية النادي الثقافي العربي ودور النشر والكتّاب والمفكرين، وقد اعتبر المعرض «مناسبة للتفاعل الديموقراطي»، و«ثروة ثقافية علينا أن نعرف كيف نحافظ عليها». كانت الكلمة بعيدة عن السياسة، بخلاف ما كانت عليه الحال في سنوات سابقة، فلم يكن الافتتاح منبراً للمواقف السياسية، ما يعيدنا بعض الشيء إلى العنوان الثقافي الأصلي للمعرض، أي إلى البدايات، حيث كان المعرض في دورته الأولى برعاية قسطنطين زريق، وفي دورته الثانية برعاية ميخائيل نعيمة.
في أي حال، لا يزال المعرض، منذ بداياته، يشكل عصب الأنشطة الثقافية في لبنان، وإن غابت عنه في سنيّه الصعبة نجوم الثقافة العربية، وما زالت تغيب لسبب آخر هو ضعف الإمكانيات. لا يزال ينتظره الجميع، حتى بعض العرب ينتظرون عميد معارضهم هذا، فالكتاب يؤخذ منه طازجاً، والدور المشاركة تكشف عن جديدها فيه، وحرارة التواقيع على ارتفاع هذا العام، والندوات حول جديده تزداد سنة بعد سنة. بل إن جاذبية معرض بيروت تأتي أولاً وآخراً من الحرية التي تفتقدها معارض عربية أخرى.
في الافتتاح، الذي قدمه علي بيضون، أكّد رئيس النادي الثقافي العربي عمر فاضل أن «الكتاب تحول إلى مجد من أمجاد بيروت»، وأشار إلى ملتقى الروائيين العرب واللبنانيين، الذي يعتبر أهم أنشطة المعرض، ولم ينس ذكر الشهيد الرئيس رفيق الحريري، والتذكير باهتمامه بالمعرض، لافتاً إلى كتاب أيمن تراوي، كحدث في المعرض، وقد بلغ وزنه 1025 كلغ، فدخل موسوعة «غينيس»، وهو يمجّد إنجازات الحريري بالصورة والنص.
ورأت سميرة عاصي، نقيبة الناشرين اللبنانيين، أن للمعرض وقعاً خاصاً بوجوده في إطار «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، ووجهت «نداء إلى السياسيين العرب، خصوصاً اللبنانيين، كي ينتبهوا إلى دعم الصناعة الورقية بعدما جعل عالم الاتصالات والمعلومات الحاسوب مكتبة عالمية».
معرض بيروت، الذي كان يحدد بدء تقويم سنة الكتاب العربي ذات يوم، يمكنه أن يحافظ على دوره، إذا تحولت الرعاية الرسمية سنوياً إلى دعم مالي ثابت، يتيح للمسؤولين عن المعرض رفع مستوى الأنشطة الثقافية العربية والدولية، كي نستعيد دور بيروت الثقافي الريادي، ودور الكتاب في أن يكون سلعة لبنانية مطلوبة في الخارج، ورسالة حضارة منفتحة على العالم.
إلى ذلك، تعرض «السفير» في جناحها في المعرض مجموعة إصداراتها من «الكتاب للجميع» إلى جانب مطبوعاتها الأخرى.
تحقيق: سيرة الآباء اللعازاريين في لبنان: 225 سنة من عينطورة إلى دمشق
بدأت الإرسالية بكنيسة صغيرة من غرفتين، واحدة للصلاة والتبشير وأخرى للتدريس. وشكّلت عينطورة نقطة انطلاق للآباء اليسوعيين إلى عدد من المناطق اللبنانية.
وفي تاريخ هؤلاء أن بعضهم مات بسبب الأمراض التي كانت منتشرة آنذاك.
ولأسباب «بابوية»، تم استبدال هذه الإرسالية بمؤسسة ثانية، باسم الآباء اللعازاريين الذين توزعوا في المشرق، وأقاموا مؤسسات تابعة لهم في حلب وطرابلس ودمشق وعينطورة.
انكب الآباء والكهنة على العمل الاجتماعي، خاصة أن بعض هؤلاء الكهنة كانوا أطباء، فكرّسوا أنفسهم لمساعدة المرضى والناس. وفي ظل المشاكل بين كنائس الموارنة والكاثوليك، حينها، أدّى هؤلاء الآباء دور صلة الوصل بين الكنائس والأمراء الذين مروا على لبنان، وخصوصا في عهد الأمير بشير الثاني، على أن دورهم الاجتماعي قام على مساعدة الفلاحين بوجه الإقطاعيين.
وفي عام 1834، رأى الآباء اللعازاريون أن العلم والمدرسة هما الوسيلة الأفضل لمساعدة الإنسان على التطور. فأسسوا مدرسة بدأت صغيرة بغرفة وسبعة طلاب، كانوا في حينها من العائلات الميسورة جدا، كما ضمت أربعة غرباء عن المنطقة وثلاثة من بلدة عجلتون الكسروانية، وهم: إبن قنصل فرنسا ألفونس غي، إبن المسؤول الأول في القنصلية الفرنسية جوريل، ولدا قنصل النمسا جورج وألكسندر لورال، ميشال مدور، يعقوب تابت، وإبن أبو فرنسيس المجهول الإسم والعائلة.
كانت المدرسة تستقبل الصبيان فقط، وتعتمد برنامج تعليم طوال اليوم، مع دروس مسائية. في السبعينيات، تم استقبال فتاتين، ومن ثم راحت الأعداد تكبر حتى وصلت أعدادهن إلى ذروتها مع حرب عام 1975. وحتى تاريخ هذه الحرب، ضمت المدرسة طلاباً من كافة الديانات، وجمعت في أحضانها في عينطورة مختلف الاتجاهات السياسية، ومن أبرز الشخصيات التي مرت على مدرسة «عينطورة»: سليمان فرنجية، قبلان فرنجية، فيليب تقلا، صبري حمادة، فؤاد المقدم، آل البزري، رياض الصلح، إيلي حبيقة، وصولا إلى الوزيرين ابراهيم نجار، وزياد بارود.
كما كانت المدرسة، منذ عام 1834 وحتى عام 1981، داخلية، مع عدد قليل من طلاب «الخارجي»، أي كانوا يعودون الى منازلهم بعد الدروس، بما أنهم كانوا من طلاب الضيعة ومن أهل جعيتا… وبعدما كثر عدد «الخارجي» في السبعينيات، صارت المدرسة كلها خارجية في سنة 1981. وراحت تكبر مع الوقت حتى وصل عدد طلابها إلى أربعة آلاف في يومنا هذا، كما يشير نكد. ويذكّر بأن مدرسة عينطورة «ضمت ومنذ القدم، تلامذة من مصر، قبرص، فلسطين، تركيا ولبنان». وأكد أنهم كانوا من الطبقات الميسورة، «في الوقت الذي كان بعض الطلاب يتابعون دراستهم من دون أي مقابل، ومن دون أن يدري أحد من زملائهم بذلك». كما لفت الى أن كثيراً من اللبنانيين خاصة درسوا وتخرجوا ووصلوا إلى مراكز عالية في الدولة، من دون أن يدفعوا فلساً واحداً. غير أن بعضهم كان يدفع صندوقي تفاح أو تنكة زيتون مثلاً.
وفي سبيل مساعدة طلابها، اضطرت «عينطورة» لبيع أراض شاسعة في كسروان، جبلاً وساحلاً، و»لا تملك «عينطورة» راهناً سوى المدرسة فقط، فيما لا تزال المساعدات مستمرة، ولو لم تكن بالحجم الذي كانت عليه من ذي قبل».
المدرسة التي كانت محاطة بأشجار الصنوبر واللوز والزيتون، تغيرت اليوم معالم محيطها السابق المعهود، وحلّت البيوت والبنايات مكان تلك الأشجار. إلا أن طابع المدرسة القديم حوفظ عليه، وبقيت «عينطورة» على حجرها القديم، كما بقيت لليوم محطة لأكثرية العائلات الميسورة ماديا، من دون أن تتخلى عن مساهمتها في تعليم غير الميسورين، «فنحن نساعد حوالى 25% من العائلات، وإن كانت المساعدات بنسب مختلفة بحسب حالة كل منها… لكن هذه المساعدات مهددة بالتوقف في حال العسر، حتى لا نقع في عجز مادي، خصوصا أن المدرسة تتطلب صيانة دائمة، كما لا نتلقى أي مساعدات خارجية».
وفيما يخص التغييرات التي طالت وجه المدرسة، اعتبر الأب نكد، انه «حتى الطلاب تغيروا، اذ كانوا يأتون من صيدا، بعلبك، السعودية، تشاد والكاميرون… وقبل عام 1975، كان في المدرسة كثير من الطلاب اليهود. كان هناك دمج بين الديانات والحضارات. أما اليوم فصار للمدرسة وجه واحد تقريبا، وصار الطلاب متوزعين على الطوائف المسيحية، مع عدد من العائلات غير المسيحية المقيمة في المنطقة، ليبلغ عدد أبنائها حوالى الـ 25 طالبا».
ورأى أيضا أن عدد غير المسيحيين سيتزايد أكثر بعد عدد من السنوات، لأن «الناس ارتاحوا أكثر بعد عام 1995، وصاروا يشعرون بالاندماج أكثر».
أما عن دور إرسالية الآباء اللعازاريين فاعتبر أنه تحول الى مساعدة الشباب والأهل للحفاظ على القيم الانسانية والأخلاقية والدينية، خصوصا مع تطور العصر: «فالناس ضائعون وبحاجة لمن يقول لهم إن لكل شيء حدوداً». وأضاف أن كل مدرسة تمر بطلعات ونزلات، «وقد أقفل الأتراك قديما مدرستنا، ورحّلوا الكهنة. وفي كل فترات الحرب من 1840 إلى 1860 إلى 1914 و1940 و1975… وفي كل الأحداث التي مرت على لبنان، كانت المدرسة تقفل لتستقبل اللاجئين… حــتى أن الأب الرئيس إرنيست سارلوت عام 1914 كان يذهب ليـــلاً بحراً مــع الصيادين الى جزيرة رواد، عند الفرنسيين لينقل القمح الى منطقة البوار والمنطقة المحيطة بها، وكان يتفق مع لبــنانيين لتحميل القمح وتفــريقه على المحتاجين في منطـــقة كسروان… لقد كنا هنا ونحن اليـــوم هنا وسنبقى هنا».
إرسالية حلب اختفت منذ أيام الأتراك الذين احتلوا أرضها ومنعوها من الاستمرار. وحافظت دمشق على مدرستها وإرساليتها إلا أن اسمها تحول من «مار منصور» الى «المنصور». وتجدر الاشارة الى ان الإرساليات متواجدة في القدس وفي الاسكندرية وفي بيروت… وجميعها تتبع الرئيس العام للرهبانية اللعازارية الأميركي المقيم في روما غريغوري غيي. كما يتم اتباع الطقس اللاتيني ومطرانه المونسنيور بول دحدح.
مايا أبو صليبي- جريدة السفير 20.03.2009
تحقيق: لبنان: 225عاماً على رسالة الآباء اللعازاريين في لبنان والشرق
{mosimage}لبى أمس عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة ومجتمعات الحياة الرسولية في الفاتيكان الكاردينال فرانك رودي الدعوة الخاصة التي تلقاها من الرئيس الاقليمي للآباء اللعازاريين في الشرق الأوسط الأب أنطوان نكد الذي دعاه لترؤس القداس الإحتفالي في حرم معهد القديس يوسف في عينطورة الكسروانية. يرفع الكاردينال رودي الصلاة الساعة 11:00 قبل ظهر اليوم في ذكرى مرور 225 عاماً على تأسيس جمعية الآباء اللعازاريين وإحتفالاً أيضاً بعيد القديس يوسف شفيع المعهد.
الرئيس الإقليمي الأب نكد تحدث الى "النهار" مقدماً قراءة نقدية لواقع رسالة الجمعية والمهمات التي تتابعها في الشرق الأوسط.
بدأ اللقاء مع الأب نكد بمراجعة تاريخية للجمعية التي تتبع تعاليم مؤسسها القديس منصور دي بول. ثم يتوقف عند تطور هذه الرسالة، كما سيذكرها اليوم في خطابه قائلاً: "كانوا سبعة عشر في بداية كانون الثاني 1783، وقد أبحروا من مرفأ مرسيليا. سبعة عشر مرسلاً لعازارياً برئاسة الأب بيار فرنسوا فيغيي. كان عليهم، بطلب من الكرسي الرسولي، ومن ملك فرنسا المتدين جداً لويس السادس عشر، أن يحلوا محل الآباء اليسوعيين في كل من القسطنطينية، تسالونيكي، الجزر اليونانية، أزمير، حلب، دمشق، طرابلس وعينطورة". أضاف: "… وصل الأب لويس غوندولفي الى عينطورة وأقام فيها وحيداً لمدة 25 عاماً. كرّس نفسه للتبشير في القرى، معتنياً بالمرضى، وهو الذي درس الطب. وقد كان مستشاراً للأمراء والبطاركة والأساقفة، لاعباً دور الوسيط بين مختلف الكنائس، وفي كثير من الأحيان بين مسؤولي الكنيسة الواحدة، مترئساً المجمعين المارونيين عامي 1807 و1818، متنقلاً مرات عدة بين عينطورة ودمشق وطرابلس وحلب ليشجع أخوته ويساندهم في رسالتهم". تابع قائلا": بعد مماته بشهر واحد، وفي العام 1825، وصل الى عينطورة مساعداه اللذان أرسلا من باريس ليسانداه في مهمته، وهما الأبوان أنطوان بوسو وفرنسوا لوروا الذي أنشأ أول مدرسة ثانوية فرنكوفونية في الشرق، هي اليوم معهد القديس يوسف عينطورة".
ما هي خصوصية الجمعية وما أسباب الاقبال القليل عليها في لبنان؟ قال: "يعتقد البعض في لبنان أننا فرنسيون أو أجانب، بينما نحن طبعاً من لبنان وننتمي اليه. عددنا محدود ولا يتعدى الأربعين راهباً. نحن جمعية لاتينية تابعة لمطران اللاتين في لبنان بول دحداح ورئيسنا العام الأباتي جورج غريغوريغي يقيم في روما". تابع: "إن خصوصية الآباء اللعازاريين تكمن في قدرتهم على الإحتفال بالقداديس والمراسيم المقدسة وفقاً لطقوس دينية مختلفة، منها مثلاً ما يتعلق بالطقس الكلداني أو الماروني أو حتى البيزنطي. إن هذه الشمولية تساعدنا في خدمتنا الرعائية والدينية بأكمل وجه في القرى والمناطق المنتشرين فيها في لبنان".
ورداً على سؤال عن تقويمه لعمل الجمعية في المنطقة، قال: "لا أعرف ما إذا نجحنا. لكننا نحتاج الى التقارب مع مجموعات كثيرة، ربما هي اليوم بعيدة من الله، فضلاً عن أن البعض الآخر في حال فقر مزر. وقد تكون الحاجة المعنوية والمادية للناس تفوق قدراتنا أحياناً". هل يعني ذلك ان الكنيسة تحتاج الى إصلاح لمساعدة هؤلاء: "الكنيسة تحتاج الى تجدد دائم، وعكس ذلك يجعلها في حال إحتضار. هي مجتمع في ذاته بل حركة دائمة تحتاج الى تطور". عن رأيه في أداء بعض رجال الدين الذي يبعد أحياناً أبناء الكنيسة عن إيمانهم، قال: "على كل مسيحي أن يقوّم نهاره عندما يكون مع نفسه. الكاهن يحتاج أحياناً لتقويم ذاته يومياً ويدرك الأخطاء التي قام بها ليتفاداها في اليوم الثاني. أنا أقوم ادائي يومياً، وهذا أمر ضروري في حياتي المسيحية والكهنوتية".
من جهة أخرى، عدد الأب نكد المناطق التي تنتشر فيها الجمعية وهي كما قال في منطقة مجدليا في شمال لبنان حيث تستقبل الإرسالية الشابات والمسنين والمجموعات الشبابية من المحيط الشمالي للإهتمام بهم وتوفير السقف والغذاء الروحي والإجتماعي لهؤلاء".
ولفت الى دور الدير في الأشرفية الذي "يوفر مجاناً خدمات عدة على صعد كثيرة، منها تأمين في قسم منه التعليم الديني، فضلاً أنه يتمايز ببازيليك سيدة الأيقونة العجائبية التي يقصدها المؤمنون للصلاة في مناسبات عدة. ونضيف الى ذلك مدرسة مار يوسف للآباء اللعازاريين المهنية المجانية في ضهر الصوان وتنتسب اليها مجموعة من الشبان والشابات ويدرسون في قسم داخلي بعض الإختصاصات المهنية التي توفر لهم فرص عمل، منها الفندقية والكهرباء والنجارة وسواها".
عما إذا كانت تعاليم القديس منصور دي بول التي ارتكزت على مساعدة الفقير تتناقض بعض الشيء مع الأقساط المدرسية المرتفعة في معهد القديس يوسف – عينطورة، قال: "فريق العمل الإداري والتعليمي كبير جداً في المعهد ونحتاج الى تغطية نفقاته. إن أقساط المعهد عالية طبعاً في محيط منطقتنا، ولكننا نساعد كثيراً تلامذتنا من خلال حسومات للمحتاجين تبدأ من 10 في المئة للأخ الواحد المنتسب الى المعهد، وصولاً الى حسم تصاعدي يصل الى حسم 100 في المئة عن الأقساط إذا كان عدد التلامذة يصل الى خمسة من عائلة واحدة محتاجة". عن نظرته لواقع العائلات عموماً: "نلاحظ أحياناً ان سلم القيم يتراجع داخل العائلات في لبنان حيث يغيب الاحترام بين الزوج والزوجة ويعكس بذلك الكثير من الإضطراب داخل كنف العائلة. ولا شك في أن غياب الأهل عن المنزل بسبب إنشغالات عدة، ومنها العمل مثلاً، يجعل الطفل يتعلق بالخادمة لدرجة أنه يتقن لغتها الأم أكثر من لغته المحلية".
بعيداً من لبنان، توقف نكد عند انتشار عمل الآباء اللعازاريين في الشرق وقال: "أريد أن أثني على وضع المسيحيين المطمئن في لبنان. المسيحيون في لبنان ينعمون بحرية في ممارسة معتقداتهم الدينية والسياسية أكثر من مسيحيي بعض البلدان العربية". أضاف: "عملنا يتفرّع في كل من الإسكندرية ودمشق والقدس. نتبادل مع المسيحيين في مصر الإحترام المتبادل ولكنني لا أعرف الكثير عنهم خارج مؤسساتنا. وفي سوريا المسيحيون مرتاحون جداً الى وضعهم. أما في القدس، فالمسيحيون لا يحسدون على وضعهم إذ انهم يعانون من الفلسطينيين العرب الذين يعاملونهم بدونية لأنهم مسيحيون، فضلاً عن أن الإسرائيليين يسيئون معاملتهم لأنهم يصنفونهم كإرهابيين فلسطينيين".
ختاماً، تمنى نكد أن يتوسع عمل الآباء اللعازاريين ليشمل شمال سوريا ومصر العليا ومناطق في جنوب لبنان لم تصل اليها الرهبانيات.
روزيت فاضل – جريدة النهار 19.03.2009
لبنان: الذكرى 225 لتأسيس جمعية الآباء اللعازاريين
أقيم قداس إحتفالي في دير مار يوسف للآباء اللعازاريين في مجدليا – زغرتا، في ذكرى تأسيس جمعية الرسالة للآباء اللعازاريين ومرور 225 عاما على وصولهم إلى لبنان، ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده وعاونه رئيس الدير الاب شربل نعيم والزائر الاقليمي العام الاب انطوان نكد، بمشاركة لفيف من الآباء والكهنة والرهبان والراهبات وأبناء المنطقة والجوار.
بعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى المطران بو جوده عظة قال فيها:إعتدنا أن نحتفل في هذا الدير في أقرب أحد من الخامس والعشرين من كانون الثاني بعيد إهتداء مار بولس الذي يترافق هذه السنة بالذكرى ال225 على وصول الآباء اللعازريين إلى الشرق في كانون الثاني سنة 1783.الخامس والعشرون من كانون الثاني هو عيد إهتداء مار بولس إلى الإيمان المسيحي بعد ما كان العدو اللدود للمسيح، وبعد أن تزعم المجموعة التي رجمت الشماس إستفانوس حتى الموت، وقد وضع أعضاؤها ثيابهم عند قدمي شاب من طرسوس، هو شاول الذي سيصبح فيما بعد بولس الرسول، الذي تحول من مضطهد للمسيح إلى داعية له ومبشر بإسمه فأصبح المسيح بالنسبة له كل شيء وصار يقول: حياتي هي المسيح، أما ما سوى ذلك فهو كالهباء والهشيم. هكذا تحول بولس الفريسي المتعصب والمتزمت إلى رسول للأمم، فتح أبواب الكنيسة أمام الوثنيين، وكرس حياته كلها للتجول في رحلات رسولية في مختلف بلدان حوض البحر المتوسط، ليبلغ البشرى السارة لجميع الأمم والشعوب.
واضاف:بسبب تواجدهم في دير القديس لعازر في باريس، أصبح كهنة الرسالة يلقبون باللعازريين الذي أصبح إسمهم الشائع الهدف الذي أخذه منصور لجمعيته كان مثلث الأبعاد: أولا تقديس الذات، ثانيا تثقيف الإكليروس وتنشئته، وثالثا تبشير الفقراء والمساكين في القرى والأرياف، داخل البلاد وخارجها والإصغاء إلى إلهامات الروح وإرشادات العناية الإلهية والعمل بمقتضاها. وهكذا إنتشرت الجمعية بسرعة في مختلف مناطق فرنسا ثم إيطاليا وبولونيا وإيرلندا وإفريقيا الشمالية ومدغشقر وغيرها من البلدان.وفي الرابع عشر من تموز سنة1656، أربع سنوات قبل وفاته، كتب منصور رسالة إلى رئيس دير الجمعية في روما، Edme Jolly يقول له فيها: لقد أعطاني سعادة السفير البابوي نسخة عن الرسالة التي وصلته من المجمع المقدس والتي يطلب منه فيها أن يعرف مني إذا كان بإستطاعتنا إعطاء رجل ذي خبرة ورصانة وعلم وثقافة للقيام بالرسالة في لبنان التي حدثتموني عنها، فتداولنا في الموضوع من ناحيتين: الأولى، إذا كنا على إستعداد لتلبية هذا النداء، والثانية عن الشخص الذي من الممكن أن نختاره لهذه المهمة… 14 تموز 1656 إلى إيدم جولي – الرئيس في روما.
وقال: منصور دي بول نظر بإيجابية إلى عرض مجمع إنتشار الإيمان، لكن مشروع إرسال المرسلين إلى جبل لبنان لم يتم في أيامه، لأسباب غير واضحة، بل تأخر تنفيذه مائة وخمس وعشرين سنة ونيف، إلى العام1783 حيث وصل المرسلون اللعازريون إلى الشرق: إلى تركيا وسوريا ولبنان، بعد أن كان قد وصل بعض الموفدين منهم مكلفين من الكرسي الرسولي بمعالجة بعض القضايا والمشاكل في بعض الكنائس الشرقية.
الوصول الى الشرق
وتابع بو جوده: أما عن كيفية وسبب وصولهم إلى الشرق فلأن الكرسي الرسولي كان قد ألغى، جمعية الآباء اليسوعيين، وطلب إلى ملك فرنسا أن يرسل محلهم كهنة آخرين، تابعين لجعية رهبانية أخرى، فوقع الإختيار على اللعازريين. أما الأديرة التي أعطيت للعازريين في السلطنة العثمانية فكانت أديرة إسطمبول، وحلب ودمشق وعينطورة وطرابلس. فإهتموا فيها بالمسيحيين وقاموا بأعمال الرسالة والتبشير والإهتمام بالفقراء، وتنظموا تدريجيا عاملين دائما بالتنسيق مع السلطة الكنسية المحلية وإشرافها في مختلف مجالات الرسالة.إهتموا بالوعظ والإرشاد والقيام بالأعمال الرسولية بصورة خاصة بالأرياف وكانوا دائما على إستعداد لقراءة علامات الأزمنة ليكتشفوا ما هي حاجات الكنيسة والمؤمنين، ولم يرفضوا القيام بأي عمل يطلب منهم إذا كان ذلك لمجد الله ولخير النفوس.
واضاف:هكذا مثلا إكتشفوا الحاجة إلى إنشاء مدارس ومعاهد ذات مستوى رفيع تؤمن الثقافة لأبناء الطبقات الوضيعة من السكان، فأسسوا في لبنان معهد مار يوسف في عينطورة منذ العام 1836 وقد تجاور فيه الطلاب من أبناء العائلات النبيلة والغنية مع أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، فساهموا هكذا في نشر روح الديموقراطية الصحيحة بين أبناء الشعب، وهكذا كان الأمر في دمشق وإسطمبول، ثم بعد ذلك وفي منتصف القرن الماضي في الإسكندرية بمصر.كما لاحظوا الحاجة الماسة إلى اليد العاملة المتخصصة في الحقول العملية كي لا يخرجوا من المدارس أشخاصا حائزين على الشهادات العالية، ولكنهم عاطلين عن العمل، فأنشأوا في ضهر الصوان مدرسة مار يوسف المهنية التي تؤهل الطلاب للقيام بالأعمال الضرورية في حقل البناء والتجهيز كالكهرباء والنجارة وفي حقل الغذاء من خلال التخصص في المأكولات وخدمة المائدة، وفي حقل المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، إلى ما هنالك من إختصاصات.أما هنا في مجدليا فقد حافظوا على رسالتهم الأساسية التي بدأوها منذ وصولهم إلى هذه المنطقة، ألا وهي الوعظ والتبشير. فكرسوا وقتهم كله للقيام بالرياضات الروحية وإرشاد الحركات الرسولية والتنشئة اللآهوتية والروحية للعلمانيين الذين يتكرس عدد كبير منهم للقيام معهم بأعمال الرسالة. وعندما دعت الحاجة إلى ذلك، وبسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة آنذاك، نقلوا المدرسة الإكليريكية التي تهتم بتنشئة طلاب الكهنوت إلى هذا الدير كي يكونوا بالقرب وإلى جانب الكهنة الذين يقومون بأعمال الرسالة، ويتدربوا على ذلك.
وختم قائلا: ان تمنياتنا القلبية والحارة في هذه المناسبة بالذات وهي مناسبة عيد هذه المدرسة الإكليريكية أن تعود هذه المدرسة لتفتح أبوابها أمام الذين يدعوهم الرب لخدمته في جمعية المرسلين، لأن الكنيسة في العالم وفي لبنان وفي هذه المنطقة بالذات بحاجة ماسة إليهم. وإننا اليوم، ونحن نحتفل بهذه المناسبات السعيدة، سنة القديس بولس الرسول، وذكرى تأسيس جمعية الرسالة ووصول المرسلين اللعازريين إلى لبنان والشرق، نرفع الصلوات الحارة إلى الرب كي يبارك أعمالهم ورسالتهم ويعطيهم كهنة قديسين يعملون على مثال بولس الرسول والقديس منصور دي بول وجميع قديسي هذه الجمعية وشهدائه، على نشر كلمة الرب، لأن الرب مسحهم وأرسلهم ليبشروا الفقراء والمساكين.
جريدة الأنوار 27.01.2009