نحن في مستشفى ومدرسة تقنية ومعهد جامعي للتكنولوجيا.
نجتمع والكنيسة تحتفل بعيد مولد يوحنا المعمدان، وهو عيد تجلّي رحمة الله للجنس البشري. فاسم "يوحنا – يهو حنان" يعني الله رحوم.وسُمِّي يوحنا "بالسابق"، لأنّه سبق تجسّد ابن الله، يسوع المسيح بستّة أشهر، كما يسبق الفجر طلوع الشمس. مولد يوحنا إعلان لتجسّد الرحمة الإلهيّة التي أصبحت تحمل اسماً في التاريخ هو "يسوع المسيح". هذه هي ثقافة المسيحيين وحضارتهم، هذه رسالتهم في لبنان والشرق الاوسط اليوم أكثر من أي يوم مضى. بل هذه دعوة لكلّ كائن بشري مخلوق على صورة الله الرحوم، لكي يحافظ على بهاء إنسانيته وهذه الصورة.
2. في هذا الجوّ وهذه الدعوة للرحمة وهذه الرسالة، نرى شركاء لنا في المواطنة يعتدون على الجيش في صيدا، وغيرهم على إخوة لهم في المواطنة، سواء في لبنان أم في سوريا. إنّنا ندين أشدّ الإدانة الاعتداء على الجيش اللبناني في صيدا أو في أي مكان آخر، لأنّه اعتداء على لبنان الكيان والوطن والدولة؛ اعتداء على كرامة لبنان وكرامة شعبه ومؤسّساته، وعلى شرف الوطن وأبنائه. وندين الاعتداء على أيّ إنسان بريء. كما ندين كلّ من يغطّي مثل هذه الجرائم، من سياسيّين وسواهم. فجريمة من يغطّي سياسياً أو بأي طريقة أخرى مثل هذه الجرائم تساوي تماماً جريمة المرتكبين.
3. إنّنا نتوجّه بالتعزية القلبيّة إلى أهل العسكريين الشهداء وعائلاتهم وزوجاتهم وأولادهم، بالنسبة للمتأهلين من بينهم، الذين نعتهم قيادة الجيش وهم المأسوف عليهم:
– الملازم أوّل سامر جرجس طانيوس من رميش (قضاء بنت جبيل).
– الملازم جورج اليان بو صعب من رأس بعلبك (قضاء بعلبك).
– الرقيب علي عدنان المصري من الخضر (قضاء بعلبك).
– الجندي الاوّل رامي علي الخبّاز من القلمون (قضاء طرابلس).
– الجندي بلال علي صالح من بريتال (قضاء بعلبك).
– الجندي ايلي نقولا رحمة من صور.
كما نعزّي بكلّ الضحايا البريئة التي سقطت من عسكريّين ومواطنين في هذا الحدث المؤلم في صيدا العزيزة ونصلّي لراحة نفوسهم جميعاً، كما نصلّي من أجل الجرحى وشفائهم، ومن أجل المشردين من بيوتهم والمعتدى على ممتلكاتهم وجنى تعبهم وتضحياتهم.
ونوجّه تعزية قلبية إلى فخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وللعماد قائد الجيش وأركان القيادة وللجيش اللبناني، بل لكل اللبنانيين المصابين بعمق قلبهم ومشاعرهم وكرامتهم.
4. إنّنا نواكب شهداءنا الأبرار بالصلاة، لكي يقبلهم الله بوافر رحمته، ويضمّهم إلى الشهيد الأوّل وبامتياز يسوع المسيح الذي ارتضى الموت على الصليب فدى عن الجنس البشري وعن كلّ إنسان يولد على الأرض. ونسأل الله أن يقبلهم فداء عن كلّ لبنان ويعزّي أهلهم ويعزّينا جميعاً بمسّ ضمائر كلّ المعتدين والممعنين في القتل وارتكاب الشرّ؛ ويعزّينا بإرسال رجالات دولة مخلصين للبنان، يتكلّمون لغة المحبة والسلام، ولغة المصالحة والاعتذار.
5. وإننا نطالب القضاء، بتحملّ مسؤولياته، وبكشف هوية المعتدين، وبإنزال أشدّ العقوبات فيهم، ولو أنّ بعض السياسيين محترفين تغطية الجرائم ربما يحاولون ان يثنوا القضاة عن القيام بواجبهم الضميري الذي أقسموا اليمين على القيام به أمام الله والتاريخ، كما فعلوا مع غيرهم في الأمس القريب. وفي كل حال لا أحد يستطيع أن يوقف عدالة الله أو يعرقلها أو يتصدّى لها، ولا عدالة التاريخ، ولا عدالة الضمير مهما حاولنا قتله.
6. ونقول بكلّ أسف أن حادثة صيدا ومثيلاتها في مختلف المناطق اللبنانية، والتدخّل في الحرب الدائرة في سوريا، بالرغم من إعلان بعبدا، وواجب احترام سيادة الدول، إنّما هي نتيجة الإمعان في تعطيل المؤسسات الدستورية وتفكيكها، الواحدة تلو الأخرى. الاعتداء على حياة إنسان جريمة تجاه شخص وأهل، أمّا الاعتداء على مؤسسات الدولة فجريمة تجاه الشعب كلّه.
7. عندما كرّسنا لبنان لقلب مريم الطاهر منذ اسبوع، قلنا إنّ التكريس شخصي وجماعي ووطني. إنّه التزام العودة إلى الله بروح التوبة؛ التزام بالارتداد عن الخطيئة والشرّ الشخصي والجماعي؛ التزام بمصالحة الذات مع الله ومع الإخوة. ودعونا إلى أن يلتزم كلّ واحد منّا بذلك، بالاتحاد مع الله بإتمام أرادته.
وقلنا إنّ التكريس إلتزام وطني بالمصالحة بين السياسيين، لكي يتصالح أهل الوطن مع بعضهم البعض. ودعونا الفريقَين السياسيَّين المتنازعَين، وذكرناهما بالإسم، فَهِمَ البعضُ أننا نساوي بين الجلّاد والضحية. لكنني أقول: إنّنا كلّنا جلّادون عندما نسيء للآخر ونخوّنه ونعتدي عليه؛ كلّنا جلّادون عندما نحمل السلاح غير الشرعي ونصوّبه على إخوتنا في المواطنة، أو نستقوي به لنفرض إرادتنا على الجميع، أو للترهيب أو لتوريط الدولة والمواطنين في حروب مع الغير لا يريدونها؛ إنّنا كلّنا جلّادون عندما نعطّل مؤسسة الدولة الدستورية ونفكّكها؛ إنّنا كلّنا جلادونعندما نتخلّف عن خدمة المواطنين وتأمين عيشهم، عندما نرميهم في حالة الفقر والعوز ونهجّرهم من وطنهم، وعندما نستغلّهم لمآرب خاصّة. أجل، الكلّ جلّادون والضحية واحدة: لبنان الكيان والشعب والأرض والمؤسسات. ألا اتقوا الله، وتعالوا نقرّ أمامه ونقرع صدورنا بشجاعة وتواضع ونقول: "خطيئة عظيمة. خطيئة عظيمة. خطيئة عظيمة".
8. إن تكريس لبنان لقلب مريم الطاهر لم يكن حدثاً عابراً انتهى في 16 حزيران الجاري، بل هو تكريس مستمر كلّ يوم، والتزام بتكريس الذات لله وللكنيسة، للعائلة والمجتمع والوطن، تكريس للخدمة والعطاء؛ تكريس لإحلال العدالة والسلام؛ تكريس لقول الحقيقة والتحرُّر من الكذب والنفاق. لذلك ندعو إلى لقاء مجموعات من المؤمنين والمؤمنات تنظّم ذاتها بذاتها في السادس عشر من كلّ شهر في معبد سيدة لبنان لتلاوة صلاة التكريسن كنشيد تمجيد وتسبيح لله، بواسطة أمّنا وسيدتنا مريم العذراء.
9. وإنّنا في هذه المؤسسة التي تتعهدها راهبات القلبين الاقدسين، نوجّه تحية إكبار وشكر للراهبات القيّمات على جميع العاملين والعاملات فيها ولسائر ابناء الرهبانية العزيزة، الممثّلة بالرئيسة العامة الأمّ دانيلا حرّوق، التي نشكرها على كلمتها اللّطيفة. ومن هذه المؤسسة، بروح المونسنيور أنطوان القرطباوي وبحنان القلبين الأقدسين، وبموهبة راهبات القلبين، نعلن التزامنا برسالة الحنان والرحمة، وبالشهادة لها تجاه كلّ إنسان يدخل عتبة هذه المؤسسة، ويجعلها ثقافة لبنان ورسالته على أرضه وفي هذا الشرق.
عشتم! عاشت هذه المؤسسة! عاش الجيش اللبناني! عاش لبنان!