هي متأخرة ثلاث سنوات عن دفع مستحقاتها، إذ لا تزال الى اليوم تسدّد متأخرات بعض المدارس عن العام الدارسي 2009-2010. ومن جهتها، تتحمل إدارات هذه المدارس تكلفة التعليم من طريق الإستدانة من المصارف لتغطية عجز الدولة الذي لم يعد محمولاً…
هكذا دخلت 377 مدرسة ابتدائية خاصة مجانية تضم حوالى 110 آلاف تلميذ سنتها الثالثة من تأخير دفع الدولة مستحقاتها المالية التي تبلغ حوالى 255 مليار ليرة. ووفق القيمين على إدارات هذه المدارس، "لم تعد تقنعنا الحجج والأعذار التي تقدمها وزارة التربية، إذ تارة تقول إن المستندات التي تقدمها الإدارات ناقصة، وتارة المعاملة عالقة لدى هيئة التفتيش المركزي أو لا اعتمادات كافية لدى وزارة المال، وللأسف لا نحصل على جواب واضح وشفاف في هذا الموضوع".
ويعزو الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار التأخير الذي يحصل دائماً في دفع مستحقات 97 مدرسة كاثوليكية تضم 29933 تلميذاً وبقية المدارس، "إلى الروتين الإداري وتحويل الجداول من دائرة إلى أخرى، وغالباً ما يكون عالقاً لدى التفتيش المركزي". وقدّر حجم المتأخرات المالية عن ثلاث سنوات بـ67 مليار ليرة.
وبإزاء هذا الواقع المتكرر، يقول: "تعجز المؤسسات التربوية عن الاستمرار، ومع الوقت ستضطر إلى الإقفال"، كاشفاً لـ "النهار" أن بعض المدارس تلوّح بالإقفال مطلع السنة الدراسية المقبلة، ومنها واحدة في بيروت.
وعمّا إذا تقدّمت المدارس الكاثوليكية المجانية بدعوى قضائية ضد الدولة بسبب التأخير؟ يجيب: "بصراحة، لم نفكّر يوماً في هذا الأمر وأشكرك على لفت نظرنا للقيام بهذه الخطوة، وبات ضرورياً أن نطرحها في إتحاد المؤسسات التربوية".
من جهتها، تقول مديرة إدارة الشؤون المالية وتكنولوجيا المعلومات في الإدارة المركزية في جمعيّة المقاصد عدلا شاتيلا: "لدى جمعيّة المقاصد 40 مدرسة مجانية منتشرة في المناطق اللبنانية كافة، تضم حوالى 5 آلاف تلميذ".
ووفق شاتيلا، "تقاضت هذه المدارس نسبة 50% من مستحقات العام الدراسي 2009-2010، على أن نقبض النسبة المتبقية قريباً، وتبلغ قيمتها عن النصف المتبقي من العام المذكور والأعوام الثلاثة 2010-2011، 2011-2012، و2012-2013، بنحو 15 مليون دولار".
وتستدين مدارس المقاصد وغيرها، من المصارف لإيفاء الأموال المترتبة عليها، "فيما الدولة تعطينا سندات خزينة"، مشيرة إلى أن الفائدة تتراكم سنة بعد سنة، "وعندما تعطينا الدولة المتأخرات، فهذا لا يفيد لأننا نكون دفعنا أكثر، نسبة للفوائد المتراكمة".
الأشقر: الملفات عالقة لدى التفتيش المركزي
ولرئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم العالي عماد الأشقر ملاحظات لإدارات المدارس وجّهها عبر "النهار" قائلاً، "إن اللجنة المتخصصة في وزارة التربية حوّلت الدفعة الأخيرة من الملفات عن العام الدراسي 2009-2010، إلى وزارة المال، وقبضت 230 مدرسة مستحقاتها من أصل 377". وماذا عن الـ147 مدرسة؟ "لا يعود سبب تأخير الدفع إلى وزارة التربية، وقد أبلغت الوزارة تلك المدارس عن بعض النقص في مستنداتها، لكنها لم تلبّ بحجة عدم قدرتها المادية على تسديد مستحقاتها إلى صندوق التعويضات والضمان الاجتماعي، مع العلم أن صندوق التعويضات سمح للمدارس بدفع نسبة 10% من قيمة مستحقاتها السنوية لإعطائها براءة ذمة على أن تسدد المبلغ المتبقي بعد دفع الدولة مساهماتها، ومع كل هذا، تدّعي المدارس أننا لا ندفع لها".
وعمّا إذا قبضت الـ147 مدرسة مستحقاتها؟ يوضح: "تحوّلت ملفاتها مجدداً إلى المال، فثمة مدارس قبضت المبالغ المخصصة لها، بينما لم يتسلم "معتمد القبض" بعضها الآخر لتاريخه، علماً أننا أبلغناها عبر كتاب، ذلك ان الوزارة أخذت سلفة خزينة صالحة لتاريخ 30/ 4/ 2013 وفق المرسوم الذي صدر، والمهلة انتهت ولن تستطيع التصرف بالسلفة المالية وبالتالي توقفت الملفات".
ووفق إحصاءات الأشقر يبلغ حجم المتأخرات المالية عن الأعوام الثلاثة حوالى 255 مليار ليرة.
وماذا عن مصير السنوات الثلاث، هل من عوائق تحول دون إعطاء المدارس مستحقاتها؟
بالنسبة إلى العام 2010-2011، "لا تزال اللجنة المتخصصة في الوزارة تدرس ملفات المدارس في المحافظات باستثناء بيانات مدارس جبل لبنان التي لا تزالً في التفتيش المركزي لتاريخه". لماذا؟ "لا يحق لوزارة التربية سؤال التفتيش المركزي سبب تأخيره إرسال التقارير، لا سيّما وأن مجلس الوزراء أصدر قراراً في عام 1996 ينص على عدم دفع المساهمة ما لم يتأكد التفتيش من عدد التلامذة، وبالتأكيد لديه أسبابه، خصوصاً ان لا مهلة محددة تلزمه تحويل تلك البيانات إلينا".
وأكد الأشقر أن الواقع هو ذاته ينطبق على العامين الدراسيين2011-2012 و2012- 2013، حيث إن ملفات الـ377 مدرسة في التفتيش.
وطالب الأشقر القيمين على المدارس بتوجيه السؤال إلى هيئة التفتيش المركزي، "فوزارة التربية أنجزت كل المطلوب منها على أكمل وجه، ويحق للمدارس توجيه اللوم إلى كل من يخطئ في حقها، لا رشق التهم جزافاً".
الدنف: الاعتمادات قابعة في التربية
من التربية إلى التفتيش المركزي: أين هي القطبة المخفية؟ استوضحت "النهار" المفتش العام المالي وعضو هيئة التفتيش المركزي صلاح الدنف سبب تأخير إنجاز التقارير عن الأعوام السابقة وعدم تحويلها إلى وزارة التربية لتسلك طريقها إلى ديوان المحاسبة؟ قال: "سيُسلم المفتشون الماليون تقارير تدقيق البيانات الإحصائية للسنة الدراسية الحالية في مهلة أقصاها 10/ 7/ 2013 بناء على المذكرة التي أصدرها التفتيش المركزي في 2/ 5/ 2013 لنرفعها إلى وزارة التربية".
ولا ينفي الدنف، أن ثمة مدارس يُعاد التحقيق معها إذا ثبت أن لديها مشكلات، لذلك، "نتأخر بعض الشيء في تحويل تقارير كل المحافظات دفعة واحدة في السنة، لكننا نرسلها تباعاً ويتطلب منا ذلك سنة واحدة وليس ثلاث سنوات". ويؤكد أن عملية تدقيق البيانات انتهت، ورفعت تقارير مدارس المحافظات إلى وزارة التربية عن العام 2010-2011 قبل عامين"، نافياً اتهام الأشقر عن مكوث بيانات مدارس محافظة جبل لبنان عن العام 2010-2011، لدى هيئة التفتيش". وتساءل: لماذا لم تدرسها اللجنة المتخصصة في حينه؟ وأجاب: "من أجل أن تماطل التربية في دفع المبالغ وتُراكمها من سنة إلى أخرى تحت ذريعة أن لا أموال لدى وزارة المال". وكذلك الأمر بالنسبة إلى العام 2011-2012، "إذ لم تتحول ملفات محافظتي جبل لبنان والبقاع إلى التربية بعد لأن القرار رفع إلى الهيئة في 25 حزيران على أن توقعه بعد أسبوعين أي قبل 15 تموز الجاري ليسلك طريقه إلى التربية، لكن هذا لا يُبرر للتربية عدم دفع المستحقات لمدراس بقية المحافظات".
وبصفته خبيراً مالياً يقول: "لدى الدولة موازنة معيّنة لمساعدة المدارس المجانية سنوياً، ومن هذا المنطلق، تحتسب السنة الدراسية الحالية ضمن الأعوام السابقة إذا لم تقبض المدارس مستحقاتها في السنة عينها". وغالباً ما تكون اعتمادات المدارس المجانية من الإعتمادات التي تدوّر "وهذا ما تفعله وزارة التربية من تدوير للإعتمادات من سنة إلى أخرى لغاية ثلاث سنوات من دون تبرير واضح".
القانون يحمي المدارس
وأمام هذا المشهد المتكرر، هل يحق لإدارات المدارس الإدعاء قضائياً على الدولة بسبب التأخير؟ ولماذا لا تقدم على هذا الأمر؟
يقول المستشار القانوني للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية المحامي صباح مطر أنه من الناحية القانونية، "لا يوجد ما يُبرر تصرّف الدولة بعدم تسديد المنح ضمن المهل المحددة التي يرعاها القانون الرقم 2359/ 1971، ويحق لكل مدرسة أن تخاصم الدولة في هذا الموضوع، ويحق لها أيضاً الزام الدولة دفع الفوائد عن كل مبلغ لا يسدد ضمن المدة القانونية المحددة لها".
ولماذا لا تدّعي إدارات المدارس قضائياً على الدولة؟
"ربما تتفهم أسباب الدولة وتنظر إلى المسألة من وجهة نظر موضوعية لجهة إمكاناتها المادية، بينما يجب النظر اليها في الشق القانوني، لأنه عندما يترتّب على المدارس أي دين في حق الدولة، فإنها لا ترحم أحداً بل أكثر من ذلك: تفرض غرامات إضافية".
نيكول طعهه / النهار