الكتاب الديني المسيحي مزدهر، منتشر، مستقر… لا غنى عنه
وعلى صعيد اعداد طبعات جديدة من كتب قديمة، فإن "المعدل ثابت"، على قوله. على سبيل المثال، "اعدنا العام 2008 طباعة 42 كتابا دينيا فقط، اذ شكل المجموع، مع الاصدارات التسعة الجديدة، 89 الفاً و510 نسخ. والتوقع ألا تقل اعادة طبع كتب قديمة عن 38 عنوانا". واذ يعزو ارتفاع الاصدارات الى عاملين رئيسيين، "تجديد طريقة العمل في الدار لجهة توسيعها لتشمل عددا اكبر من المترجمين والمصححين، والسوق المحلية والاقبال فيها على سلاسل معينة تصدرها الدار، لاسيما في اوساط الشباب، مما يشجعنا على توسيعها".
وينسحب "ازدهار" الكتاب الديني المسيحي على دار المنشورات البولسية العريقة ايضا (انشئت المطبعة البولسية العام 1910) التي تصدر كل سنة "نحو 70 عنوانا بنسخ تراوح ما بين الفين وخمسة آلاف، وتصل الى 12 الفا للكتب المشتركة"، يفيد رئيس تحرير مجلة "المسرّة" الاب جورج باليكي، مشيرا الى ان "هناك اناسا يتشوقون الى قراءة هذا النوع من الكتب، ونلاحظ ذلك في المكتبة البولسية. فالمبيع فيها مستقر، ولا تراجع اطلاقا في كتب الدار والدور الاخرى".
وكمؤشر لافت الى هذا الازدهار، اصدرت الدار النسخة المليون من "العهد الجديد" الخاص بها، "وهو في طبعته الـ 26 وبمختلف المقاسات". بالنسبة الى باليكي، المعادلة واضحة: "هناك طلب على الكتاب الديني المسيحي".
وهذا التقدم تلمسه جيدا "جمعية الكتاب المقدس" التي تضطلع بمهمة ترجمة الكتاب المقدس وطبعه وتسويقه في العالم، اذ تبين احصاءاتها ان "انتشاره يتزايد في لبنان والمنطقة العربية. نعم، هناك ارتفاع في نسبة توزيعه"، يؤكد المدير الاداري والمالي في الجمعية داود ارناؤوط، عازيا هذا الارتفاع الى "ازدياد اقبال الناس على الكتاب المقدس". ويقول: "صحيح ان الانترنت والوسائل السمعية البصرية تطغى على المطالعة، لكن الكتاب المقدس صار متوافرا في تلك الوسائل ايضا".
وبالنسبة الى مدير "تعاونية النور الارثوذكسية" اديب بطحيش، "لا يمكن التكلم على تقدم او تراجع في نشر الكتاب الديني". لكنه يصف وضع النشر الارثوذكسي "بانه مزدهر"، بحيث يراوح حاليا مجموع الاصدارات السنوية للتعاونية، اضافة الى الاديار والابرشيات (في لبنان وسوريا)، ما بين 20 و25، في مقابل 5 او 6 كتب في بداية مشوار النشر". وعلى صعيد التعاونية وحدها، "اصبحنا نصدّر 7 او 8 كتب سنويا، في مقابل 4 او 5 عندما بدأنا النشر من اكثر من 55 عاما".
حسابات التعاونية التي اسستها "حركة الشبيبة الأرثوذكسية" ما بين عامي 1955 و1958، مختلفة عند المبيع. "لدينا نادي الكتاب الذي يلتزم بموجبه نحو 700 مكتتب شراء 700 نسخة من اي كتاب قبل اصداره، ثم نبيع 400 نسخة اضافية عند اول اصدار، ثم يخف التوزيع طبيعيا. اذاً، تباع نحو 1300 نسخة من اي كتاب في الشهر الاول من اصداره"، على ما يشرح. غير ان هذا المجموع المؤشر الى نسبة القراء الارثوذكس ليس مرضيا في رأيه. "عدد القراء الارثوذكس ليس جيدا بالنسبة الى عددهم الاجمالي". والنتيجة التي يلاحظها على مرّ الاعوام: "لا تراجع في التوزيع، النسبة هي نفسها… لا نربح ولا نخسر".
تتجاوز آفاق دور النشر اللبنانية لبنان، "السوق الرئيسية"، الى مختلف البقاع العربية والغربية. والضوء الاخضر اعطي لنشر الكتاب المقدس في المنطقة العربية. "لا مشكلات اطلاقا على صعيد المنطقة، لا بل انتشار الكتاب يتسع اكثر"، يقول ارناؤوط، مستثنيا "دولة عربية واحدة تمنعه، بخلاف بقية الدول العربية التي اصبحنا موجودين فيها كلها في شكل رسمي".
وفي لائحة "دار المشرق"، تأتي "سوريا ومصر في الدرجة الثانية (بعد لبنان)، والعراق في الدرجة الثالثة، وفي شكل اخف بقية الدول العربية". ويلفت الاب ابو جودة الى ان "الامر يختلف ما بين دولة واخرى، وفقا للشروط الموضوعة على ادخال الكتب، والموزعين المحليين هناك، وتكلفة النقل".
وتشمل لائحة "تعاونية النور الارثوذكسية" سوريا والاردن ومصر واميركا الشمالية. "في تلك الدول التوزيع وسط، وخصوصا انه يرتكز اساسا على لبنان وسوريا"، يقول بطحيش. وتصل ايضا المنشورات البولسية الى سوريا والاردن ومصر واسوج وفرنسا والولايات المتحدة وكندا. ويقول الاب باليكي ان "هناك طلبا على الكتاب الديني في الدول العربية، وفق ما تسمح هذه الدول بادخاله اليها".
قرصنة، دعم… وربح "بالكاد"
غير ان رحابة الانتشار هذه لا تنفي وجود مشكلات محلية واقليمية يواجهها الكتاب الديني المسيحي، واولها "واكبرها"، بالنسبة الى الاب ابو جودة، "السرقة التي تتعرض لها كتب الدار بواسطة مواقع الكترونية عربية". ويتمثل الامر بقيام بعض هذه المواقع بتصوير عدد من كتب الدار، واتاحة تحميلها من دون اي اذن او مسوغ قانوني. و"رغم الانذارات التي وجهناها اليها، لم نتلق اي جواب. وللاسف، لا نجد حلا لهذه القرصنة".
من جهته، يحدد بطحيش تحدّيين: "القوة الشرائية، وغزوة السمعي- البصري". وبالنسبة الى الاول، "نعالج الامر من خلال نادي الكتاب"، على ما يشرح، والآخر من خلال "تطوير موقعنا الالكتروني الذي يتيح قراءة معظم الكتب الارثوذكسية مجانا".
وازاء "تأثير الازمة الاقتصادية العالمية"، تمكنت "جمعية الكتاب المقدس" من "امتصاص المشكلة الى حد ما". كيف؟ يجيب ارناؤوط: "بالقيام بحملة تبرعات محلية للحصول على الدعم اللازم، لتغطية اي خسارة قد تنتج من الازمة".
في ميزان دور النشر هذه، يبقى الربح مجرد كلمة. "لا نبغي الربح"، يجمع كل محدثينا على التأكيد. ويقول ارناؤوط ان "الجمعية لا تهدف الى الربح اطلاقا من خلال نشرها الكتاب المقدس. وسعر الكتاب اقل من جيد بالنسبة الى قيمته. لكن هدفنا نشر الكتاب وكلمة الله، بغض النظر عن التكلفة". ويؤكد ايضا الاب ابو جودة ان "لا ربح لدينا من الكتاب الديني. واسعار كتبنا درسناها في شكل يسمح لنا فقط باعادة اصدارها، لا اكثر من ذلك".
ويثني الاب باليكي: "لا نبغي الربح اطلاقا. وعند بيع 500 او 600 نسخة من كتاب ما، ندخل في تكاليفه. ولان هناك خطة لخفض اسعارنا، يكون سعر كتاب ما من 300 صفحة اغلى بقليل من ثمن "سندويشة" احيانا".
اذًا من اين تحصل تلك الدور على الدعم المالي لمواصلة اصداراتها الدينية؟
اذا كان "نادي الكتاب" هو الداعم الاساسي لكتب تعاونية النور، فان "دار المشرق" "تتلقى مساعدات من رهبانية الآباء اليسوعيين لدعم انتاجها الديني. لذلك، فان اسعار اكثر من 70 في المئة من الكتب الدينية الصادرة عنها معقولة بسبب هذا الدعم"، يوضح الاب ابو جودة، مشيرا الى ان "الـ30 في المئة الباقية لا تحتاج الى دعم، ووضعها جيد. وبعد الطبعتين الثالثة او الرابعة، يكتفي الكتاب بمردوده، ولا يعود يحتاج الى دعم".
بالنسبة اليه، توقّف هذا الدعم سيكون له انعكاس اكيد: "بالطبع لن نتوقف عن الاصدار، لكن الانتاج سيكون اقل. وبدلا من اصدار 16 كتابا، نكتفي بـ 7 او 8 فحسب. وايضا سيرتفع السعر… وحكما سيقل عدد القراء".
والامر يختلف بالنسبة الى "البولسية". "كتابنا يدعم نفسه"، يقول الاب باليكي. "احيانا يبدي اشخاص استعدادا لان يطبعوا الكتاب على حسابهم، على ان تتولى الدار التوزيع. وجمعية المرسلين البولسيين لا تدعم، وأعطت المكتبة صلاحيات لتمول نفسها. والمكتبة لا تحتاج الى دعم".
الوجود المسيحي في الشرق مرتبط بتعزيز الكتاب الديني وازدهاره. هذه الصلة يشدد على اهميتها المسؤول في المكتبة البولسية في جونية الكسي عايق. "المهم بقاء المسيحيين في الشرق، كي يبقى وجودهم، ويبقى ايضا الكتاب الديني المسيحي ويزدهر"، على قوله.
توقع مستقبل الكتاب الديني المسيحي يحصد تفاؤلا مشوبًا بشيء من الحذر والترقب. "في السنوات الخمس المقبلة، لا خشية على الكتاب الديني"، يقول بطحيش. وبعدها، يصعب "التكهن". "على الاقل، وضعنا مخططا للسنوات الخمس المقبلة، ووضعنا مستقر".
وبالنسبة الى الاب ابو جودة، "الخطر المستقبلي الوحيد هو قلة تنشئة التلامذة على المطالعة، خصوصا مع رواج الانترنت، اذ يخشى ان يتأثر عدد القراء مع الوقت". وازاء هذه الخطر، بدأت الدار تضع "مشاريع مستقبلية، اكان لجهة استخدام الانترنت، ام الوسائل السمعية- البصرية. على سبيل المثال، نبحث في اصدار بعض الكتب على اقرصة مدمجة. نفكر في الامر، وننتظر آراء اختصاصيين".
وفيما يعتبر الاب باليكي ان "لا شيء يؤثر على الكتاب الديني، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، لاسيما تلك الاختراعات الجديدة"، يذهب ارناؤوط الى التطمين. "المستقبل جيد من دون شك. فالكتاب المقدس من اكثر الكتب مبيعا في العالم حاليا". وماذا عن تأثير الانترنت؟ نسأل. "الانترنت قد يؤثر على مبيع الكتاب، لكننا لم نمر بهذا الاختبار في لبنان بعد. ومن دون شك، نضع هذا الامر في الاعتبار".
وفي ظل خشية من تراجع المطالعة لمصلحة الانترنت والسمعي- البصري، يبقى الكتاب الديني "احد وسائل الثقافة الدينية الذي لا بد منه"، يقول الاب ابو جودة. "الايمان والثقافة الدينية يتكاملان. ولا يمكن ان نتكلم على ايمان متين ثابت من دون ثقافة دينية. والايمان الناضج يوجب ايضا مطالعة مستمرة ونموا في فهم الايمان. وهذا اساسي لتنقية التقوى الشعبية، لتصير لديها اسس عقلانية". ويلاقيه الاب باليكي "بالتشديد على ضرورة ان يطلع المسيحيون على دينهم، لان الثقافة الدينية تخولهم المعرفة والانفتاح، وليس التزمت. فالمطلوب تنشئة دائمة. ولا غنى عن الكتاب الديني".