استهل البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثالث من زيارته الى موسكو، الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣، بالاحتفال عند الساعة التاسعة صباحًا بالذبيحة الإلهية في كاتدرائية سيدة الحبل بلا دنس
بمناسبة عيد مار مارون بدعوة من مطران اللاتين باولو بيتسي وحضور السفير البابوي المطران ايفان يوركوفيتش والمطران نيفون سيقلي وعدد من الكهنة والمؤمنين. ورفع غبطته الصلاة على نية الكنيسة في روسيا ومن اجل السلام في الشرق الاوسط. وفي عظته تحدث عن موضوع المحادثات المطوّلة امس مع البطريرك كيريل والذي يتمحور حول السلام والحضور المسيحي في الشرق. وطلب غبطته الصلاة على نية قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الذي يتنحى هذه الليلة عن خدمته القطريين كأسقف روما وبابا الكنيسة "بتجرّد كبير وببطولة إيمان" وأضاف:"لقد علّم قداسة البابا بندكتوس وعاش ما علّم. ففي سنة الايمان أراد ان يعطي الامثولة الكبرى عن الايمان الحي والشجاع الذي يرى ان سرّ الكنيسة اعظم من اي أمر آخر واعلن انه سيمضي حياته في الصلاة من اجل الكنيسة. وأننا نصلي من اجل ان يتمم الله أمنياته الكبرى وان يطيل بعمره كي يبقى أمامنا منارة إيمان وتقوى وعلامة رجاء للكنيسة التي قدّم حياته لها بسخاء كلّي." وجاء في نصّ العظة :
"حبّة الحنطة، إذا وقعت في الأرض وماتت، أعطت ثمراً كثيراً"
(يو12: 24)
1. نهج القدّيس مارون نهج حبّة الحنطة، على مثال السيّد المسيح الذي مات على جبل الجلجلة وقام، فوُلدت منه البشريّة الجديدة المتمثّلة بالكنيسة. فمارون، الكاهن الناسك، المنتمي إلى الجماعة الانطاكيّة السريانيّة، مات بالتنسّك في العراء والموت عن الذات حبّاً بالله، على قمّة تلّة كالوته بين أنطاكيه وحلب، بالقرب من القورشية، وبعد مماته سنة 410 دُفن في بلدة براد. وحوله كوكبة من التلاميذ والتلميذات الذين نهجوا نهجه في عيش الإنجيل.
هذا التشبيه بحبّة الحنطة أصبح نهجاً بشريّاً بوجه عام، ومسيحيّاً بوجه خاصّ. هذه حقيقة عاشها شعب روسيا، ونعيشها في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط، راجين أن يولد من آلامنا وجراحاتنا وضحايا شهدائنا إنسان جديد ومجتمعات وأوطان جديدة، تماماً مثل "حبّة الحنطة التي إن وقعت في الأرض وماتت، أتت بثمر كثير" (يو2: 24).
2. احتفلت الكنيسة في روسيا الامس بعيد القديس مارون، أبي الطائفة المارونية. ونحن اجتمعنا لإحياء عيده في كنيسة سيدة البشارة، التي شُيّدت سنة 1730، وكانت تُكرّم فيها أيقونة القديس مارون. ولمّا أُقفلت الكنيسة بعد الثورة البولشفية سنة 1929، قام المؤمنون والمؤمنات مشكورين جدّاً بإعادة فتح الكنيسة وترميمها. وأعادوا إليها أيقونة القديس مارون العجائبية. وقد قدّمنا بعد القداس ذخيرته في احتفال خاصّ بحضور سيادة رئيس أساقفة Istra المطران Arseny، وسيادة السفير البابوي المطران Ivan Jurković.
إنّنا نضع تحت حماية أمّنا مريم العذراء سيدة البشارة، وسيدة الحبل بلا دنس، والقديس مارون، هذه الزيارة الكنسية الروحية إلى موسكو. نلتمس من الله النعم السماوية على الأشخاص، والنجاح في أهدافها، وبخاصّة على مستوى تعاون كنيستنا البطريركية الأنطاكية المارونيّة مع الكنيسة الروسيّة الأرتوذكسيّة على تثبيت إيمان المسيحيين، وتعزيز رسالتهم الإنجيلية في بلدان الشَّرق الأوسط، بالرغم من كلّ المصاعب والتحديات. وقد أعلنّا مع قداسة البطريرك كيريل، ضرورة هذا التعاون، عندما شرّفنا بزيارة إلى الكرسي البطريركي في بكركي بلبنان بتاريخ 15 تشرين الثاني 2011. إنّنا نتطلّع، في لقائنا ظهر اليوم مع قداسة البطريرك كيريل إلى تحديد مساحات هذا التعاون على المستوى المسكوني والراعوي والاجتماعي، من أجل تعزيز الحضور المسيحي في بلدان الشَّرق الأوسط وتفعيل دور المسيحيين فيها من أجل خيرها وخير إنسانها، وفقاً لتعليم الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشَّرق الأوسط: شركة وشهادة"، الذي وقّعه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في 14 أيلول 2012 ووزّعه رسميّاً، أثناء زيارته الراعوية والتاريخية للبنان.
3. ولا بدَّ في هذه الوقفة الروحيّة، في عيد القديس مارون، من أن نستلهم مثاله، ونقتدي بفضائله التي تشكّل روحانية الكنيسة المارونيّة. وهي روح الصلاة وممارستها، والتأمّل في كلام الله، وروح الزهد والتجرّد، والشهادة للمسيح في القول والعمل، والمحافظة على وحدة الإيمان، ونهج سرّ التجسّد بالحضور الشاهد في منطقتنا، ووضع الذات تحت حماية السيدة العذراء، أمّ الإله وأمّنا.
4. أمّا شخصيّة القدِّيس مارون، فقد وصفها كاتب سيرته تيودوريتُس مطران قورش، الذي لم يعرفه شخصيّاً، بل من خلال تلاميذه الأول. فكتب: "زيّن مارون مصافّ القديسين الإلهي: فإنّه اعتنق المعيشة في العراء على قمّة جبل. ووهبه الله مواهب الشفاء، حتى اشتهرت أخباره بين الناس في جميع الآفاق، فتقاطروا إليه من كلّ صقع ومكان. وكانوا جميعاً قد علموا بالاختبار أنّ ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب صحيح. لأنّه كان يعالج كافّة الأمراض بدواءٍ واحد خاصّ هو الصلاة. لأنّ صلاة الأبرار دواءٌ عام في طبّ العاهات. وما كفى أنّه كان يُبرئ الداء الجسداني فقط، بل الروحاني أيضاً؛ فكان يداوي الأنفس بما يوافق شفاءها. والقديس يوحنا فم الذهب بطريرك القسطنطينية، وصديقه في انطاكيا، وجّه إليه رسالة من منفاه، يطلب منه أن "يصلّي إلى الله من أجله".
5. مثل حبة القمح التي تنبت ثمراً كثيراً، هكذا القدِّيس مارون، يقول المطران تيودوريتُس، "غرس بستاناً لله مزدهراً في كلّ أنحاء المنطقة". تلاميذ وتلميذات نهجوا نهجه في النّسك والصلاة والتأمّل في جمالات الله. وقد بلغ عدد الرهبان الذين عاشوا في دير القديس مارون على ضفاف العاصي في أوائل العام 500، ما يزيد على السبعماية راهب، وقد قتل منهم رافضو مجمع خلقيدونيه (451) ثلاثماية وخمسين راهباً كانوا في طريقهم إلى دير مار سمعان، كما روى رهبان الدير في رسالة وجّهوها إلى البابا هرمزدا بين سنة 517 و518. وكذلك تلميذات كثيرات، يقول تيودوريتُس في كتابه "التاريخ الرهباني" الذي كتبه بعد أن أصبح أسقف قورش سنة 423، "اخترْن حياة النّسك الإفرادي، بينما غيرهنّ يُقمن معاً ويبلغن المئتين وخمسين. فمنذ شرّف سيدنا يسوع المسيح البتولية بولادته من عذراء، تكوّنت جنّات مقدّسة ملأى من العذارى الشبيهات بأزهار عطرة لا يذبل جمالها، ولا يذوي بهاؤها".
6. هذه الجماعة المارونية تبنّت عقيدة مريم أمّ الإله Theotokosالتي أعلنها مجمع أفسس المنعقد سنة 431. وظهرت رسميّاً في الكنيسة الجامعة، إلى جانب أسقف قورش، في الدفاع عن العقيدة التي أعلنها مجمع خلقيدونيا سنة 451، في عهد البابا القديس لاوون الكبير، وهي أنّ يسوع الإله ذو طبيعتَين إلهيّة وإنسانيّة، فهو إله كامل وإنسان كامل. ودخلت العقيدتان المريمية والكريستولوجية في صلب الليتورجيا المارونية وروحانيتها.
7. وفي سنة 685 أصبح الموارنة كنيسة بطريركيّة، عندما انتخبوا من ديرهم، "بيت مارون"، أسقف البترون في جبل لبنان، القديسيوحنا مارون، بطريركاً أوّل لكرسي أنطاكية، وأنا البطريرك السابع والسبعون من بعده. لعلّ القديس يوحنا المحارب الذي يُكرّم في الكنيسة القريبة من هذه الكنيسة، سيدة البشارة، والتي احتضنت أيقونة القديس مارون العجائبية، كما رأينا، لعلّه هو القديس يوحنا مارون الذي ناضل وحارب روحياً من أجل حفظ عقيدة مجمعَي أفسس وخلقيدونيا في كنيسته ونشرها وتعزيزها، في زياراته الراعوية ومؤلّفاته ومواعظه! وانتشرت الكنيسة المارونية في سوريا، حيث لنا ثلاث أبرشيات: حلب ودمشق واللاذقية، وفي لبنان حيث تمركز كرسيّها البطريركي، وتاسّست رهبانياتها، وتكوّن تراثها، وتبلورت هويتها ورسالتها. فكتبت تاريخها على أرض لبنان الذي أصبح الوطن الروحي للموارنة المنتشرين اليوم في القارّات الخمس.
8. من المعلوم أنّ العلاقات الروسية – اللبنانية على المستوى الديبلوماسي والثقافي والكنسي والاقتصادي والتجاري، ترقى إلى أواسط الجيل التاسع عشر. نكتفي هنا بالتذكير بالإرساليات الدينية والتربوية الروسية التي استقرّت في لبنان، على يد الحجّاج الأرثوذكس الروس الذين كانوا يحجّون إلى القدس للصلاة والعبادة في مهد السيد المسيح، وكانوا يعتبرون لبنان أرضاً مقدسة. فكان التعاون الواسع مع بطريركية أنطاكيه وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. وتأسّست الجمعيّة الأمبراطوريّة الأرثوذكسيّة الفلسطينيّة في روسيا سنة 1882، وهي أقدم المؤسَّسات العلميّة والخيريّة التي أُنشئت. وقدّمت مساهمة قيّمة جدّاً في مجال الثقافة والاستشراق الوطني وتطوير العلاقات المتعدِّدة الأوجه بين روسيا وبلدان الشَّرق الأوسط. فأنشأت في مختلف المناطق اللبنانية "المدارس الموسكوبية" التي فاق عددها ما بين 1887 و1914 المئة مدرسة. ثمّ كانت الجمعية الثقافية الأرثوذكسية الامبراطورية اللبنانية"، التابعة لوزارة الثقافة في روسيا الاتحادية[1].
ونذكر أنّ روسيا الاتحادية قدّمت للبنان والدول العربيّة الكثير من المنح الجامعية، ففي لبنان وحده أكثر من خمسة عشر ألف خرّيج من الجامعات والمعاهد الروسية العليا، يعملون في مختلف القطاعات الحياتية والاقتصادية والطبية والاجتماعية[2].
9. إنّ زيارتنا اليوم لموسكو في مناسبة عيد القديس مارون، ولقاءنا مع رأس الكنيسة الروسية الارثوذكسية، قداسة البطريرك كيريل، ومع شخصيّات روحيّة ومدنيّة، تحمل طابع الشكر والتقدير للكنيسة والدولة، والعمل على مزيد من التعاون معهما من أجل الخير العام والنمو الإنساني والاجتماعي في لبنان وبلدان الشَّرق الأوسط، والتعاون على المستوى الكنسي المسكوني من أجل تفعيل الحضور المسيحي في هذه البلدان لخيرها وتقدمها، ولا سيّما من أجل توطيد السلام العادل والشامل والدائم فيهاعن طريق الحوار والمفاوضات بين الأفرقاء المعنيين، بعيداً عن العنف والحرب والترهيب. وبكلّ ذلك نعمل من أجل "ربيع عربي" حقيقي.
نسأل الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، والقديس مارون، أن يبارك مساعينا هذه، ويحقِّق الأمنيات لمجد الله الآب والابن والروح القدس، إلى الأبد، آمين.
وظهرًا اقام سفير لبنان في روسيا شوقي بو نصار مأدبة غداء على شرف الكردينال الراعي، وقد شارك فيها الممثل الشخصي للرئيس الروسي الى الشرق الاوسط والسفير البابوي ونائب مدير قسم الشرق الاوسط في الخارجية الروسية السفير ديادوشكين وعدد من السفراء والقناصل والمطارنة والشخصيات الروسية واللبنانية.
في كلمته قال السفير بو نصار : "تأتي زيارتكم التاريخية هذه مباشرة بعد زيارة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان خلال الشهر الماضي، لتؤكد عمق العلاقات التاريخية، السياسية منها والاجتماعية والروحية بين لبنان وهذا البلد العظيم روسيا الاتحادية الذي نقدر له دوما حكومة وشعبا وقوفه الى جانب القضايا العربية المحقة ودعمه الدائم للبنان في وجه الاعتداءات الاسرائيلية وفي وجه خطر التطرف والأصولية. صاحب النيابة، لقد اتخذتم منذ اعتلائكم السدة البطريركية شعارًا لكم هو "الشركة والمحبة" وهو الشعار الذي تؤكدون عليه دومًا في كافة نشاطاتكم من خلال دعواتكم الى نبذ العنف والتطرف والى تغليب لغة الحوار البناء بين كافة الافرقاء في لبنان والبلدان العربية، وهو الامر الذي من شأنه تحصين تلك البلدان وحفظها من الفتنة والخراب. ونطلب الى الله ان يوفقكم في مساعيكم الخيرة مع تمنياتنا بان تساهم زيارتكم الهامة الى هذا البلد الصديق في تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية والى دعم الوجود اللبناني في روسيا الاتحادية."
في كلمته وبعد توجيه تحيات الشكر قال الكردينال الراعي:
1. يسعدني والوفد المرافق أنّ نلبّي دعوتك سعادة السفير شوقي بو نصار إلى مائدة المحبة، وأن نحييك مع أركان سفارتنا اللبنانية في موسكو، والجالية اللبنانية العزيزة في هذه العاصمة وفي روسيا الاتحادية، والأصدقاء الروس والسفراء والقناصل وسائر الوجوه الكريمة. ويطيب لي أن أنقل إليكم جميعاً تحيّات فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وأن نرفع من هذا البيت اللبناني تحيّاتنا إليه وإلى أركان الدولة اللبنانية، راجين للوطن العزيز السلام والاستقرار. ويطيب لي ايضاً أن نوجّه معكم تحية كبيرة إلى فخامة رئيس جمهورية روسيا الاتحادية السيد فلاديمير بوتين وسائر السلطات المدنية، داعين لهم بالصحة والنجاح. كما نحيّي قداسة البطريرك كيريل، مع شكري الكبير له على الدعوة لزيارة موسكو، وللتباحث في شأن السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولتفعيل دور المسيحيين فيها، وحماية حضورهم، لأنّهم يواجهون بعض المخاطر والتعديات والتهديدات. إنّ وجود المسيحيين في الشّرق الأوسط أصيل ويرقى إلى عهد السيد المسيح والرسل، وقد طبعوا بالقيم الإنجيلية ثقافات بلدانهم، وكانوا روّاد النهضة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية فيها.
2. سعادة السفير، نحن نعتزّ بك ونفاخر بأنّك سفير لبنان الجديد في روسيا الاتحادية العزيزة. عرفناك عندما كنت لسنوات قنصلاً عامّا في لاغوس نيجيريا، وتعاونّا معك في خدمة الجالية اللبنانية هناك. وقد أحبّك الجميع وقدّروا مزاياك وحرارة قلبك وجهوزيتك للخدمة بتفانٍ وإخلاص. ويسعدني شخصيّاً أن تتزامن زيارتي لموسكو مع بداية خدمتك الديبلوماسية، وأن أعرب لك عن تهانيّ القلبية بهذا المنصب الجديد، مع تمنيّاتنا لك ولمعاونيك في السفارة اللبنانية بالخير والنجاح، كما نهنّئ عائلتك العزيزة التي نعرفها عن كثب ونحييها بكل مودّة.
3. إنّنا نتطلّع إلى دور سفارتنا في تعزيز العلاقات السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية بين روسيا الاتحادية ولبنان، لخير البلدَين وتوطيد روابط الصداقة والتعاون. كما نتطلّع إلى دوركم الديبلوماسي في حماية قضية لبنان، وإبراز قيمته ورسالته، كدولة مدنيّة يفصل فيها المسيحيون والمسلمون بين الدين والدولة. فأنشأوا دولة ذات نظام برلماني ديموقراطي، يقرّ بالحريات العامّة وشرعة حقوق الإنسان، ويعتمد نهج الحوار والتوافق، ويلتزم قضايا الأسرة الدولية، وهو عضو مؤسّس في منظّمة الأمم المتّحدة، وقضايا العالم العربي وهو عضو مؤسس أيضاً في جامعة الدول العربية. وهو بلد لا ينتمي بالتبعيّة لأيّ بلد في الشّرق أو في الغرب، بحكم الميثاق الوطني الذي وضعه اللبنانيون سنة 1943، بل ينفتح على جميع البلدان الشرقية والغربية بروح الصداقة والتعاون، ما عدا دولة إسرائيل بسبب النزاع القائم مع الفلسطينيين والدول العربية، وبسبب استمراريتها في احتلال جزء من الأراضي اللبنانية بالرغم من قرارات مجلس الأمن الآمرة بالانسحاب منه.
4. إنّ لبنان بحكم موقعه الجيوسياسي على الضفّة الشرقية من المتوسّط، ونظامه الذي يميّزه عن سواه من البلدان العربية، يشكّل المكان الطبيعي المقبول للتلاقي ولحوار الثقافات والأديان. فمن الضرورة حمايته، لكي يواصل دوره كعنصر سلام واستقرار في بيئته الشّرق أوسطية. ومن الضرورة أيضاً إعلان حياده الإيجابي من أجل هذه الغاية، ولا سيّما من أجل تعزيز العدالة والسلام والتفاهم بين الشعوب. ومن المعلوم أن لبنان يعاني الكثير مما يحيط به من نزاعات وحروب، بدءاً من النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، وصولاً إلى النزاع الإقليمي السنّي – الشيعي، وإلى نتائج الحرب على العراق، فإلى الحرب في سوريا، وتصاعد الحركات والمنظمات الراديكالية والأصولية في منطقة الشّرق الأوسط.
أخذ الله بيدكم، سعادة السفير، وكلّل بالخير والنجاح مهمتكم الديبلوماسية، وبارك روسيا ولبنان وسائر بلدان العالم، بهبة السلام والعدالة والتفاهم بين الشعوب وبكلّ خير، "لأنّ كلّ عطيّة صالحة هي من الله الكلّي الجودة".
كما زار البطريرك الراعي يرافقه ممثل البطريركية الاورثوذكسية متحف الايقونات Tretyakov في موسكو.
ومساء امس لبى نيافته دعوة سيادة المطران نيفون سيقلي ممثل كنيسة أنطاكية للروم الارثوذكس في موسكو، الى دار المطرانية حيث التقى على مأدبة العشاء عددا من المسؤولين الرسميين وفي طليعتهم نائب وزير الخارجية الممثل الشخصي للرئيس بوتين الى الشرق الاوسط السفير ميخائيل بوغدانوف وعميد السلك الدبلوماسي العربي سفير الكويت وعدد من سفراء الدول ومن اعضاء الجالية اللبنانية. وفي كلمة الترحيب باسم غبطة البطريرك يوحنا العاشر، وصف سيادته البطريرك الراعي ب "كاردينال القرارات الشجاعة وأكثر القيادات الروحية اشعاعًا في لبنانوالمنطقة" وأضاف: "اننا نشهد معًا للقيم الروحية الجامعة التي توحّد كنيستينا، باحثين سويًا في الوجود المسيحي في الشرق الاوسط، والتحديات التي نجابهها معًا مسيحيين ومسلمين في المنطقة وفي طليعتها الارهاب والتطرّف الديني والخطف والتهديد والقتل. وأننا – ختم المطران سيقلي- ندين بشدة هكذا امراض، ونصلي الى الله لينير قلوب شعوبه لكي يروا صورة الخالق في قلوبهم"
ومن جهته رد الكردينال الراعي بالشكر، محييا الدول الممثلة بسفرائها آملا في تضافر جهود المجتمع الدولي من اجل إحلال السلام في العالم، وقال:
1. بكثير من المحبة والامتنان أحيّيك سيادة الأخ الجليل المطران نيفون مع الوفد المرافق وأشكر لك هذا اللّقاء على مائدة المحبة، راجياً أن تظلّ هذه المطرانية مكاناً تشعّ منه المحبة وروح الإنجيل، ويلتقي فيه الإخوة حسب صلاة المزمور: "ما أجمل أن يسكن الإخوة معاً" (مز133: 1).
2. وأودّ أن أعبّر لسيادتك عن الشكر الكبير على الاهتمام بقيام هذه الزيارة لموسكو، ملبّين دعوة قداسة البطريرك كيريل، رأس الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وعلى الاهتمام بتفاصيلها. إنّنا نعتزّ بك وبالدور الكنسي الذي تؤدّيه كمعتمد لبطريركية أنطاكيه للروم الارثوذكس، وبالسعي الدؤوب إلى تنشيط وتفعيل العلاقات بين لبنان وروسيا الاتحادية، وأنت لا تترك أي مناسبة إلّا وتعمل من أجل نجاحها وتثميرها.
3. إنّنا نحمل سوية هَمّ السلام والاستقرار في لبنان وسوريا وسائر بلدان الشّرق الأوسط، من أجل خير شعوبها عامّة، وخير المسيحيّين خاصّة. فالمسيحيّون مواطنون أصيلون وأصليّون من هذه البلدان منذ ألفي سنة، ولهم فيها دور أساسي في نشر قيمها الثقافية والحضارية والدينية والاجتماعية. ومن حقّهم كمواطنين أن ينعموا بكلّ الحقوق، ويلتزموا بكلّ الواجبات. إنّ الحرب والعنف والإرهاب يهدّد وجودهم ورسالتهم. والكنيسة تعمل جاهدة بكلّ وسائلها للمحافظة على الحضور المسيحي الفاعل في أرض الشّرق الأوسط التي اختارها الله ليحقّق عليها تاريخ الخلاص، وقد بلغ ذروته في سرَّي التجسّد والفداء وحلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة. فلا بدَّ من بذل كلّ الجهود الكنسية والمدنية، الراعوية والسياسية، من أجل أن يواصل المسيحيون وكنائسهم رسالة إعلان إنجيل الخلاص، إنجيل الأخوّة والسلام، إنجيل كرامة الشخص البشري، وقيمة الحياة. فالمسيحيون في الشرق هم روّاد النهضة وقيم الحداثة. من أجل هذه الغاية، كانت دعوة البطريرك كيريل لنا لزيارة موسكو، وللتفكير معاً في هذه الأمور. وهذا ما جرى ظهر اليوم في محطّتِين الأولى مع سيادة المتروبوليت إيلاريون، والثانية مع قداسة البطريرك كيريل، بمشاركتكم.
حقّق الله الأمنيات، وتمّت بنا وبشعبنا وبشعوب الشّرق الأوسط إرادته المقدّسة، لمجده تعالى ولخير جميع الشعوب.
زينيت