موسيقى البوب وتصفيق الجمهور. كان الرجال يتفاخرون بحساباتهم المصرفية والمنازل والسيارات الفارهة، بينما ترتدي النساء الرشيقات ملابس فخمة. ويختلط مع المزاح قضايا اجتماعية هامة وحساسة يتحدث بشأنها الصينيون في المدن والذين تتراوح أعمارهم بين العشرينيات والأربعينيات وإن لم يكن ذلك علنا منها السعي المحموم وراء الثروة وسياسة الطفل الواحد التي تتبعها الصين. ويقول وانغ، أحد المنتجين القدامى في التلفزيون: «يمكنك معرفة فيم تفكر الصين وما تتطلع إليه من خلال هذا البرنامج». اسم البرنامج هو «إيف يو أر ذا وان» أو «إذا كنت المختار» وقد حظي بنسبة مشاهدة عالية خلال النصف الأول من عام 2010. وانضم إلى متابعته أكثر من 50 مليون شخص. أصبح المتسابقون هم مصدر الإثارة، حيث رفضت إحدى الممثلات الصاعدات رجلا يعرض عليها جولة بالدراجة، قائلة: «أفضل ركوب سيارة (بي إم دابليو)». جذب البرنامج اهتمام الصينيين في الخارج وبعضهم من الطلبة الذين يدرسون في الولايات المتحدة ويقيمون في مساكن الطلبة، حتى إنهم كانوا يسجلون نسخا خاصة بهم. لقد عزز هذا البرنامج التأثير الثقافي للصين وهو ما يتطلع إليه قادة الدولة. مع ذلك، أثبتت التجربة أن واقعية تلفزيون الواقع أكبر من أن يحتملها الرقيب، الذي هدد بعد أن انزعج من تصوير الشباب الصيني وانتشار البرامج التي تحاكي أفكارا موجودة، بإلغاء البرنامج.
لقد تسابق المنتجون على إصلاح البرنامج، حيث استعانوا بمتسابقين قدامى ومذيع ثالث وهو أستاذ شرفي من مدرسة تابعة للحزب الشيوعي. وقال وانغ البالغ من العمر 45 عاما بينما تومض شاشات التلفزيون خلفه في غرفة التحكم في إقليم جيانغسو: «فُرضت المزيد من القيود على حرية التعبير في البرنامج منها حذف الملاحظات التي يمكن أن تحدث تأثيرا سلبيا على المجتمع».
ووضع المنظمون سياسة شاملة من المقرر أن تفعّل يوم الأحد ومن شأنها أن تلغي عددا كبيرا من البرامج الترفيهية التي تُعرض على التلفزيون خلال الأوقات التي بها أعلى نسبة مشاهدة. وقد أوضحت السلطات أن التوجهات التي أثارتها برامج مثل «إذا كنت المختار» وبرنامج المواهب «سوبر غيرل» أو «الفتاة الخارقة» تجاوزت كل الحدود مما دفعها إلى التصدي لما سمته بـ«الترفيه الزائد عن الحد».
يمكن أن يؤدي برنامج إلى مواجهة التلفزيون لأكبر حركة تنكيل منذ سنوات وهو ما يوضح زيادة توتر سلطة الحزب الشيوعي على مجال الترفيه.
وقد ظل الحزب الشيوعي لعقود يدفع المحطات التلفزيونية نحو السوق، لكن تزايد خوف القيادات المحافظة من البرامج التي تدغدغ مشاعر المشاهدين وترسم وتعكس صورة عالمية خارج سيطرة الدولة.
في النهاية للتلفزيون وضع هام وسط ترسانة الإعلام الحكومي، حيث يبلغ عدد مشاهديه 1,2 مليار ويضم أكثر من 3 آلاف قناة مما يجعله أهم وسيلة دعاية يستخدمها الحزب سواء كان هذا من خلال نشرة الأخبار المسائية أو المسلسلات الدرامية التاريخية الوقورة. وقال ين هونغ، الأستاذ بجامعة تسينغوا: «لقد نشب صراع بين من يدفع باتجاه بناء صناعة تجارية وبين من يتساءل عما إذا كان هذا سيؤدي إلى تدهور كامل في الثقافة والأخلاق».
تعريف الحزب لـ«البرامج الترفيهية» هي تلك التي تتضمن برامج مسابقات ومواعدة وبرامج حوارية تستضيف المشاهير. وكما هو الحال في الغرب، تكلفة إنتاج مثل هذا النوع من البرامج منخفضة، بينما تحصل على نسبة مشاهدة عالية وتحقق عائدات مرتفعة من الإعلانات وهو ما أمر ضروري نظرا لعدم حصول تلك المحطات على الكثير من الدعم المالي الحكومي.
وطبقا للقوانين الجديدة التي أُعلن عنها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، اضطر المسؤولون التنفيذيون والمنتجون في 34 محطة تلفزيونية فضائية في مختلف أنحاء الصين لإلغاء الكثير من البرامج الترفيهية من الخريطة للحد مما وصفه المنظمون بـ«التوجهات الوقحة». وتعد هذه الإجراءات محاولة جديدة من قبل الرئيس الصيني هو جنتاو للسيطرة على الحياة الثقافية والتي تشمل الأفلام والنشر والإنترنت وفنون الأداء.
وأصدر المنظمون كتيبات إرشادية بعد أن جعلت اللجنة المركزية للحزب الثقافة والأيديولوجية محور اجتماع شهر أكتوبر. وقال ين، الذي نصح المسؤولين خلال الجلسات التحضيرية للاجتماع، إن القيادات يعتزمون إصدار ورقة تدفع المجالات الثقافية نحو الاقتراب من السوق. مع ذلك، قال إن كبار المسؤولين الذين بدأوا في هذا الأمر منذ ستة أشهر يشعرون بالقلق على «أخلاق المجتمع»، لذا وجهوا سياستهم نحو السيطرة على الثقافة. أما من جهة التلفزيون على وجه التحديد، فقد قال: «يشكو الكثير من الرفقاء القدامى من البرامج الترفيهية وتأليه المشاهير».
وطبقا للقوانين الجديدة، يحق لكل محطة تلفزيونية أن تبث برنامجين ترفيهيين فقط أسبوعيا خلال الوقت الذي به أعلى نسبة مشاهدة. ولا يمكن عرض سوى تسعة برامج ليلا على مستوى الدولة بعد أن كان العدد رسميا خلال الخريف الحالي 126. وسوف تحدد لجنة من المنظمين البرامج التي ستعرض إذا لم تفعل المحطات. ويجب أن تحظى أي أفكار لبرامج جديدة بموافقة الرقباء. والمتوقع أن تزيد القنوات الفضائية البرامج الإخبارية وتعرض على الأقل برنامج يروج للقيم الصينية التقليدية والنظام الاشتراكي. ولا تخجل الهيئة التي تنظم هذا المجال وهي هيئة الإذاعة والأفلام والتلفزيون الدولية من فرض قيود على الدراما أيضا، فخلال العام الماضي، عبرت عن رفضها لمسلسلات التجسس وبرامج الرحلات. في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، فاجأت المجال من خلال حظر عرض إعلانات أثناء فترة عرض المسلسلات بداية من يناير (كانون الثاني). وقال مصدر مطلع رفض ذكر اسمه: «تحاول الهيئة إعادة رؤساء القنوات التلفزيونية إلى جذورهم. ما هي تلك الجذور؟ إن التلفزيون يفترض أن يكون الناطق باسم الحزب في الدولة. ويفترض أن تركز على الدعاية لا المحتوى الحسي».
دور المال ليست السيطرة على التلفزيون أمرا يتعلق بالأيديولوجية فحسب، لكنه مرتبط أيضا بأموال الإعلانات على حد زعم العاملين في هذا المجال. المسؤولون في الهيئة مقربون من المسؤولين في التلفزيون المركزي الصيني المملوك للدولة والذي يعد الأكبر في البلاد. لا يزال التلفزيون المركزي يهيمن على الصناعة، لكنه تنازل عن حصة من السوق للمحطات الفضائية المحلية لأنها تنتج برامج ترفيهية مشهورة.
وهناك ما يشبه النفق بين هيئة التلفزيون المركزي وهيئة الإذاعة والأفلام والتلفزيون، حيث تولى نائب الوزير السابق لهيئة الإذاعة، هو زانفان، منصب رئيس التلفزيون المركزي. وحول التلفزيون جزءا من عائداتها السنوية إلى هيئة الإذاعة، وكذلك منحها 675 مليون دولار في الفترة من 2001 إلى 2005، بحسب إحصاءات التلفزيون المركزي الصيني. على الجانب الآخر، تحول المحطات المحلية عائدات إلى السلطات المحلية التي ليس لديها ما يدفعها نحو ممارسة الرقابة على البرامج الناجحة.
من أهداف الحملة التي شنتها هيئة الإذاعة ضد البرامج الترفيهية إثراء التلفزيون المركزي على حد قول مراقبين في هذا المجال. ربما قطف التلفزيون بالفعل ثمار الإعلان عن النظام الجديد في أكتوبر، ففي 7 نوفمبر خلال المزاد السنوي للمساحات الإعلانية لعام 2012، حقق التلفزيون أرباحا قدرها 2.2 مليار دولار بزيادة 12,5 في المائة عن العام السابق. ولم يجب أي من مسؤولي هيئة الإذاعة والتلفزيون المركزي عن طلبات كثيرة لإجراء مقابلة.
مع ذلك يمكن أن يأتي هذا بنتائج عكسية، حيث يقول بعض المحللين إنه كلما زادت القيود على التلفزيون، زاد عدد المشاهدين الذين سيلجأون إلى الإنترنت سعيا وراء هذه البرامج وهو نطاق لا تحكم الهيئة السيطرة عليه. وقد تراجعت نسبة مشاهدة برنامج «إذا كنت المختار» بعد تدخل الرقباء وإجبارهم مسؤولي القناة على تغيير شكله العام الماضي. مع ذلك توصل وانغ وفريق عمله إلى طرق للحفاظ على نسبة المشاهدة المرتفعة للبرنامج. عندما أقامت المحطة الأم «جيانغسو ستالايت تليفيجين» مزاد المساحات الإعلانية في نوفمبر، حصل برنامج «إذا كنت المختار» على 82 في المائة من إجمالي عائدات المحطة التي تقدر بـ345 مليون دولار. تريد محطة «جيانغسو» من الرقباء السماح بعرض البرنامج الذي مدته 90 دقيقة يومي السبت والأحد في الوقت الذي يحظى فيه بأعلى نسبة مشاهدة. وتخفض المحطة عدد البرامج الترفيهية بمقدار النصف على حد قول وانغ وتطور برامج تروج «للاستقرار الاجتماعي». مع ذلك يتساءل البعض عما إذا كان الرقباء سوف يبدون مرونة تجاه هذا الأمر.
ونشرت صحيفة «بيبولز ديلي» الناطقة باسم الحزب تعليق في أكتوبر ينتقد التأثير السلبي للبرنامجين. أحد البرنامجين هو «الفتاة الخارقة» وهو برنامج لتقديم المواهب عوقب كثيرًا بسب «وقاحته» منذ ظهوره على شاشة «هونان ستالايت تليفيجين» عام 2004. وتم إيقاف البرنامج في سبتمبر (أيلول). أما البرنامج الثاني فهو «إذا كنت المختار». وجاء في المقال: «تسعى بعض البرامج إلى التجديد، وتعتمد على التلصص على خصوصية الآخرين من أجل ذلك الهدف. إنهم يثيرون عبيد المال مما أشعل غضب الجمهور».
صدام أفكار وتغير مسار الحديث نحو أحجام أرجل النساء، حيث سألت إحدى المتسابقات وتدعى زو تنغاي، وهي أم عزباء قائلة: «هل تفضل الرجل الصغيرة أم المتوسطة؟». وقال وانغ: «أنا أسف لا أعلم حقًا الفرق بين الاثنين». ودخل مينغ فين مقدم البرنامج الرئيسي في الحوار وتساءل: «هل تسألك ما إذا كنت تفضل الرجل الصغيرة والمتوسطة؟»، فأجابت السيدة زو: «لم أسأله عن الاثنين معا؟» لينفجر الحضور في موجة من الضحك والتصفيق الحاد، لكن تم اقتطاع ذلك الجزء من الحلقة التي بُثت على الهواء في 12 نوفمبر.
وكان الحوار الساخن من السمات المميزة للبرنامج، وكان أهم أهدافه زيادة هامش حرية مناقشة الموضوعات على شاشة التلفزيون الصيني قدر الإمكان. وقال وانغ: «لقد كنا نأمل أن يحدث صدام بين الأفكار». وكان البرنامج محور الحديث بين وانغ وزينغ وينينغ، الذي يعمل حاليًا في مؤسسة «هيرست». في خريف عام 2009 كان زينغ وهو خريج جامعتي هارفارد وكولومبيا، يعمل لدى «فريمانتل ميديا»، التي يمتلكها بيرتلسمان، وكانت مهمته إقناع محطات التلفزيون الصينية وشركات الإنتاج بشراء حقوق بث برامج تلفزيونية أجنبية. وكان أحد برامج «فريمانتفل ميديا» «اخرج معي» وهو برنامج مواعدة شهير في بريطانيا. تواصل زينغ مع أكثر محطتين إقداما على المغامرة وهما «هونان» و«جيانغسو». كان لوانغ شعبية في «جيانغسو»، فقد عمل في المحطة منذ نهاية الثمانينيات وشهد تحولا في الصناعة. وتأسست المحطة التلفزيونية الفضائية عام 1997 وسمحت لبعض المحطات الإقليمية بالبث على نطاق محلي ومنافسة التلفزيون المركزي على أموال الإعلانات. وزاد التلفزيون المركزي والمحطات الإقليمية إنتاج البرامج الترفيهية في ذلك الوقت تقريبا.
وقال وانغ: «المنافسة بين المحطات الهامة شرسة». وأضاف أنه أراد برنامج مواعدة جديد يقوم على استغلال فكرة «الفتيات المثقفات اللاتي يضعن معايير مرتفعة في عملية اختيار شريك الحياة» والفتيان الذين يقومون بالمثل والأشخاص الذي يركزون على عملهم ولا يوجد لديهم شريك وهو موضوع ساخن في الصين. سيكون هذا البرنامج أيضا نافذة على حياة «الجيل الثاني الثري» أبناء المال الجديد في الصين. وهزمت محطة «هونان» محطة «جيانغسو» في المزاد على برنامج «اخرج معي»، لكن وانغ أنتج برنامجه الخاص الذي أرادت شركة «يونيليفر» رعايته. ويشارك في البرنامج أربع وعشرون سيدة يقفن وراء منصات ذات إضاءة شديدة ويمطرون الرجال بأسئلة كثيرة، بينما يدير مينغ، المذيع الأصلع اللمّاح ومقدم نشرة الأخبار، الحوار، ويعاونه لي جيا، المذيع الأصغر سنا والأكثر نحافة، لكنه أصلع أيضا ويقوم بدور المحلل النفسي.
أذيعت الحلقة الأولى من البرنامج في 25 يناير (كانون الثاني) 2010. وقال أول متنافس ويدعى زانغ سيونغزيانغ البالغ من العمر 23 عامًا: «أي امرأة تخرج معي لن تحمل هموم الحياة». وكان والده يدير مصنعا يعمل به أكثر من ألف عامل، ويزهو بشقته وسيارته البيضاء وصفوف ملابسه من خلال المقطع المصور. واستعرض متسابقون آخرون دخولهم المرتفعة من خلال رسوم الغرافيك في المقاطع المصورة. في جزء لاحق من الحلقة، أدت متسابقة ترتدي حذاء أحمر ذا عنق من الفينيل وفستان أسود ضيق رقصة جريئة على كرسي. مع ذلك عرفت القضايا الجادة طريقها إلى البرنامج، حيث سألت السيدات زانغ عن سبب التمسك بعقلية إنجاب الذكور. وقال وانغ: «يتمتع الشباب هذه الأيام بالجرأة الكافية للتعبير عن أنفسهم. لا يمكنك أن تكون صادقا إن لم تكن تجرؤ على التعبير عن نفسك».
زادت سوء سمعة البرنامج بعد رفض إحدى المتسابقات وتدعى ما نو رجلا من خلال الإشارة إلى تأوهها في سيارة «بي إم دابليو».
وتلقت آلاف الرسائل من معجبين ومنتقدين على حد سواء. وقال المؤيدون إنها كانت تعبر فقط عن فكر الكثير من السيدات. وقالت ما البالغة من العمر 23 عاما في مقابلة إن المنتجين أخبروا المتسابقات بضرورة عدم الحفاظ على كرامة المتسابقين الرجال. وبعد التعليق الخاص بالسيارة «بي إم دابليو» الذي جعلهم يدركون صراحتي أرادوا مني أن أقول الكثير من الأمور المثيرة للجدل.
في حلقة أخرى، رفضت زو زينفانغ عريس وقالت إن أي رجل يريد أن يصافحها عليه أن يدفع 200 ألف رينمبي أو ما يعادل 32 ألف دولار لأن «على صديقها الحصول على راتب شهري قدره 200 ألف». وتصدرت متسابقة أخرى تدعى يان فينجياو عناوين الصحف عندما ظهرت صورها وهي عارية على الإنترنت.
زاد إقبال المشاهدين على البرنامج، ففي مايو (أيار) 2010، احتل المركز الثاني من حيث نسبة المشاهدة بعد الأخبار المسائية على التلفزيون المركزي التي على جميع المحطات التلفزيونية الفضائية نقلها. وانتقدت صحيفة «تشاينا ديلي» البرنامج واصفة إياه بـ«الغامض أخلاقيا والصادم بصريا». لقد انتشرت برامج لا تسر الرقباء، ففي يونيو (تموز)، تم استدعاء كل من رئيس محطة «جينساو» ورئيس محطة «هونان» إلى اجتماع مع مسؤولين في هيئة الإذاعة والأفلام والتلفزيون. وقال مصدر مطلع على الاجتماع: «لقد كانوا قاسين». وكانت الرسالة بسيطة وهي تخفيف حدة الجرأة في البرامج وإلا فسوف يتم إلغاؤها.
نقلا عن الشرق الأوسط