"لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". (المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان). تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في 3 أيّار
باليوم العالمي لحرية الصحافة بالتركيز هذا العام على حرية التعبير والوصول الى المعلومات من اجل تمكين الناس، واعطائهم المعلومات التي تساعدهم على التحكم بحياتهم. وقد بدأ الاحتفال السنوي به منذ اعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، بهدف تذكير العالم بالدور الحاسم الذي تلعبه الصحافة الحرة لترسيخ الديموقراطية وتدعيم التنمية وفرصة لتكريم ذكرى الصحافيين الذين لاقوا حتفهم بسبب مهنتهم، وتعزيز اهمية حماية الحق في حرية التعبير.
ويعتبر هذا اليوم ايضا مناسبة لتوعية الرأي العام الى انتهاكات حرية التعبير، واسترعاء الإنتباه الى عمل الصحافيين الذين يتعيّن عليهم المجازفة بحياتهم او بدخول السجن من اجل ايصال المعلومات الى الناس يوميا. كما تخضع المنشورات ودور النشر للرقابة بالاضافة الى التغريم والتوقف عن العمل واغلاق المكاتب في عدد كبير من الدول. ويتعرّض العاملون في هذه المؤسسات الى معاملة سيئة تصل الى حد التوقف عن العمل والسجن. فالثالث من أيّار هو موعد لتشجيع وتطوير المبادرات لمصلحة حرية التعبير وتقييم وضع حرية الصحافة حول العالم. كما هو دعوة للحكومات الى احترام التزامها لتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير. وهو يوم تأمل للعاملين في الاعلام لمراجعة مواضيع حرية الصحافة واخلاقيات هذه المهنة.
وفي الإطار نفسه، كشف السيد امبيي ليغابو، المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في تقريره الأخير الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الى اختطاف 67 من العاملين في المهن الإعلامية خلال عام 2007، وتعرّض 1511 آخرين لإعتداءات جسدية او للتهديد خلال العام المذكور. "بل ومن الأكثر إقلاقا انه قد قتل 86 صحافيا و20 من العاملين الآخرين في مجال الإعلام، ما يمثل زيادة نسبتها 244 في المئة على السنوات الخمس الماضية واعلى رقم منذ عام 1994". وتعتبر المنازعات المسلحة اكبر المخاطر التي تهدد امن العاملين في المهن الإعلامية. "فما يزيد عن نصف الصحافيين الذين قتلوا في العام الماضي كانوا في العراق، غالبيتهم العظمى كانوا يعملون لحساب وسائط الإعلام المحلية". كما قتل صحافيون في افغانستان وسريلانكا وجمهورية الكونغو الديموقراطية.
وذكّر المقررالخاص بالأحكام الرئيسية التي تحمي الصحافيين وغيرهم من العاملين في المهن الإعلامية في حالات النزاعات المسلحة مصدرها القانون الإنساني "لا سيما التدابير الخاصة الواردة في المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949، والمتصل بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية. فتنص المادة المذكورة على ما يلي: "يعد الصحافيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطيرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين" و"يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول، شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين".
والوضع المدني للصحافيين له الأسبقية على أي نوع من الترتيبات التعاقدية التي قد يعمل الصحافي بموجبها؛ وتمنح حماية متساوية للصحافيين المستقلين أو الصحافيين العاملين لحساب أية واسطة من وسائط الإعلام. وشدّد المقرر الخاص على ان للدول التزاما بضمان سلامة وحماية الصحافيين وغيرهم من الموظفين الإعلاميين اثناء المنازعات المسلحة.
وقد أصدر مجلس الأمن في عام 2006 القرار 1738 أعرب فيه عن بالغ قلقه "إزاء تكرار أعمال العنف في أجزاء عديدة من العالم ضد الصحافيين وموظفي وسائط الإعلام ومن يرتبط بهم من أفراد في النزاعات المسلحة"، ودان الهجمات المتعمدة ضد هذه الفئة. كما أكد التزامه بمقتضى القانون الإنساني بمنح الصحافيين وضع المدنيين أثناء المنازعات المسلحة، على نحو ما تنص عليه اتفاقيات جنيف.
وعبر المقرر الخاص عن قلقه ازاء ظاهرة اللجوء إلى الرقابة، مباشِرةً كانت أم غير مباشِرة، وهي ممارسة ما زالت قائمة في أنحاء كثيرة من العالم مما يعتبر انتهاكا لحق الإطّلاع على المعلومات. فقد لجأت حكومات كثيرة إلى طرق غير مباشرة لفرض رقابة على وسائط الإعلام التي تبدي آراء مستقلة أو لإغلاقه. وطيلة عام 2007، تابع المقرر الخاص عن كثب عدداً لا يُستهان به من الحالات التي أوقفت فيها الحكومات وسائط إعلامية معينة عن العمل، وبخاصة قنوات تلفزيونية تبث الأنباء دولياً، وذلك أثناء احتجاجات عامة أو عمليات انتخابية أو حالات طوارئ أو فوضى عامة واسعة النطاق. "وفي معظم الحالات، كان الهدف من تلك الممارسات عزل البلدان المعنية عن باقي العالم، ما يحجب الأنظار عما ترتكبه مؤسسات الدولة من انتهاكات لحقوق الإنسان، متجنبة بذلك الانتقادات والضغوط الدولية".
واشار ايضا الى وسائط الإعلام الجديدة، وبخاصة الإنترنت، اذ لا تزال بمنأى عن الرقابة والقمع المباشر. ونبّه الى ظهور نزعة متزايدة خلال السنوات الأخيرة على فرض الرقابة وحظر المواقع والمساهمين فيها، لا سيما المدوِّنون. ونظراً لتدني كلفة التواصل عبر شبكة الإنترنت وللطابع اللامركزي لهذه الشبكة واتساع نطاق التواصل عبرها، باتت واسطةً مهمة لتداول الآراء المستقلة عن سلطات الدولة وسياساتها. ومن ثم، "باتت حكومات كثيرة حريصة على التحكم بوسائط الإعلام القائمة على التكنولوجيا الرقمية، وبخاصة الإنترنت، وعلى رصدها وفرض رقابة عليها، بطرق من بينها معاقبة المئات ممن يُسَمُّون "المعترضون الشبكيون" في جميع أنحاء العالم. وفي بعض الحالات، فُرض حظر تام على استخدام الإنترنت في الاتصالات المنزلية الخاصة، ما أتاح المجال لفرض الحكومات رقابة كاملة على استخدام مواطنيها شبكة الإنترنت". وعلاوة على ذلك، عبّر المقرر الخاص عن بالغ قلقه إزاء كثير من شركات الإنترنت الكبيرة التي كشفت النقاب عن معلومات شخصية عن مستخدِميها بغية تمكين الحكومات من تحديد هوية من يتواصلون عبر الإنترنت وإدانتهم.
وتناول التقرير موضوع ادارة شبكة الإنترنت. ففضلا عن كونها من احدث تكنولوجيات المعلومات والإتصالات لنشر المعلومات والآراء والأفكار، فهناك مشاكل حادة نتيجة اساءة استعمال هذه الوسيلة مثل "استخدام الأطفال في إنتاج أعمال فنية فاضحة أو مواد إباحية أو مطبوعات خليعة، والأحاديث والخطابات التي تنم عن الكراهية وتحض عليها، والمسائل المتعلقة بالخصوصيات، وهي مشاكل لا يمكن معالجتها إلا من خلال مناقشة جادة تركز على حسن الإدارة".
واقترح المقرر الخاص إنشاء منظمة دولية تتولى إدارة الإنترنت باتباع نهج سديد في ما يتعلق بحقوق الإنسان على سبيل الأولوية بالنسبة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، على أن تتولى هذه المنظمة، على وجه الخصوص، وضع قواعد ومبادئ عالمية لضمان إمكانية تطوير الإنترنت بوصفها "واسطة ديموقراطية للتعبير تمتثل امتثالاً تاماً لمبادئ حقوق الإنسان".
وشدِّد المقرر الخاص على أهمية التشجيع على التنوُّع في وسائط الإعلام، داعيا الى تشجيع ثلاثة أبعاد أساسية للتنوُّع ، وهي: تنوُّع أشكال هذه الوسائط، وبخاصة إيجاد بيئة حرة من أجل استحداث أشكال هذه الوسائط الإعلامية ونشرها؛ وتنوُّع المصادر لتعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير؛ و(ج) تنوُّع المضمون، ما يتيح لمختلف الجماعات وللفئات الضعيفة مجالاً للاطلاع على وسائط الإعلام وتحديد السبل المناسبة لإسماع صوتها بفعالية.
كما شدد على تنوُّع المضمون في وسائط الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والقائمة على التكنولوجيا. فالنهوض بالمضمون التربوي والثقافي بإمكانه أن يُحدِث زيادة كبيرة في جودة وسائط الإعلام أنفسها. ونبّه الى أن التشجيع على تنوُّع المضمون يجب ألا يُستخدَم في أي من الظروف كوسيلة للتأثير، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المبدأ الأساسي المتمثل في الاستقلالية التحريرية.
وافاد المقرر الخاص ان جرائم التشهير ما برحت تشكل أحد الدواعي الرئيسية لسجن الصحافيين في جميع أنحاء العالم. وقد وُضعت قوانين التشهير أصلاً بهدف مشروع، هو حماية الناس من ادعاءات باطلة موجهة بحقهم من شأنها أن تضر بسمعتهم. وعلى وجه الخصوص، تنم هذه القوانين عن رأي مشروع مفاده أن ممارسة حرية التعبير، وبخاصة من الموظفين الإعلاميين، ينبغي أن تخضع للمسؤولية وحسن التقدير والروح المهنية. "غير أن الطابع الذاتي لكثير من قوانين التشهير، واتساع نطاقها الزائد عن الحد، وتطبيقها في إطار القانون الجنائي، قد حولتها إلى آليات تسلطية تعمل على كبت الصحافة التحقيقية وتكتيم الانتقاد".
وعبّر ايضا عن قلقه إزاء كثرة حالات الصحافيين الذين يودعون السجن إثر إدانتهم في قضايا تشهير جنائي. وإلى جانب السجن ذاته والاحتجاز رهن المحاكمة، فمن بين التدابير الشائعة الأخرى التي ما برحت تتخذ بحق الموظفين الإعلاميين فرض غرامات كبيرة عليهم، كثيراً ما لا تكون منسجمة إطلاقاً مع دخلهم، وسحب رخص عملهم، بل وحتى توقيف وسائط الإعلام عن العمل أو إغلاقها. ورأى المقرر الخاص أن هذه التدابير تشكل تقييداً لا داعي له لحرية الصحافة. وعلاوة على ذلك، فهذه التدابير هي حتى أكثر ضرراً بالنسبة للصحافيين المستقلين أو المحليين، الذين ليس بمقدورهم عادةً تَحَمُّل تكاليف دعاوى قضائية مطولة، وأتعاب محامين، وغرامات.
واوصى المقرر الخاص الحكومات على إجراء تقييم متعمق لتشريعاتها الوطنية الحالية ولممارساتها القضائية المتصلة بجميع أشكال حرية الرأي والتعبير. وحثها على الشروع، حيثما دعت الضرورة، بإجراء عمليات إصلاح ضماناً لاستيفاء القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما طالبها بأن تركز على حماية وتعزيز استقلال وسائط الإعلام على سبيل الأولوية، بما يكفل إحراز تقدم مطَّرد في ميدان حرية الرأي والتعبير. كما اوصى بسن تشريعات تحظر حظراً تاماً جميع أشكال الرقابة في وسائط الإعلام، سواء التقليدية منها أو على الإنترنت. ودعا الحكومات الى توسيع نطاق تدابير حماية حرية الرأي والتعبير لتشمل شبكة الإنترنت، وبخاصة المساهمون في مواقعها والمدوِّنون فيها، الذين ينبغي منحهم مستوى الحماية ذاته الممنوحة لأي نوع آخر من أنواع وسائط الإعلامز وكرّر دعوته إلى مجلس حقوق الإنسان لأن يولي مزيداً من الاهتمام لمسألة سلامة الصحافيين وحمايتهم، وبخاصة في حالات المنازعات المسلحة. واقترح على المجلس تكليف المقرر الخاص إعداد دراسة عن أسباب العنف الذي يمارس ضد العاملين في المهن الإعلامية، استناداً إلى جملة أمور، من بينها ما تقدمه الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية من معلومات وما لديها من تجارب في هذا الشأن، وبما في ذلك طائفة شاملة من النتائج والتوصيات، ووضع مبادئ توجيهية لحماية الصحافيين وغيرهم من العاملين في المهن الإعلامية.
وحثّ المقرر الخاص العاملين في المهن الإعلامية، فضلاً عن عامة الجمهور، على أن يكونوا مدركين لما قد يكون للأفكار التي يبدونها من أثر في إثارة المشاعر الثقافية والدينية. فإن نشر آراء تنطوي على تعصب وتمييز يعمل في نهاية المطاف على بث الفرقة والنزاع، ولا يفضي إلى تعزيز حقوق الإنسان. ويشدد المقرر الخاص كذلك على أنه، لئن كانت الصكوك الدولية تنص على فرض قيود على حرية الرأي والتعبير منعاً للدعاية إلى الحرب والتحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، فإن المتوخى من هذه القيود هو حماية الأفراد من الانتهاكات المباشرة لحقوقهم، وليس منع التعبير عن آراء انتقادية أو مثيرة للجدل أو غير مستساغة من الناحية السياسية.
تجدر الإشارة الى ان اليونسكو تنظم في 2و3 أيّار في العاصمة الموزامبيقية، مابوتو، مؤتمرا بشأن حرية التعبير، والوصول إلى المعلومات وتمكين الناس. ويشكل إسهام وسائل الإعلام في تمكين الناس موضوع الجلسة الأولى للمؤتمر الذي يفتتحه مساعد المدير العام لليونسكو لقطاع الاتصال والمعلومات عبد الوحيد خان، يوم الجمعة 2 أيّار وممثل رفيع المستوى لحكومة موزامبيق. كما أن هذه القضية ستكون موضوع دراسة فريق من مهنيي وسائل الإعلام الدولية. ثم يتناول المشاركون دور وسائل الإعلام في المجتمعات المحلية وقدرتها على توفير قاعدة اتصال تفاعلية للسكان الضعفاء والمهمَّشين .ويبحث المشاركون في اليوم التالي، مسألة الوصول إلى المعلومات بكل تعقيداتها: من توافر موارد تكنولوجيا المعلومات، إلى مستويات محو الأمية الإعلامية، فضلاً عن مستويات الكشف الحكومي عن المعلومات والتعاون. ومن المتوقع أن يعتمد مهنيو الإعلام في نهاية المؤتمر، إعلاناً بشأن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والتمكين. كما تسلم جائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة للصحافية المكسيكية ليديا كاتشو ريبايرو التي كشفت تحقيقاتها عن ضلوع رجال أعمال وسياسيين وتجار مخدرات في أنشطة بغاء وخلاعيات الأطفال.
جريدة المستقبل- 30/4/2008