في وادي قاديشا، الى دير مار يوحنا الصابغ في الخنشارة، الى دير المخلص في جون وغيرها… ومن الطبيعي في هذه الحال ان تنشأ مكتبات تضم كل الانتاج وتحفظه.
منذ 300 عام، شكلت مجموعة مخطوطات للمطران افثيموس الصيفي ،الذي كان مشهورا بسعة ثقافته وعلومه واتقانه اللغات المتعددة ويلقب بـ"قفة العلم"، نواة مكتبة دير المخلص في جون الشوفية التابع للرهبانية الباسيلية المخلصية، وكان قد جمعها من انحاء ابرشيته الواسعة الممتدة من صيدا وصور وصولا الى حوران وجورجيا. ثم صارت تغتني بكتب ومخطوطات الرهبان المخلصيين الذين اشتروها او نسخوها بخط يدهم، حتى وصلت اليوم الى 30 ألف كتاب مطبوع، و2500 مخطوطة، في مختلف الاختصاصات وفي لغات عدة، اضافة الى المجلات والدوريات القديمة والجديدة.
منذ تأسيسها عام 1711 تعرضت المكتبة للنهب والسرقة والحريق 6 مرات، كان آخرها عام 1985 ولم يبق منها شيء. ويروي امين المكتبة الاب مكاريوس هيدموس لـ"النهار" انه تم "استرجاع الجزء الاكبر من المسروقات بواسطة الوزير وليد جنبلاط الذي يقول انه عندما حصل التهجير عام 1985 نام في كنيسة الدير كي لا تهدم، ولتخليص الايقونات والمخطوطات والمكتبة. وبالفعل كانت هذه المرة الوحيدة التي لم يحرق فيها الدير، وهذا ما جعلنا نستعيد المسروقات ونسترجعها كلها تقريبا، ووضعناها لفترة طويلة في مستودع تحت الارض في منطقة ادونيس في كسروان، لكن تجمعت المياه في ارضه مما ادى الى تلف العديد منها، وظل الباقي في وضع جيد".
وبعد العودة، صارت الرهبانية تستعيد ما فقد وسرق قطعة تلو الاخرى، واضطرت احيانا الى شراء ما كانت تملكه في الدير، وتلملم الكتب والمخطوطات من هنا وهناك. وفي 30 تموز 2010 استعادت 93 مخطوطة كانت مسروقة، فاشتراها الرهبان المريميون، واعادوها الى المخلصيين من دون مقابل، بعد ان رمموها وصوروها بطريقة "الديجيتال"، واحتفظوا بنسخة منها في مكتبة جامعة سيدة اللويزة التي اخذت على عاتقها المحافظة على الارث الكنسي الذي كان محفوظا في دير المخلص.
قبل 5 اعوام عين الاب هيدموس امينا للمكتبة خلفا للاب فايز فريجات، ومنذ ذلك الحين انكب على العمل على احياء المكتبة التي لبست حلة جديدة، وزودت بالاجهزة الضرورية ضد الحريق وبآلات سحب الرطوبة، وقسمت الى طابقين. في الطابق الاعلى نضدت الكتب على الرفوف المرقمة، وفرزت بحسب الاختصاصات والمواضيع، ووضعت بطاقة تعريف لكل كتاب، وادخلت المعلومات في الكومبيوتر من اجل فهرستها وتسهيل البحث عنها بمساعدة السيدة منى خوري حقوق.
تتنوع مواضيع الكتب واختصاصاتها بين الادب واللاهوت والشعر والفلسفة والموسيقى الكنسية وعلم النفس والطب واللغات والروحانيات والقانون الكنسي والمدني، الى الكتب المقدسة والليتورجيا وسير القديسين والشهداء والباباوات والموسوعات والقواميس، وما كتبه آباء الكنيسة باللغات الاصلية من لاتينية ويونانية، وغيرها…
بعض الكتب في هذه المكتبة من القرنين السادس عشر والسابع عشر، ويعود اقدمها الى عام 1590، ومن بينها كتاب للمؤسس المطران افثيموس طبع في روما عام 1710 بعنوان "الدلالة اللامعة بين قطبي الكنيسة الجامعة" الذي يتحدث عن الخلاف بين الكاثوليك واللاتين، واعيد طبعه عام 2863 في مطبعة الفرنسيسكان في اورشليم.
اغتنت المكتبة بكتب الاساقفة والرهبان المخلصيين المتوفين الذين يوقفون تركتهم من الكتب عليها ومنهم المطارنة سابا يواكيم وفرنسوا ابو مخ وسليم غزال، والآباء جبرائيل راشد وميشال عشي وفؤاد نصر وافثيموس سكاف وانطون صبحية وجورج خرياطي، اضافة الى مكتبات متخصصة يقدمها العلمانيون امثال الاستاذ الياس غالي عن ابو العلاء المعري ودانتي.
وفي الطابق السفلي وضعت المنشورات والنشرات البيبلية والمجلات التي تصدرها الرهبانية ومنها المجموعة الكاملة من "نغمة المخلص" منذ صدورها عام 1962، ودفاتر حسابات الرهبانية الباسيلية اليومية واديارها ومراكزها ورعاياها ووكالاتها في الشام وحيفا وروما.
وفي مطلع تموز 2011 استحدث في هذه القاعة استوديو خاص بالتصوير الرقمي تصور فيه المخطوطات والمحفوظات والمستندات وصور الارشيف، بالتعاون التقني مع جامعة القديس يوحنا في ولاية مينوسوتا الاميركية. وتم حتى الان تصوير نحو 1500 مخطوطة بهذه التقنيات الحديثة. كذلك وضع الاب مكاريوس بالتعاون مع عالم المخطوطات البروفسور رشيد حداد "فهرس مخطوطات الرهبانية المخلصية" الذي يتضمن معلومات عن ألف مخطوطة ستصل الى 3 آلاف، تتناول موضوع كل واحد ورقمه وحجمه ووصفه الخارجي واسم مؤلفه وناسخه ومن اشتراه ومن باعه، اضافة الى "لائحة سريعة" تتضمن تفاصيل عن كل مخطوطة بسطر واحد.
ويتم اعداد برنامج يتضمن بعض مضمون المخطوط على ان يبقى النص الكامل للبحاثة.
ومن الوثائق الموجودة في مكتبة دير المخلص يذكر الاب مكاريوس: اقدم انجيل مطبوع باللغة العربية في مطبعة في روما عام 1591 ويتضمن رسوما لكنه بحاجة الى ترميم، ومخطوطات تعود الى عام 1200 ومنها واحدة عن الليتورجيا والصلاة، ومخطوطات اسلامية، وكتاب صلاة باللغة السريانية من العام 1200 وغلافه خشبي، ومخطوط "التحفة الشاهية في الاحكام الفلكية" باللغة التركية وضعه رئيس المنجمين في الاستانة في عهد السلطان احمد خان مكتوب بحروف ملونة ومن ذهب عام 1760، ومخطوط حديث شريف سطوره وحواشيه محاطة بالذهب ايضا، وكتاب روحانيات شرقية من القرن الرابع عشر.
ويلخص الاب مكاريوس اهمية وجود هذه المكتبة كونها "تظهر اهتمام الرهبان بالثقافة والعلم، وهم الذين نسخوا بأنفسهم معظم الكتب وبلغ عددهم 150 ناسخا، بينهم الاب الطوباوي بشارة ابو مراد الذي نسخ مخطوطة من 600 صفحة عندما كان طالبا في الاكليريكية بطريقة علمية وخط جميل عام 1881".