البطريرك اسطفان الدويهي ولد في بلدة إهدن في 2 من شهر آب 1630، من عائلة ذات روحانية كبيرة، أعطت أربعة بطاركة: إرميا عبيد الدويهي العمشيتي (1200 -1230) والبطريرك يوحنا بن مخلوف الدويهي (1603 – 1633) والبطريرك جرجس بن عميرة الدويهي (1632 – 1644)
والبطريرك العلامة اسطفان الدويهي السائر على طريق القداسة (1630 – 1704) و 29 اسقفاً و 63 كاهناً، ورهبانا وراهباتٍ ورجال إحسان وعلم. وعائلة الدويهي هي أول من حكم إقطاعية إهدن (1757) على يد الشيخ جرجس الدويهي.
إذا تبصرنا بحياة البطريرك الدويهي نكتشف أنّه، منذ دخوله إلى المدرسة، حاز رضى معلميه ومحبتهم، باجتهاده في الدرس وبقداسة حياته وطهارة سيرته، حتى أصبح أعظم البطاركة علماً وقداسة.
اطلعت على دفتر سجل الواردات والنفقات للدويهي، مع الأب العلامة ميشال الحايك، طالب دعوى تطويب الدويهي سابقاً فرأيت صفحة للنفقات وأخرى للواردات. في الفقرة (1) من النفقات قرأنا أن البطريرك الدويهي قد سجل: حسنة إلى سيدتنا الوالدة، أرملة مخائيل الدويهي، 5 غروش، وفي الفقرة 2: بدل ثيابه الداخلية 3 غروش. سألت الأب العلامة ميشال الحايك "أشو ضيّقْ البطريرك الدويهي" إذا أعطى مساعدة 5 غروش لوالدته يسجلها بوضوح. فأجابني الأب ميشال: يا صديقي إنه قائد مؤتمن على البطريركية. وثانياً "إذاً، كيف وصف بالبطريرك القديس، في حياته؟" فقد قال فيه أمير الدروز أحمد المعني الكبير: " البطريرك الدويهي له دالة عظمى على الله تعالى، وقد صنع آيات كثيرة في حياته. فقد فوّر القمح في بيت أحد الدروز الفقراء. حتى إنه كان يقول أيضاً "أن الملة المارونية إذا فقدت هذا البطرك لا يبقى لها حال".
من الناس من يفتخر بما تتملكه يداه من حطام هذه الدنيا الفانية. هؤلاء يخدعون ذواتهم اذ يغزونها بالأباطيل. منهم من ينتبه الى معارفه وعقله، وهذا لو فكر بما يجهله لمات حزناً من غباوته، ورحم الله القائل: كلما ازددت علماً، ازددت علماً بجهلي. ومنهم من ترتجف الشعوب أمام عظمته، وهو يستنشق بخار الفخار والمجد الذي يضخّ في رؤوسهم الكبرياء والتجبّر، وينسى أنّه تراب وعائد إليه. ولعمري ليس الفتى شيئاً، ولا الجاه ولا الجبروت، فكلّ ما في هذا العالم باطل ما خلا حبّ الله وخدمته تعالى، فدع الجهّال ومالهم، ودع الأمم وحكمتها، ودع العظماء وشأنهم.
أمّا نحن فلنا كنوز في السماء، وقد غدا المسيح لنا حكمة الله وقوّته. هكذا عرف البطريرك الدويهي أنّ كل شيء على هذه الأرض زائل ولا يدوم إلا الله وحده.
إن رتبة المكرّم التي رفع إليها البطريرك العلامة اسطفان الدويهي هي رتبة تحضيرية. وبالنسبة إلينا هي مناسبة للتوقف والرجوع إلى الذات، والتأمل في صفات رجل الله المكرّم، بالعودة إلى الجذور والبيئة الروحية والصلاة، وطلب شفاعته والاطلاع على سيرة حياته والاقتداء به وتنظيم ورفع الصلوات في جميع كنائس الأبرشيات المارونية وأن يقيم رهبان وراهبات يتحلون بالصفاء الروحي الى حلقات في هذا الصيف عن فضائل رجل الله المكرم فيتصالح الأخ مع أخيه…
إذذاك يعيش هذا الشعب في فرح كبير في أعماقه، على أن تبدأ هذه المصالحة أولاً في بلدته لتشمل لبنان بأجمعه. وأن يؤذن لدير مار سركيس رأس النهر في أهدن، حيث سيم الدويهي كاهناً، باتمام رتبتي الزواج والعماد والاحتفالات الدينية، على مثال دير قزحيا ودير مار شربل عنايا. والعمل على دعم رئيس لجنة وقف بلدة غوسطا برئاسة البروفسور جدعون محاسب لاخراج الجيش اللبناني من مقر الدير حيث سكن الدويهي، مع العلم أن أسباب وجوده قد زالت، وتعبيد طرقها وإنشاء متحف للدويهي مما يرتب منفعة عامة لبلدة غوسط كسروان من ناحية السياحية والروحية.
البطريرك الدويهي مثال يقتدى للمكرسين، على اختلاف رتبهم، وللعلمانيين في جميع مستوياتهم الفكرية والثقافية وللسياسيين في تحمل مسؤولياتهم الوطنية، من أجل المصلحة العامة.
لهذا البلد ربٌ يحميه وقديسون يشفعون به وبشعبه أمامه الرحمن الرحيم، اليوم وإلى يوم الدين.
بطرس وهبة الدويهي
عضو مؤسس لرابطة البطريرك الدويهي
جريدة النهار 15.09.2008