فيما لا يزال الكثير من إدارات المدارس ترفض دمج الأولاد من ذوي الحاجات الخاصة، أو الذين يعانون صعوبات تعلّمية، مع التلامذة العاديين، واجهت المعالِجة اللغوية باميلا عكاري وزميلتها فلور انديا الراعي (المعالجة الحركية والنفسية) هذا الرفض بتأسيس مدرسة “رسالة” عام 2013، لأنهما تؤمنان ببيئة حاضنة لهذه الفئة.
كيف انطلقت هذه المدرسة؟ وما التحديات التي تواجهها لإكمال رسالتها؟
في لقاء مع “النهار”، تقول عكاري ان “إدارة مدرسة راهبات “الفرنسيسكان” في أدونيس- جبيل، رحّبت بمشروعنا ودعمت رسالتنا، وهي الوحيدة في جبيل ومحيطها تعتمد الدمج”. هكذا تفرّغتُ عكاري والراعي لهذا العمل الإنساني والأكاديمي واضعتين طاقتهما وقدراتهما في خدمة المعوّقين. “استأجرنا إحدى الطبقات في مبنى “الفرنسيسكان” بإدارة مستقلة وباشرنا العمل”. وتوضح الراعي: “كانت السنة الدراسية 2013 – 2014 خجولة، بدأنا بخمسة تلامذة ووصل العدد في السنة الحالية إلى 36 تلميذاً تراوح أعمارهم بين 3 و14 عاماً”. وتشير الى الاضطرابات لدى التلامذة المسجلين، وهي: مشكلات لغوية، إضطراب في التركيز مع أو من دون إفراط في النشاط، إلى إضطراب في التواصل والتفاعل الاجتماعي وتأخر عام في النمو، فضلاً عن تعسّر في القراءة والكتابة والحساب.
تعمل مدرسة “رسالة” على معالجة الأولاد من أجل دمجهم في منهاج دراسي مناسب لقدراتهم وطاقاتهم، وتسعى إلى تأمين الدعم والمتابعة لتعلم مريح مبني على الطرق الحديثة التي تسهل عملية الاكتساب لديهم. يعمل في المدرسة نحو 22 شخصاً بين موظف واختصاصي “يتعاونون في ما بينهم باستمرار، ويساعدون في إفادة كل تلميذ من خطة عمل فردية تتناسب وحاجاته المحددة”، تؤكد الراعي، “ويتألف فريق العمل من معالج نفسي، لغوي، معالج نفسي حركي، مربية تقويمية ومعلمة مختصة”.
وتشرح الراعي ايضاً أن الدمج الكامل يتيح للأولاد القادرين أكاديمياً على متابعة المنهج الدراسي رغم مشكلات في السلوك أو في التركيز، “ويتم دمج هؤلاء بوجود مرافقة لهم بدوام دائم أو جزئي، ويتمثل دور المرافقة بإعادة شرح المصطلحات وتحفيز التلميذ على التركيز والمتابعة الفعّالة داخل الصف”. أما الدمج الجزئي، فيتيح للأولاد فرصة التأقلم اجتماعياً مع أسويائهم، ويتم هذا الدمج من خلال بعض المواد الأساسية، مثل اللغتين العربية، الفرنسية والرياضيات، كما تخصص المربية التقويمية لهؤلاء دروساً فردية أو ضمن مجموعات صغيرة لدعمهم في المواد الأساسية داخل الصف، فضلاً عن إفادتهم من تعلّم خاص مع معلمة مختصة بالأساليب المناسبة لحاجاتهم، تفيد الراعي، مشيرة إلى أن كل ولد يتلقى جلسات فردية من الاختصاصية اللغوية والأخرى النفس حركية للعمل معه على التركيز، الذاكرة، الانتباه، التمييز البصري والسمعي، المنطق والتحليل الخ…
وتذكر أن التلامذة الـ36 يندمجون مع زملائهم العاديين في الصفوف ويلتحقون معهم بثماني مواد، منها، علوم الحياة، التعليم الديني، الكومبيوتر، الرياضة، فن المسرح وغير ذلك. إلى ذلك، يتشاركون النشاطات الترفيهية في الملعب والحفلات والرحلات التي تنظمها إدارة المدرسة. وفي رأيها، قد يكون التلامذة مختلفين وحاجاتهم خاصة كما طرق تعليمهم مختلفة، “لكن مهمتنا متابعتهم بمحيط سليم ودامج وببيئة حاضنة، على أن يكون كل ولد في المكان المناسب له من دون عزله عن مجتمعه أو قوقعته في مؤسسة خاصة”.
وماذا عن التحديات؟ تجيب: “ثمة مشكلة أساسية تكمن في عدم قدرتنا على استيعاب أكثر من 45 ولداً في جناح المدرسة، فيما تردنا طلبات كثيرة. لهذا السبب، فكّرنا لو تتوافر لنا قطعة أرض لنبني مدرسة خاصة بذوي الحاجات الخاصة، عندئذٍ نلحق بها كل ولد يستحيل عليه الدمج ونكثّف معه العمل والجلسات الفردية”.
وعن تكلفة قسط التلميذ، تفيد الراعي أن القسط السنوي للتلميذ يبلغ 5 آلاف دولار، “لا شك أنها تكلفة باهظة علماً أن أقساطنا أقل من أقساط مدارس أخرى خاصة بالصعوبات التعلمية التي تطلب سنوياً بين 6500 دولار و8 آلاف دولار”، موضحة في هذا الإطار، أن عائلات كثيرة كادت ألا تسجل أولادها هذه السنة نظراً إلى إمكاناتهم المادية المحدودة، “لذلك نظمنا العشاء الخيري للمرة الأولى في 12 الجاري، وكان مدخلاً لتعريف أهالي المنطقة على المدرسة، وسيعود ريعه إلى دعم الأولاد في تسديد أقساطهم”.
النهار