بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الازمة في سوريا، ها هي قطاعات الاقتصاد اللبناني تلفظ أنفاسها الاخيرة وهي تنتظر في غرفة العناية من يضخ في شرايينها من جديد جرعة من الامل تعيدها الى الحياة وتوقظها من غيبوبتها. فهذه الأزمة التي انعكست تداعياتها على شكل اضطرابات سياسية وأمنية أطاحت معها قطاعات الاقتصاد اللبناني وأصبحت اليوم تهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
الجزء الاهم من هذه الازمة يتمثل بالعدد الضخم للاجئين السوريين في لبنان الذي بالكاد يتجاوز عدد سكانه الاربعة ملايين، حيث بلغ عددهم المسجل أكثر من 1٫2 مليون لاجئ ينتشرون على كافة الاراضي اللبنانية، ينافسون اليد العاملة الوطنية ويستهلكون البنية التحتية في بلاد بالاصل خدماتها البنيوية بلغت مستوى “الاهتراء”.
فمن المنطلق الاقتصادي والاجتماعي ، اللجوء السوري في لبنان يعتبر أخطر وأكبر تحدٍّ يواجه الدولة منذ اندلاع الأزمة في سوريا. فبحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة من المتوقع أن يتجاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان مع نهاية السنة الجارية 1٫6 مليون لاجئ، اي اكثر من 38% من عدد سكانه وبعد أن وصل عددهم حاليا ( والمسجل منهم ) الى زهاء 1٫2 مليون لاجئ في الوقت الذي تشير فيه ارقام غير رسمية الى ان العدد الفعلي للاجئين السوريين تخطى المليوني لاجئ، وبالتالي يمكن القول ان لبنان وحده يستضيف أكثر من 40% ممّن هرب من سوريا، وخطورة تداعيات هذه الازمة على لبنان تبرز عند الغوص في الارقام.
فبحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يشكل اللاجئون السوريون الذين يستضيفهم لبنان عبئا كبيرا على الاقتصاد وكلفته المباشرة على الدولة مليار دولار وغير المباشرة ثلاثة مليارات ونصف المليار إستنادا الى دراسة أعدها البنك الدولي. أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فيكشف ان 17% فقط من هؤلاء النازحين يقيمون في مخيمات عشوائية بينما تنتشر البقية على الأراضي اللبنانية في مبان غير مكتملة البناء في ظل أوضاع إنسانية صعبة. وأشار إلى استقبال المدارس الرسمية 100 ألف طالب سوري ما يفوق قدرتها الاستيعابية، وأعرب عن قلقه من تراجع المساعدات المقدمة من قبل الأمم المتحدة للنازحين مع نهاية السنة الجارية والتي انخفضت من 53% إلى 30% خلال هذا الشهر.
الأمن الاقتصادي والاجتماعي في خطر
ازمة اللاجئين السوريين لم تعد تقتصر على توفير الدعم المالي للدولة اللبنانية لتوزيعها أو لتغطية الحاجات، رغم ضآلة هذا الدعم قياساً بحجم التداعيات والأزمة الإنسانية ، بل أصبحت تتعلق بالأمن الاقتصادي للمواطن الذي بدأ يشعر بضغط كبير حيال المنافسة غير الشرعية التي تتعرّض لها المؤسسات التجارية والعامل اللبناني على حدّ سواء، في ظل ركود يعيشه الاقتصاد منذ أعوام. فيوماً بعد يوم أنتجت أزمة اللجوء مشكلة في سوق العمل اللبناني إذ الحرفيّون وأصحاب المهن الحرة باتوا أمام منافسة غير متكافئة مقابل العمالة السورية. فالعديد من المؤسسات تلجأ الى استبدال العمال اللبنانيين بآخرين سوريين لتخفيف التكاليف عنها، وهنا أصبحت الحكومة مطالبة بإقرار قانون يمنع المؤسسات اللبنانية من توظيف أكثر من 10% من العمال غير اللبنانيين. وفي هذا السياق عمم وزير الصناعة حسين الحاج حسن على المصانع أن يكون لديها عمالة لبنانية لا تقل عن 80% بخطوة وصفت بالإيجابية. إضافة الى ذلك، إرتفع عدد المؤسسات السورية غير الشرعية في لبنان لأكثر من 1000 مؤسسة يديرها اللاجئون وهي لا تلتزم كل الترتيبات الادارية اللبنانية ودفع الضرائب والرسوم المالية، ما يحتم تحرك وزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك لمنع هذه المنافسة غير المشروعة التي تدفع بالمؤسسات اللبنانية الى اقفال ابوابها.
التداعيات على الاقتصاد
في موازاة هذا الواقع، علينا ألا ننسى التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة السورية على لبنان التي ساهمت في تراجع معدلات النمو الاقتصادي بنحو 2٫9% سنوياً للفترة 2011 – 2014 وفق البنك الدولي، ما أدى الى تضاعف معدّل البطالة إلى أكثر من 20 % ووصول حوالى 170 ألف لبناني إلى ما دون خط الفقر بحلول نهاية السنة الجارية سيضافون الى مليون لبناني يعيشون حالياً تحت هذا الخط. يضاف الى ذلك المضاعفات المقلقة على المالية، إذ من المتوقع ان يرتفع العجز في الموازنة بما لا يقل عن نسبة 6% إضافية، في الوقت الذي يقدر فيه حجم الاموال المطلوبة لتغطية خسائر لبنان وإعادة استقراره نتيجة الازمة السورية بحوالى 7,5 مليارات دولار.
خطة لتخفيف عدد النازحين
وضعت وزارتا الشؤون الاجتماعية والداخلية حديثاً خطة لتخفيف عدد النازحين تتمثل في تولي لبنان تسجيل النازحين بدلا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وسيعتبر النازح من لا ملاذ له إلاّ لبنان، بمعنى حصر النازحين من المناطق القريبة من الحدود اللبنانية السورية والتي تشهد معارك عسكرية. وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد اتخذ قراراً ستنفذه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين يقضي بفقدان من يذهب إلى سوريا صفة النازح، لأن تعريف النازح حسب اتفاق جنيف هو كل من لا يقدر أو لا يرغب في الذهاب إلى أرضه بسبب الخطر، في وقت أصدر فيه مجلس الوزراء قرارا يقضي بإعفاء اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم من الرسوم المالية المترتبة على مخالفتهم أنظمة الإقامة في لبنان.
جميع هذه الاجراءات قد تكون فعالة لوضع حد لأزمة إرتفاع عدد اللاجئين السوريين في لبنان والتي تخطت مفاعيلها الإنسانية والاجتماعية، لتصبح مشكلة إقتصادية تهدد لقمة عيش اللبنانيين، ولكن السؤال يبقى: “ماذا سيحل بإقتصاد لبنان في حال إستمرت الحرب في سوريا مدة 15 عاما أي مدة الحرب التي مرت عليه منذ العام 1975 وحتى العام 1990؟
موربس متى / النهار