العاصمة اللبنانيّة على موعد خاص مع ٣٩ كاتباً وكاتبة دون الأربعين. مبادرة «هاي فيستيفال» بالاشتراك مع «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، ستتيح فرصة التفاعل بين حساسيّات مختلفة تمثّل مستقبل الأدب في لغة الضاد…
في خضمّ الاستعدادات لـ«بيروت 39»، أخذت راكيل بيثيدو استراحة محارب في أحد مقاهي شارع الحمرا. مديرة المشاريع في «هاي فيستيفال» إسبانيّة أقحمها المشروع في مدارات العالم العربي. على طاولتها كمبيوتر محمول، تتابع عبره بعض الترتيبات اللوجستيّة، للتظاهرة الأبرز على مفكّرة «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب». في مؤتمر ينعقد اليوم، ستعلن مؤسسة «هاي فيستيفال» البريطانيّة (الجهة المنظّمة)، بالتعاون مع «وزارة الثقافة»، انطلاقة المهرجان الذي يحتفي بـ39 كاتباً وكاتبةً دون الأربعين، من العالم العربي.
الأدب العربي الجديد إذاً سيكون في موقع الحفاوة في بيروت، بين ١٥ و١٨ الجاري، بحضور كاتبات وكتّاب سيلتقون الجمهور في ندوات وأمسيات وحلقات يديرها كتّاب مكرّسون ونقّاد وإعلاميّون.
ستتوزّع الجلسات على أماكن مختلفة من المدينة وهذه طرافة التظاهرة وحيويّتها تراوح بين النوادي الثقافيّة والمكتبات والحانات والمقاهي طبعاً: «ة مربوطة» و«جدل بيزنطي» و«الجامعة الأميركيّة» و«زيكو هاوس» و«دو براغ» و«المركز الثقافي الفرنسي» و«سيتي كافيه» و«الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة» و«سيتي مول»، ومكتبات بيروت العامّة… تتوقّف بيثيدو عند بعض تلك الأماكن، فتبدو كأنّها تعيش في المدينة منذ أمد بعيد.
التظاهرة الوداعيّة لـ«بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، هي على الأرجح المحطّة الأولى والوحيدة على برنامج الاحتفاليّة، التي تحتفي قبل كلّ شيء بالمساحة المدينيّة، بمقاهي بيروت وصروحها الأكاديميّة ونمط عيشها. كان علينا أن ننتظر الشهر الأخير من الاحتفاليّة لنجد من يذكّرنا بأهميّة استخدام المساحة العامّة بذكاء ومرح. «هدفنا الرئيس أن يكتشف الجمهور أدباء شباباً، بعضهم غير معروف خارج الإطار المحلّي توضح بيثيدو نتوقّع أن يحُثّ «بيروت 39» الناشر الغربي على ترجمة أعمال الأسماء المشاركة». إلى جانب الأجواء المهرجانيّة المهيمنة على الحدث، تصدر أنطولوجيا تحمل عنوان «بيروت 39» عن دار «بلومسبري» البريطانيّة. يتضمّن الكتاب نصوصاً للمشاركين بالعربيّة والإنكليزيّة، أعدّها رئيس تحرير مجلّة «بانيبال» صموئيل شمعون، الذي كان طيفه حاضراً في كواليس التظاهرة. قدّمت للعمل الروائيّة اللبنانية حنان الشيخ للأنطولوجيا، بعدما كان قد تردّد أن مواطنها أمين معلوف سيتولّى المهمّة.
هذه التغييرات المفاجئة في الأسماء رافقت الإعداد لـ«بيروت 39». حين أعلن الياس خوري وصموئيل شمعون الحدث من «معرض الكتاب في أبو ظبي 2009»، كان يفترض أن يرأس الروائي اللبناني لجنة التحكيم، ومعه الناقد ماهر جرار والشاعر والصحافي عبده وازن والروائيّة هدى بركات. لكن خلال إطلاق الحدث في «قصر الأونيسكو»، العام الماضي، قيل إنّ الروائي المصري علاء الأسواني سيرأس اللجنة، ثم رست دفّة الرئاسة أخيراً بين يدي الناقد المصري جابر عصفور، وحوله وازن والروائيّة اللبنانيّة علويّة صبح، والشاعر العُماني سيف الرحبي.
أنطولوجيا تلخّص التجربة بالعربيّة والإنكليزيّة أعدّها صموئيل شمعون وقدّمتها حنان الشيخ
هؤلاء لم تكن مهمّتهم سهلة، وقد تعرّض عملهم لانتقادات صريحة… من بين 500 مرشّح، اختارت اللجنة أخيراً 39 اسماً «استطاعوا أن يكوّنوا شخصياتهم وأن يفرضوا تجاربهم، متميّزين بأساليبهم الخاصة ولغاتهم ومقارباتهم»، وفق بيان اللجنة.
بعض المشاركين يعرفهم الجمهور، مثل اللبناني ربيع جابر الذي بلغت روايته «أميركا» القائمة الأخيرة لجائزة «بوكر» العربيّة، أو المصري يوسف رخّا، أو الفلسطيني سامر أبو هوّاش، أو المغربي ياسين عدنان، أو السوريّة ديمة ونّوس، أو الفلسطيني نجوان درويش. من المشاركين من عرفوا الشهرة لأسباب سياسيّة أكثر منها أدبيّة، أمثال الأردني إسلام سمحان الذي سطع نجمه بعد حملة التكفير التي تعرّض لها. ومن بين نجوم المدينة الـ39 مواهب غير معروفة على نطاق واسع، مثل الليبيّة نجوى بنشتوان، والعماني حسن العبري، واللبناني زكي بيضون…
من يستطيع أن يحكم إن كانت هذه الفسيفساء وفيّة لواقع الأدب العربي المعاصر؟ المهمّ أنها تخلق فرصة للقاء والتفاعل، يقول المدافعون عن المشروع. ستكون أيضاً مناسبة للنقّاد والقرّاء، كي يكتشفوا كتابات أدباء مقيمين ومغتربين، مشهورين ومغمورين.
خلال أربعة أيام، ستكون بيروت محاصرةً بالكتاب، مع خمسين حلقة نقاش مفتوحة للعموم. للوهلة الأولى تبدو نقاشات من نوع «الأدب والجسد» و«الأدب والسينما» غير كافية للكشف عن تجارب المشاركين وهواجس جيلهم. لكنّها كافية لتنفتح لقاءات الأدب والنقد، النخبويّة غالباً، على جمهور المدينة من طلبة ورواد مقاه وعابري سبيل. ميزة «بيروت ٣٩» أنّها دعت الشارع إلى الاحتفال.
بيروت… ٣٧ !
هايأونواي، موطن «هاي فيستيفال» الأصلي الواقع على أطراف وايلز، أكثر من قرية إنكليزيّة نموذجيّة. 35 مكتبة حوّلتها إلى بقعة شهيرة يلتقي فيها كلّ عام أدباء العالم في «مهرجان هاي» الشهير. خلال 23 عاماً من النشاط، افتتح المهرجان نسخات منه في إسبانيا ودول أخرى، «ويُتوّقع أن يفتتح نسخة بيروتيّة»، كما تخبرنا راكيل بيثيدو. نظّم «هاي» تظاهرة «بوغوتا 39» في العاصمة الكولومبيّة، ومنها استوحيت تظاهرة «بيروت 39». لكنّ ضيوف بيروت عددهم في الحقيقة ٣٧! اثنان من المدعوين هما زميلانا عدنيّة شبلي وعلاء حليحل، لن يتمكّنا من الوصول إلى بيروت، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لذا سيعرّجان على لندن، حيث يشاركان في ندوتين في «فري وورد». «39 كاتباً في 39 دقيقة» سيكون مسك ختام البرنامج، مساء السبت ١٧ الحالي، في ساحة النجمة. وهذا اللقاء الوداعي مع الضيوف مجتمعين، تليه حفلة موسيقية.