استند المشروع إلى دراسات نوعية لحالات في الجامعات وبرامج التعليم العالي. واجتاز مرحلة متقدمة بعدما انعقدت حلقة دراسية إقليمية استمرت ثلاثة أيام نظمتها الهيئة قبل نحو ثلاثة أسابيع في فندق الكومودور في بيروت.
ناقش 40 باحثاً بين معدّي أوراق ومراجعين ومتخصصين دراسات حالات ودراسات مقارنة وأوراقا توليفية اقليمية تناولت مؤسسات التعليم العالي أو برامجها في مجالات عدّة، منها، إدارة الأعمال، التربية، الهندسة والعلوم السياسية.
وتحدّث منسق المشروع الدكتور عدنان الأمين لـ "النهار" عن موضوع الجودة قائلاً: "بالنسبة إلى التقارير أو دراسات الحالات التي تركّز على موضوع الجودة، تمت دراسة كل حالة لها علاقة بجامعة ما، مثلاً: إذا كانت لدى الجامعة رسالة أو حوكمة، بحث وتخطيط، الموارد المالية، وضع البيئة المادية، إلى جانب البيئة التعليمية في المؤسسة، لا سيّما نشاطها العلمي، الهيئة التعليمية، الطلاب والتأكد من ضمان الجودة". ويتضمن كل بند تفاصيل في الدلائل". أما على مستوى البرامج، فتم التركيز على ثلاثة عناصر، "الرسالة، الحوكمة وضمان الجودة".
الجامعات ذات طابع مركزي
وعن قياس النوعية في التعليم العالي في لبنان قال: "اخترنا ثلاث جامعات، "اليسوعية"، "اللبنانية" و"سيدة اللويزة"، ولدى كل جامعة نموذج يختلف عن الأخرى، وبالتالي لا يمكن وضعهم في خلاصة واحدة". إلا أن الأمين فضل التحدّث عن خلاصة لها علاقة بالجامعات عموماً، مشيراً إلى أنه أُعِّد 11 تقريراً عن 11 جامعة في العالم العربي: ثلاثة تقارير في لبنان، أربعة في مصر، من يبنها جامعة الأزهر الأعرق، وأربعة في المغرب. لفت إلى أن الجامعات العربية تحاول أن تكون لها رسالة معتبرة، إذا أعدت نصاً تكون هذه رسالتها. وتوقف عند حديث الرسالة وهي المشكلة التي تعانيها الجامعات لناحية "عدم إدراكها الدور الذي تقوم به للمعنى الحقيقي المتعلق برسالة الجامعة وليس النص الجميل للرسالة". وتطرق إلى التعليم الخاص أو الرسمي في جامعات لبنان، مصر أو المغرب، قائلاً أن التحليلات في الدول الثلاث أظهرت ان للجامعات "طابع مركزي طاغي". وإلى الأمور المركزية برزت في الجامعة اللبنانية مسألة التفكك بسبب الفروع المتكاثرة فيها والمتماشية مع ظروفها، فيما تظهر بعض الفروق في الجامعات المغربية التي تتمتع بشركة مع المجتمع المحلي. وفي رأي الأمين، يعتبر هذا الأمر "جيداً في الشكل، غير أنه يوجد مشكلة في إدارة المؤسسة". وتناول بنداً آخر ليقول: "إن إستقلالية الجامعات ضعيفة في الدول الثلاث مع العلم أن جامعات المغرب أفضل حالاً من جامعات مصر ولبنان، أقله على مستوى النص الذي يبيّن أنه يتم اختيار رئيس الجامعة في المغرب عبر إعلان يُقدم فيه المرشحون مشاريعهم لمنصب رئيس الجامعة ويتم اختيار من يقدم أفضل مشروع". ويوضح: "هذا أمر جيد يدل على أن هناك منافسة مبنية على درس ملف المرشح من لجنة متخصصة ترفعه إلى رأس الدولة أو الوزير المكلف التعيين".
وفي مقابل ذلك، "تبدو جامعات خاصة في لبنان ظاهرياً مستقلة لكنها ذات تبعية قوية، مالياً وغير مالياً لجهات دينية". ويرى عنصراً إيجابياً لافتاً في البيئة المادية، "إذ إن معظم الجامعات مجهزة في أبنيتها ومختبراتها ومكتباتها ونواديها وغير ذلك، في حين يتفاوت عنصر البيئة التربوية ويختلف بين تعليم تقليدي وفق الجامعة والتخصص، وما بين تعليم مبني على البحوث والتقارير والتطبيقات العملية".
وعن مكانة الجامعات العربية الفعلية في التصنيفات الدولية، قال: "يفوق عدد الجامعات في العالم العربي الـ400 جامعة ما عدا المعاهد العليا والتكنولوجيا. وفي آخر تصنيف للسنة 2012، هناك أربع جامعات على اللائحة الدولية، حلت جامعة القاهرة في المرتبة 420، والجامعات الثلاث الأخرى موجودة في السعودية". وأشار إلى معلومات وردت في العام الماضي في مجلة أميركية، تُشكك بمسألة شراء اسماء باحثين أميركيين يتقاضون مبالغ طائلة من جامعتي عبد العزيز والملك سعود في السعودية مقابل نشر بحوث يدوّن في أسفلها أنهم اساتذة في إحدى هاتين الجامعتين.
"التقويم ليس من صلب عملنا"
وأفاد الأمين أن الأوراق المعروضة التي يبلغ عددها 32 دراسة حالة وأخرى مقارنة، "ستعدّل في ضوء أعمال الحلقة وتنشر بعد وضعها في صيغتها النهائية في كتاب يتضمن أيضاً خمس دراسات إقليمية توليفية وثلاث دراسات وطنية ودراستان عن قياس النوعية في التعليم العالي وعن مكانة الجامعات العربية في التصنيفات الدولية". ويُقدَّم الكتاب في ورقة توليفية عامة عن قضايا النوعية في التعليم العالي في البلدان العربية. فيكون مجموع الأوراق التي سيضمها الكتاب 43 ورقة، عندئذٍ يكون المشروع بلغ مرحلته النهائية".
وبعد نشر المناقشات في كتاب، ما الخلاصة التي يمكن تقديمها عن تقويم وضع مؤسسات التعليم العالي اللبنانية والعربية؟
يجيب: "لسنا في وارد استخدام كلمة تقويم أصلاً، بل نستخدم كلمتي وصف وتحليل. وبمعنى آخر، نقوم بوصف الأوضاع وتحليلها ونُثير قضايا النوعية". فلا يكون هدف الهيئة الحكم على مستوى جامعة أو برامجها، "هذا ليس شأننا ولا يصب في مصلحة عملنا"، يؤكد الأمين، "نحن نركّز على قضايا النوعية والإتجاهات أكثر بكثير من حكمنا على المؤسسة ذاتها".