قد يكون مفيداً تكريم الرؤساء السابقين للمركز التربوي للبحوث والإنماء، والاحتفال بالعيد الخامس والأربعين لتأسيسه، لتسليط الضوء على دور هذه المؤسسة في التربية والمناهج والتقويم والتخطيط الأكاديمي.
ضج المركز التربوي للبحوث والإنماء خلال السنتين الماضيتين، بالمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات تحت عناوين كبرى، أبرزها تعديل المناهج وتطوير التعليم. وانطلق المركز من المؤتمر التربوي الذي عقد بإشراف وزير التربية السابق الياس بو صعب بعنوان “كلنا للعلم” في نيسان 2015، واعتبره الأساس الذي ينبغي العمل من خلاله كمرجعية لإعادة النظر في الفلسفة التربوية للدولة ووضع خطة إستراتيجية واضحة تلبي الحاجات الحالية والمستقبلية في القطاع التربوي الرسمي.
ركز المركز على موضوع المناهج، فألف اللجان واتخذ قرارات ورفع توصيات، كانت نتائجها الغاء محاور من المواد الدراسية، والتي أدت الى خفض أيام الدراسة الى 140 يوماً في السنة، بالإضافة الى اقتراحات أدت الى التأثير سلباً على تعليم الفلسفة والحضارات، وذلك بدلاً من العمل على كشف الثغر في الأداء التربوي العام وتطوير مشاريع التعليم، انطلاقاً من مراجعة شاملة، لا تقتصر على المناهج التي يحتاج تطويرها الى شفافية ومساءلة وأيضاً الى استقرار تكون فيه المؤسسات في أوج عملها، وتالياً قادرة على تنفيذ مشاريع لا تعتريها مشكلات وثغر. لذا تقدم المركز بمشاريع لتطوير المناهج وشكل اللجان التربوية للمواد التعليمية، قبل أن يقوّم ما حل بمشاريعه التي صرفت عليها أموال، منها ما هو ممول عبر هبات دولية، لم تحقق انجازات فعلية، علماً أن أموالاً دفعت لقاء خدمات في المشاريع التربوية المطروحة لم تحقق غايتها ولا تزال مستمرة الى اليوم.
وكان شكل المركز 15 لجنة تربوية موزعة على 15 مادة تعلمية، لم يحدد للرأي العام أهدافها، باستثناء الكلام على مشروع تطوير المناهج التربوية ليتناسب مع مقتضيات العصر. ثم نظم ورشاً تربوية وألّف لجاناً متخصصة لتنمية شخصية المتعلم لمواجهة الوضعيات الحياتية المختلفة واعتبار التلميذ محور العملية التعليمية، الى اعتماد المناهج التفاعلية التي تحاكي العصر الرقمي، من دون اقتراح آليات لتدريب المعلمين وتأمين متطلبات التعليم الرسمي وحاجاته.
ولعل أهم دراسة حقيقية أنجزها المركز التربوي كانت للعام الدراسي 2010 – 2011 بعنوان: “الاستخدام الفعال للموارد البشرية في القطاع التربوي الرسمي”، وتضمنت احصاءات فعلية عن حجم الجسم التعليمي في القطاع الرسمي، والذي بدا أنه أكبر من الحاجة المطلوبة. وكان يمكن استناداً الى هذه الدراسة وقف التعاقد مع معلمين جدد أو تنظيمه على الأقل، تجنباً للأزمة التي وقع فيها التعليم. وأظهرت الاحصاءات في الدراسة أن 8 تلامذة كمعدل وسطي للمعلم الواحد في الرسمي، فيما المتعاقدون غير معدين لمهنة التعليم.
وباستثناء الدراسة المذكورة التي تقوّم أوضاع التعليم الرسمي، لم نجد دراسات ميدانية للمركز بالعلاقة مع المعلمين والمدارس، ولا استطلاعات تتعلق بالمناهج، على رغم أن التعاون مع مؤسسة أديان، ركز على وضع استراتيجية وطنية لتطوير التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع في المناهج الرسمية، بدعم من الحكومة البريطانية، فوضع منهاج رديف، بدأ بالفلسفة والحضارات وكتبه وخدمة المجتمع والتربية المدنية، فإننا لم نشهد أي سعي تنفيذ الخريطة المدرسية عبر العودة إلى مشروع تجميع المدارس، والحد من الاهدار الناتج من المبالغ الطائلة التي يرتبها استئجار الثانويات والمدارس،ولا تجهيز المدارس بوسائل متطورة ووصلها بشبكة الإنترنت. وعلى رغم كل الجهد الذي بذل على مستوى المركز، إلا أنه كان يعمل على مشاريع تحتاج الى التعمق أكثر والتقويم والمشاركة والاستطلاعات، وتكون قابلة للتنفيذ أيضاً، لعل أبرزها عودة كلية التربية لممارسة دورها في إعداد المعلمين.
النهار