وكان توقف آباء المجمع عند الأحداث التي تشهدها منطقتنا، وما ينتج عنها من انعكاسات على المواطنين على اختلاف انتماءاتهم. وهم يضرعون إلى الله كي يعود السلام والاطمئنان إلى أوطاننا، فتسود قيم الحرية، والعدالة، والمساواة، وينعم المواطنون بغد مشرق ومستقبل واعد لأبنائهم. وقد أكدوا على النقاط الآتية كمنطلق لأية مقاربة تحترم الرؤية المسيحية للانسان ولدور الكنيسة في العالم:
– أهمية الحضور المسيحي المشرقي.
المسيحيون المشرقيون أبناء هذه المنطقة، التي هي مهد المسيحية، قدموا للكنيسة الجامعة باقة من أهم آبائها وعلمائها. تاريخهم شاهد على انفتاحهم وانخراطهم في الحياة العامة، وقد أغنوا الحضارة العربية بإسهامهم العلمي والفكري والأدبي. المسيحيون المشرقيون، أبناء الكنائس المسيحية المتنوعة، مدعوون إلى الالتزام بقضايا الإنسان والأوطان، مع الأمانة لتعاليم الإنجيل والتقليد الكنسي. وللكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية، المتجذرة في المشرق العربي، أن تؤدي دور الريادة في إظهار وجه المسيحية الأصيل الخادم للانسان دون النظر إلى انتمائه العرقي، أو الديني.
وقد رأى الآباء في تنامي الهجرة، وبخاصة ممن ينتمون إلى فئة الشباب، من منطقتنا إلى بلاد الاغتراب خطرا يهدد الحضور المسيحي الفاعل في مجتمعاتنا. لذلك لحظوا ضرورة تثمير الأوقاف ودعم المؤسسات الكنسية من أجل خدمة متنامية للمؤمنين، لترسيخ وجودهم في ديارهم، وتأمين مقومات البقاء والثبات في البلاد التي دعانا الله إلى الشهادة فيها.
– روح السلام.
المسيحيون المشرقيون مدعوون إلى الالتزام بالعمل الدؤوب من أجل إحلال السلام في ربوعهم. هم أبناء المحبة والوداعة الإنجيلية وكنيستهم تدعوهم ليكونوا أمناء لهذه الخصوصية. لذلك، تنبذ الكنيسة العنف الممارس في العالم العربي عموما، وفي سوريا والعراق خصوصا، من قتل وتهجير وتشريد ودمار وفوضى وخطف. فالتاريخ أثبت أن العنف، من أي جهة أتى، ليس سبيلا إلى حل المشكلات، بل هو يفاقم من حدة الانقسامات بين أبناء الوطن الواحد، ويدفع نحو مزيد من النزاعات والحروب.
– واجب المواطنة.
من المنطلق ذاته المؤمنون مدعوون ألا يستقيلوا من واجباتهم الوطنية لأنهم لا ينظرون إلى حضورهم في العالم من وجهة نظر عددية وهم يرفضون اعتبار أنفسهم أقلية، وأن يتم التعامل معهم بذهنية أقلوية. هم مسؤولون، مع شركائهم في الوطن، عن نهضة بلادهم السياسية والحضارية والاجتماعية كجزء من رسالتهم في هذا العالم. وما التأكيد على قيم المواطنة السليمة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة، إلا في سبيل السعي إلى صياغة قوانين عادلة يخضع لها كل أبناء الوطن الواحد من دون تمييز، وتحقق التمثيل الصحيح لكل مكونات الوطن، وتفتح مجالات الخدمة لكل مواطن وفق مؤهلاته.
وان الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية مصممة على أداء دور ريادي كي يقوم أبناؤها بدورهم في تحمل المسؤوليات الوطنية. في هذا السياق، وعلى الرغم من أن الكنيسة لم تتبن مشروع قانون للانتخابات في لبنان، فإنها تؤكد على ضرورة سن قانون للانتخابات يضمن صحة التمثيل وعدالته للبنانيين كافة.
– الإعلام.
في عالم أصبح للاعلام فيه دور مفصلي في تشكيل الرأي العام، ونقل المعلومة، وصياغة المعارف، توقف آباء المجمع عند الأهمية التي يجب أن تعطى لهذه المقومة من مقومات مجتمعنا اليوم. فالإعلام الديني مدعو طبعا إلى بث قيم المعرفة والحرية والانفتاح والتربية على قبول الآخر، وإلى عدم استعمال المنابر الإعلامية على اختلاف أنواعها لإثارة الغرائز وشحن النفوس. لكنه مدعو أيضا لأداء دور إيجابي في تسليط الأضواء على كل ما يكرم الإنسان ويرفع من شأنه.
من هذا المنطلق شجب الآباء الإساءات ضد الرموز والقيم الدينية، واعتبروا ذلك استهدافا للمسيحية والإسلام من أجل زرع بذور الفتنة بين أبناء هاتين الديانتين التوحيديتين. كما شجبوا ردود الأفعال العنفية ضد تلك الإساءات، ورأوا أنها لا تنسجم مع روحية المسيحية والإسلام اللذين يدعوان إلى تحكيم العقل والحكمة في أي عمل يقوم به المؤمنون.
وفي الختام توجه البطريرك إغناطيوس الرابع بالشكر العميق إلى أصحاب السيادة الآباء الأجلاء الذين تقاطروا من أنحاء العالم كافة ليعبروا عن وحدتهم وتضامنهم في انتمائهم إلى كنيستهم الأنطاكية الأرثوذكسية المشرقية التي تضمهم إلى وحدة الشركة والمحبة.