إلهنا محب للبشر وأنت؟
ربما يتساءل المؤمن: كيف عليّ بشكل عمليّ تجسيد الرحمة في هذه السنة؟ هل تكفي أعمال الرحمة الجسدية والروحية في تحقيق فكرة يوبيل الرحمة؟ لاشك بان البابا فرنسيس وضع لنا خطة طريق تساعدنا في الولوج بشكل تدرّجي الى قلب الرحمة، ولكي تبلغ المسيرة الروحية اهدافها المرجوة، علينا بالعودة دائما الى مصدر وديناميكية تجسيد الرحمة، إنه الإنجيل، ولذلك اخترت لكم اعزائي القرّاء مثلا، يتناول حقيقة الرحمة العمليّة التي تساعدنا عمليًّا، في تحقيق قصد البابا رحماء كالآب (شعار يوبيل الرحمة).
١- إلهنا محبّ للبشر وأنت؟
لا يعاملنا الله كقاض، بل كأب حنون، لأنه يريد أن يخلّصنا بوافر محبته، فعندما نأتي إليه بقلب تائب، يترك حالا موقف الديّان والمحاسب ، ويسرع الى كشف سرّ أبوته المتّقد حنانا ورحمة للتائبين، ويعفي بمجانية وبكرم منه، كل الذنوب والخطايا والزلات والهفوات المتنوعة والعديدة والمتشعبة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، متناسيا الإساءات واللامبالاة التي صدرت بحقه، لان ما يهمه بشكل أساسيّ وأوليّ، توبة الإنسان لا هلاكه وعودة الضائع الى أحضان الدفىء الأبوي، والفرح بتوبته(راجع، لو ١٥: ١١- ٣٢). نعم، إن إلهنا إله محب للبشر، يمقت الخطيئة، ولكنه لا يرفض الإنسان التائب. علينا إذا، ألا نخاف من إله يحبنا هذا الحب، فلنعمل على تحرير منطقنا من الأفكار التي تشعرنا باليأس والقنوط والسأم والإتهام والإحباط والخوف والإتهام، غارسين مكانها فكر وعمل الرحمة القائل: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم وأنا أريحكم” (مت١١: ٢٨).
٢- عمليّة حسابيّة!
فلنقم بإحصاء بسيط، متذكرين المرّات الكثيرة التي سقطنا فيها وعدد المرّات التي طلبنا فيها السماح من الله، لا شك بأننا سنصاب للوهلة الأولى بالذهول! فإذا جمعنا كل تلك الأخطاء والخطايا- النفايات، ربما لم تسعها المحيطات والبحار. يا لعظمة رحمة الله ويا لقدرة نعمته، فحبه لا يتعب في غفران ذنوبنا.
٣- الطرق المفتوحة أم المسدودة؟
طالما نحن على قيد الحياة، فإن امكانية الوقوع في الخطايا موجودة ومرتفعة وبنسب عالية، لكن بالرغم من ضعفنا، لا يتواني الله في تحقيق غفرانه، ولأنه أمين فهو لا ينكر ذاته ولا يتخلّى عن وعده (راجع، ٢تيمو ٢: ١٢- ١٣) ، فهو يهبنا الفرص الواحدة تلوى الأخرى، لكي نحيا من جديد حياة ملؤها الفرح وصفاء الضمير. فلنقتص هذه الفرصة الذهبية، أي اليوم قبل الغد، ولنشرع في التفكير الجدي في طلب الغفران، أي بوقف التقاتل والصراع والإتهامات، وباتخاذ موقف نبويّ مما يجري حولي، وأعيد النظر في طريقة حلّ الأزمات التي أتخبط فيها، موقفا الطرق المسدودة والحلول التعجيزيّة في حلّ المشاكل. وهل هناك طريقا أفضل من السلام؟
٤- مسلكية الرحمة أم مسلكية التعنيف؟
وبالرغم من كرم الرب وجوده في المغفرة، فنحن احيانا كثيرة ننسى او نتناسى ان نغفر للآخر، فنقع في فخ العنف، فنعامل المسيء إلينا، بجفاء وقسوة وتعنيف مبرمج، كذاك العبد الناكر الجميل! ولا نعد نسمع لعقلنا بل لما تمليه علينا اهواؤنا وغرائزنا ولاسيما غريزة البقاء، لنصل الى حدّ تشريع قتل الآخر، فكريّا ومعنويّا ووجوديًّا، فنغفل من الوصية القائلة “لا تقتل”! فكما نعامل الآخر، هكذا الآب سيتصرّف معنا. مسلكية الرحمة أفضل من مسلكية الإنتقاد والتعنيف والجفاء والقسوة.
٤- غفران كامل أم جزئي؟
مع الله، لا يوجد نصف غفران أو ربع أو ثلث، بل غفران كامل وعفو كامل، دون أي شروط مسبقة… وأنا بدوري عندما اسامح عليّ ان أغفر من كل قلبي وقوتي وفكري وإرادتي. إذ لا توجد مع الرب أنصاف الحلول وهو القائل:” فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ”. جذرية الغفران ونقيضه، انها جذريّة الدينونة. فعلى المغفرة القلبية ان تطال القلب بكلّيته: المشاعر والعواطف والأحاسيس والرغبات والأفكار والنوايا، فلا يجب أن تبقى زاوية من قلبي ألا وأن تشترك في هذا الغفران الكامل والشامل الذي يريد ان يعيد الثقة بيني وبين الآخر.
ما تطلبه منّا سنة يوبيل الرحمة، أن نبدأ بتحقق عمليّ هادف لحقيقة الرحمة التي أعلنت على لسان البابا فرنسيس، مظهرين الطاعة البنوية للكنيسة الأم كأبناء يحبون الله ويعملون في تجسيد كلامه بالقول والفكر والعمل.
فلتترسخ فينا عادة الكرم، فنسامح بوفرة وبكرم على مثال الآب قالبا وقلبا، ومسيحيين حقيقيين لا أشباه مسيحيين.