فالنضج الإيماني من خلال إعلان الإيمان والاحتفال بالأسرار والليتورجيا وعيش المحبّة، يُسهم في إعلان البشارة ونقلها بطريقة صحيحة ومؤثّرة إلى قلب الكنيسة والمجتمع. لذا لا بدّ للرعاة ومن خلال حضورهم وتصرّفاتهم وتطبيقهم الفعلي للإيمان أن يحفّزوا المؤمنين على الإيمان بالرغم من الرياح التي تعصف بكيانهم. إنّ الروح القدس يعمل بالعمق من أجل توجيه الرعاة والعلمانيين إلى برّ الأمان والتعلّم على مواجهة التحديات المحدقة بهم من خلال عرض الأوضاع ببساطة وطرحها بوضوح وضمن حدود المنطق والمعقول. فالكنيسة مدعوة أكثر، من أي وقت مضى، لا سيّما في هذه الظروف التي تمرُّ بها المنطقة، إلى إستعادة زمام الأمور بإعلان الرجاء والتمسّك بكلام البابا بنديكتوس السادس عشر عندما يتحدّث عن “الوثوق في اللامتوقّع” ويذكّر بأنّ الإنسان في أغلب الأحيان يتجاهل الأشياء الجميلة أو ينسى قيمة وأهمية العطايا والنعم. ” وكونوا في كلّ حين مستعدين للردّ على كلّ مَن يطلب منكم دليلاً على الرجاء الذي فيكم. وليكن ذلك بوداعة واحترام” ( 1 بط 3: 15-16). من هنا تبقى الكنيسة عنوانًا للرجاء من خلال العمل الراعوي الحاضر لكلّ أبناء الكنيسة والذي يعطي دفعًا لتقبّل الرجاء الذي يحتاجه المؤمنين. لا بدَّ للعمل الراعوي أن يعمل بطريقة جدّية وعميقة ليُسهم في تكوين هوية مسيحيّة مبنيّة على اختيار شخصي وعن قناعة تتميّز بحريّة الضمير والعقيدة. فالعمل الراعوي يدفع بالمعمّدين إلى ممارسة الإيمان وعيش الالتزام المسيحي بإخلاص من خلال حياتهم الخاصة والعامة.
يُطلب من كنائس الشرق الأوسط تأمين تنشئة عميقة ودائمة للإكليروس كما للعلمانيّين من خلال التعليم المسيحي والعمل الراعوي، كما العمل على التربية على ثقافة قبول الآخر والحوار وثقافة السلام وسائر القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والإنجيليّة التي تحتاجها بلاد الشرق الأوسط، لا سيّما في هذه الظروف الحرجة والمصيرية، أكثر من أي وقت مضى، كما الحرص على تفعيل دور المرأة والسهر على الشبيبة ودعم العائلة التي تبقى أساس المجتمع الشرقي وصموده في هذه البقعة من العالم. معظم هذه الأمور لا بدّ وأن تنطلق من الإنجيل، من التعمّق به وفهمه، من قراءته بروح جديدة وذهنية منفتحة حيال التحدّيات القائمة في العالم، لا سيّما في هذه المنطقة.
إنّ تهميش المسيحيين في الشرق، ولا سيّما في لبنان، سيقود إلى عدم الإستقرار بل إلى التخاصم والفتنة والنزاع المسلّح والخراب بين مكوّنات المجتمعات في بلاد الشرق الأوسط والخليج. أعتقد بأنّ معظم الشرائح في المجتمعات العربية تُدرك بأنّ المسيحيين في الشرق ولبنان هم عامل إستقرار وازدهار وانفتاح على العولمة وتعدّد الحضارات بطريقة إيجابية وحضاريّة، لأنّ المسيحي بتربيته وثقافته وإيمانه يؤمن بالآخر المختلف كما يحترم التعددية ويشجع على التمايز ممّا يسهّل “العيش معًا ” تحت سقف القانون والعدالة واحترام المعتقد وتطبيق الديمقراطية وممارسة الحريّة المسؤولة. نذكّر بأنّ النهضة الإنسانيّة لا تقوم إلاّ على أسس روحيّة ولاهوتيّة وإنطلاقًا من الإنجيل. لذا فالمواطنة والحريّة الدينيّة عاملان مهمّان من أجل تعامل سليم وصريح بين جميع المواطنين.
والدعوة موجّهة إلى مسيحيي الشرق الأوسط كي يستعيدوا دورهم بالرغم من الأجواء الضبابيّة التي تحجب الرؤية الصحيحة في المنطقة، ممّا يساهم في الحدّ من القلق على مصيرهم ومصير الآخرين في ظروف صعبة على الجميع.
قال البابا فرنسيس:” لا يمكن أن أتصوّر منطقة الشرق الأوسط من دون المسيحيين وأضيف لا يمكن تصوّر الوجود المسيحي في الشرق من دون البشارة وعيش البشارة ورسالة المحبّة والسلام في مواجهة العنف والحقد والقتل والخطف، وأنّ المسيحيين هم مثل حبّة الحنطة إن لم تمت في الأرض تبقى مفردة وإن ماتت أتت بثمار كثيرة”.
الأب نجيب بعقليني
دكتور في اللاهوت الراعوي
أخصّائي في راعوية الزواج والعائلة
المصادر:
1- الكتاب المقدّس.
2- يوحنّا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان، 1997.
3- بنديكتوس السادس عشر، الإرشاد الرسولي، الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة، 2012.
4- Benoit XVI, lettre apostolique (en forme de motu proprio, Ubicumque et Semper), la promotion de la nouvelle évangélisation.
5- Benoit XVI, lettre apostolique, Porta Fidei (la porte de la foi), 2011.
6- François, Exhortation apostolique, Evangelii Gaudlium, (la joie de l’Evangile), (l’annonce de l’Evangile dans le monde d’aujourd’hui, 2013.
7- المجمع البطريركي الماروني، النصوص والتوصيات، بكركي، 2006.
بقلم الأب نجيب بعقليني/ زينيت