في ذكرى 500 عام على الاصلاح الانجيلي، زار البابا فرنسيس مدينة لوند الأسوجية، في 31 تشرين الاول 2016، ليشارك في الصلاة مع الكنائس اللوثرية. وصرّح: “علينا أن ننظر بمحبة وصدق الى تاريخنا، ونعترف بأخطائنا ونسعى للمسامحة والغفران… نحن نتوق إلى أن نشفي هذا الجرح، في جسد المسيح. هذا هو الهدف من سعينا المسكوني المشترك، الذي نسعى لتنميته بتجديد التزامنا الحوار اللاهوتي”. هذه الزيارة أعادت تسليط الضوء لا على الاصلاح الانجيلي بل على العلاقة التي تحسنت مع الكنيسة الكاثوليكية بعد صراع مرير ولّد حروبا واضطهادات.
يصادف في 31 تشرين الأول 2017، ذكرى مرور 500 سنة على نشوء حركة الإصلاح الإنجيلي (البروتستانت) في الكنيسة الكاثوليكية، وانشقاق مارتن لوثر وأتباعه عنها، وانطلاق الكنيسة الإنجيلية في العالم. ما هو واقع الكنيسة الإنجيلية في لبنان؟ وهل هي كنيسة واحدة أو أكثر؟
تتألف الكنيسة الإنجيلية في لبنان من أربعة فروع تتبع حركات الإصلاح الأوروبية الأربع: الإصلاح اللوثري، الإصلاح الزوينغلي (المعمداني)، الإصلاح الأنغليكاني، والإصلاح الكالفيني، وهي موجودة بكنائسها في بلدان الشرق الأوسط ومنها لبنان.
يقول رئيس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان القس فادي داغر لـ”النهار”: “إن الكنائس الثلاث، المشيخية، الأنغليكان واللوثرية موجودة في لبنان، والبقية لم تواكب الكنائس الثلاث، وفضّل القيمون عليه أن يظلوا مستقلين”، ويضيف أن “الكنائس المصلِحة الثلاث، أي المشيخية والأنغليكان واللوثرية “أكثر كنائس إنجيلية تتعاون مع الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية وغيرها لناحية العلاقات المسكونية وعلاقات الكنائس بعضها ببعض”. وفي رأي داغر أن تكاثر الكنائس الإنجيلية المستقلة في لبنان ساهم في ضعضعة الوجود الإنجيلي لكونها منضوية تحت تسميات مختلفة: “ثمة كنائس معمدانية تتبع مجمع كنيسة الله وغيرها يتبع كنيسة يسوع الناصري، وتبقى هذه الكنائس خارج العمل المسكوني، في حين اشتركت الكنائس المصلِحة الثلاث في تأسيس مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط، وهي ناشطة مع الكنائس المحلية ومستمرة الى اليوم”.
وأكد داغر أن الكنائس الإنجيلية الأساسية التي بدأت إرساليتها في الشرق لم تتراجع، “بل راحت تنمو في شكل متواصل، وبرز نموها في مجالات عدة، منها في تأسيس مدارس وجامعات، فالكنيسة المشيخية تحديداً أسّست الجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة اللبنانية-الاميركية، والمدارس الإنجيلية التي هي على امتداد سوريا ولبنان”.
ووفق تقديرات داغر، “يبلغ عدد الكنائس الإنجيلية الأساسية في لبنان 24، وقد يتجاوز عدد فروع الكنائس الإنجيلية الأخرى بين 30 و40 متفرعة، إلا أن كل الكنائس الإنجيلية تنسق في ما بينها ضمن المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية الذي شكلته في سوريا ولبنان”، لافتاً إلى أن “ثلثي كنائسنا في سوريا والثلث الباقي في لبنان”.
هل حافظت كنائسكم على روح الاصلاح الذي انطلقت به من عصر الإصلاح في أوروبا قبل 500 سنة؟ “الإصلاح لا ينتهي”، يجيب، “حتى أن الكنائس المصلِحة اليوم باتت تحتاج إلى إصلاح، لأنه بغير ذلك لا يمكن أن نتقدّم بالإصلاح”. ويشير إلى أن “الكنيسة المصلِحة قدمّت الكثير في تاريخها وأنجزت الممكن وفق حجمها تربوياً وطبياً وعلمياً، لكن ما تقوم به الكنيسة بشكل عام من خدمات اجتماعية لأبنائها المؤمنين يبقى فيه جوانب من التقصير”. وذكر داغر أن بعض الكنائس الشقيقة تماشي هذه الحركة في داخلها من دون أن تسمي نفسها حركة إصلاح، وهو لا ينفي وجود “ثغرة بين كنائسنا والكنائس الإنجيلية الاخرى المحافظة لناحية عدم انخراط الأخيرة معنا في العمل المسكوني، لكونها تعتبر هذا العمل يضعف الكنيسة، بينما نحن نرى عكس ذلك”.
ويقول رداً على سؤال: “كان لنا دور كبير في قلب الكنيسة التي علّمت أجيالاً وأجيالاً، وإذا نظرنا إلى الناس من كل الطوائف ممن يفكرون باعتدال نكتشف أنهم تخرجوا في مدارسنا وجامعاتنا. وكنيستنا أول من ساهم في إدخال اللغة الإنكليزية إلى لبنان، حتى أن ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية كانت بفضل الكنيسة الإنجيلية المصلِحة”.
هل تنمو الكنيسة الإنجيلية اللبنانية برعاياها أم تتناقص؟ يجيب داغر: “هناك تناقص قسري بسبب التهجير وخصوصا في جنوب لبنان زمن الإجتياح الإسرائيلي والصراعات الاخرى، علماً أننا أعدنا ترميم بعض الكنائس، ونلاحظ أنها تنمو حالياً في شكل بطيء إنما بثبات”.
الجهة المقابلة في الكنيسة الإنجيلية
في المقلب الآخر، يتحدث رئيس مجمع الكنائس المعمدانية الإنجيلية في لبنان القس الدكتور صموئيل الخراط الى “النهار” عن الكنيسة الإنجيلية المستقلة، فيقول إن أول كنيسة معمدانية في لبنان تأسست في راشيا عام 1904 على يد القس يوسف داود، ثم امتدت الى كفرمشكي، “وبعد ذلك انتشرت الكنائس المعمدانية على مساحة الوطن، منها الكنيسة المعمدانية في المصيطبة التي تعتبر الكنيسة الأم”.
للمعمدانيين ما يقارب الأربعين كنيسة في لبنان، يؤكد الخراط، “وهي كنائس فاعلة ومؤثرة، وفي تزايد وتوسع مستمر، وتمارس العبادة وتعليم الكتاب المقدس، وتقدم خدماتها في مجتمعها، وبخاصة في ظروف بلدنا الحالية وأوضاع مئات اللاجئين في أرجاء الوطن”.
ويرى الخراط أن التنسيق بين الكنائس يحصل في غالبيته تلقائياً وطوعياً، وهذا الأمر يعتمد على بيئة الكنيسة ومكان وجودها وعلاقة رعاة الكنائس الإنجيلية بعضهم ببعض.
وبمَ تتميز الكنائس المعمدانية عن سواها؟ يجيب: “ما يميّز الكنائس المعمدانية هو كرازتها ومناداتها الدائمة بفاعلية كفّارة المسيح النيابية للخلاص، غفران الخطايا والمرجعية المطلقة للكتاب المقدّس في التعليم والحياة”، موضحاً في هذا الإطار أن “لكل العائلات الإنجيلية ما يميزها، وهذا ما نسميه التعددية في الوحدة والغنى في التنوع”.
ويلخص القس سهيل سعود من السينودس الانجيلي الوطني في سوريا ولبنان الوضع العالمي الذي ينعكس حكما على الكنائس المحلية، فيقول: “منذ منتصف القرن العشرين، بدأت تتكون صورة جديدة مغايرة للماضي نتيجة لإعادة دراسة، كاثوليكية لوثرية، لتاريخ الاصلاح وسياقه وأحداثه وظروفه. وبالتحديد، إعادة دراسة شخصية أبي الإصلاح مارتن لوثر ودوافعه ولاهوته وكتاباته، مما انعكس على طبيعة علاقة جديدة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية، بل مجمل الكنائس التي تستمد جذورها من تاريخ الإصلاح، لتتحول من علاقة صراعات وادانات، الى علاقة السير في طريق المصالحة والشركة”.
ويعود سعود الى عام 1970 في اجتماع الهيئة العامة الخامسة للفيديرالية العالمية للكنائس المصلحة، والذي خرج بالتصريح بالآتي: “نحن الكنائس اللوثرية في العالم، مستعدون للاعتراف بأن حكم المصلحين على الكنيسة الكاثوليكية ولاهوتها لم يكن دون تشويهات هجومية، لا تزال قائمة جزئيا حتى يومنا هذا. ونحن حقيقة نادمون على هذه الإساءات. وفي تصريحات لوثرية أخرى، اعتذر اللوثريون عن تسمية لوثر للبابا بأنه “ضد المسيح”، وطلبوا المسامحة.
في المقابل، يستشهد سعود بتصريح للبابا يوحنا بولس الثاني عام 1983، لمناسبة ذكرى مرور 500 عام على ولادة لوثر، إذ قال: “يجب ألا يتحمّل مارتن لوثر وحده اللوم والمسؤولية على انقسام الكنيسة”. وأضاف: “لوثر هو اللاهوتي الذي ساهم في طريقة كبيرة في تغيير راديكالي في الواقع الكنسي والعلماني في الغرب… إن عالمنا لا يزال يختبر تأثيره الكبير على التاريخ حتى اليوم”. وتابع البابا: “الذكرى مناسبة للتأمل بحقيقة مسيحية في ذلك الحدث المحفور في التاريخ، الذي هو زمن الاصلاح. لقد حان الوقت كيما نبعد أنفسنا، وننظر نظرة واقعية الى الأحداث التاريخية، ونتأكد أنها تفهم بشكل أفضل وتثار بشكل أفضل”.
كما ان البابا بينيديكتوس الرابع عشر زار في 23 أيلول 2011، الدير الذي صرف فيه لوثر 6 سنوات من عمره راهبا، في ايرفرت في المانيا. وصرّح هناك: “مارتن لوثر هو مصلح عصره، الذي انتقد كنيسة لم تكن نموذجا يحتذى… مارتن لوثر طرح ويطرح تحديا روحيا ولاهوتيا لكاثوليك اليوم. فالذي شغل فكره وحياته باستمرار كان سؤاله عن الله. وهو الشغف العميق الذي ساد عليه كل حياته.
النهار