500 يوم مرت على خطف المطرانين يوحنا ابرهيم وبولس يازجي على الطريق الممتد ما بين حلب والحدود التركية – السورية من دون علم أو خبر أو حتى تحرك جدي من أجل الافراج عنهما. و”داعش” التي كانت مجرد تنظيم ارهابي عادي عند اختطافهما أًصبحت اليوم “دولة خلافة” ولها أمير مؤمنين وجهاز مالي وتنظيمي ومؤيدون في أنحاء العالم الاسلامي وتكاد ان تنتزع مقعداً لها في الامم المتحدة. كان واضحاً خلال الايام التي تلت خطف المطرانين أن خاطفيهما من الاحتراف والتقنية في جريمتهما بمستوى منع تسرب معلومة واحدة عن مصيرهما واحوالهما ومكان احتجازهما وحتى الجهة الخاطفة التي لم تفصح يوماً عن اسمها ومطالبها والهدف من وراء اختطاف المطرانين لا مالياً ولا سياسياً ولا حتى في إطار مبادلتهما بمعتقلين لدى النظام السوري أو غيره، مما ترك هالة من الغموض ومساحة واسعة للتكهنات عمن يقف وراء الخطف، خصوصاً ان بعض مؤيدي المعارضات السورية ذهبوا الى اتهام استخبارات النظام السوري بالعملية من أجل حشد تأييد المسيحيين والاقليات له، لكن حتى تلك النظرية بقيت مجرد حبر على ورق، ذلك ان هذه النظرية كانت تفترض لا سمح الله قتل المطرانين من أجل تحقيق الافادة القصوى من العملية، لكن ذلك لم يتحقق. ثم قيل أن الجهة الخاطفة هي احد الفصائل المسلحة المحلية وهدفها هو الافراج عن معتقلين لدى النظام لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. وقيل أيضاً ان الخاطفين من التكفيريين الآتين من الشيشان وداغستان وأنهم يريدون مقايضة الرجلين بمعتقلين لدى سلطات موسكو، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث واستمرت المسألة في دائرة الصمت التام.
قيل الكثير عن الافراج عن المطرانين يازجي وابرهيم وخصوصاً بعد الانتهاء من ملف اعزاز وملف راهبات معلولا، وتم تداول الكثير من الكلام عن تدخل قطري لدى الخاطفين، وان اللواء عباس ابرهيم ربما دخل على الخط، لكن شيئاً لم يتضح وأستمر اللغز الكبير، وعندما زار بطريرك الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية يوحنا العاشر وشقيق المطران يوحنا دول الخليج العربي اعتقد كثر أن خطف المطرانين ربما وصل الى نهايات سعيدة وأن الافراج عنهما اصبح قاب قوسين، ولكن لا دول الخليج العربي تدخلت أو افصحت عن اي معلومات، ولا فرنسا قدمت شيئاً، خصوصاً رئيسها فرنسوا هولاند الذي يبشر المسيحيين المشرقيين بقرب نهايتهم ويدعوهم الى الانتقال الى ضيافة فرنسا في الوقت الذي يهاجر فيه الفرنسيون الى ديار الله الواسعة وترتفع نسبة البطالة الى معدلات غير مسبوقة. أما تركيا اردوغان فلم تحرك ساكناً رغم إقامة البطريرك المسكوني الارثوذكسي في اسطنبول، وما تردد عن معرفة الاستخبارات التركية الراعية الرسمية بالكثير من التنظيمات المسلحة في شمال سوريا لم يؤد الى اي نتيجة.
الاكيد ان خطف المطرانين أدى الى أمر واحد، يتمثل في زيادة منسوب التوتر لدى مسيحيي سوريا ولبنان ومن تبقى منهم في دول الشرق الاوسط والتأكيد لهم ان ثمة من لا يريدهم في هذه البلاد بعد عيش مشترك وتجذر تاريخي يعود الى ما قبل الاسلام بمئات السنين. بهذا المعنى تتحمل نخب المسلمين وقياداتهم الروحية المسؤولية الكاملة عن السكوت على خطف المطرانين وعدم التحرك الجدي من أجل إنقاذهما، والحراك الوحيد الذي سجله الازهر بأصدار وثيقته التاريخية عن التعايش المشترك بين الاسلام والمسيحية سرعان ما طواه النسيان وأصبح حبراً على ورق وعنواناً أخر في أرشيف التاريخ المأسوي لشعوب هذه المنطقة.
¶ للمناسبة دعت “الرابطة السريانية” الى لقاء تضامني مع المطرانين الأسيرين في نادي السريان – سد البوشرية، اليوم الاربعاء 3 ايلول الساعة الرابعة.
بيار عطالله / النهار